ازدهار تجارة الأعضاء بأفغانستان.. "سوق للكُلى" في هرات

رجال أفغان باعوا كُلاهم خلال السنوات الأربع الماضية في محاولة لإنقاذ أسرهم من الجوع، في صورة تظهر ندوب العملية في قرية سيشانبا بازار في إنجيل، محافظة هرات، أفغانستان- 4 فبراير 2022 - AFP
رجال أفغان باعوا كُلاهم خلال السنوات الأربع الماضية في محاولة لإنقاذ أسرهم من الجوع، في صورة تظهر ندوب العملية في قرية سيشانبا بازار في إنجيل، محافظة هرات، أفغانستان- 4 فبراير 2022 - AFP
هرات - أ ف ب

أصبحت مدينة هرات مقصداً للأفغان الباحثين عن كلية للبيع، حيث يجدون "بائعين" وخدمة طبية تفي بالغرض بمبلغ يتراوح بين 1500 و3500 دولار أميركي للكُلية الواحدة، بحسب وكالة "فرانس برس".

وتقع هرات في غرب أفغانستان حيث تزدهر هذه التجارة منذ سنوات لكنها ازدادت مؤخراً بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أغسطس الماضي وتجميد الولايات المتحدة الأميركية مليارات الدولارات من أصول المصرف المركزي.

ويقع بائعو الكُلى فريسة لتبخر الأموال سريعاً، وانهيار صحتهم بشكل أسرع. فعلى سبيل المثال، عندما تراكمت الديون على نور الدين ظن أن بيع كُليته سيحل أزمته المالية التي شلت قدرته على إطعام أطفاله، لكنه لم يتوقع أن العملية ستشل قدرته أيضاً عن العمل بعدما خارت قواه الجسدية.

ويقول الرجل وهو أب لـ4 أطفال في منزله المتواضع: "توجب عليّ أن أفعل ذلك من أجل أطفالي. لم يكن لديّ أي خيار آخر".

لكن اليوم، يجوب ابنه فريد الذي لم يتجاوز 12 عاماً، بالنيابة عنه شوارع هرات بحثاً عن زبائن يُلمع لهم أحذيتهم.

خطر الجوع

وحذرت الأمم المتحدة مراراً من أن أكثر من نصف سكان أفغانستان يواجهون خطر الجوع، فيما فقدت العملة المحلية نحو 30% من قيمتها أمام الدولار.

وخلال السنوات الماضية لجأ الكثير من الأفغان إلى بيع كُليتهم مقابل مبالغ مالية تؤمن لهم مصاريف أساسية.

وتحدثت وكالة "فرانس برس" مع 8 أشخاص على الأقل باعوا كليتهم خلال السنوات الماضية، بينهم اثنان خضعا لعملية النقل خلال الخريف.

ويراوح عادةً ثمن الكُلية بين 2000 و3500 دولار أميركي، ولو أن البعض، نتيجة العوز، يقبل أحياناً بمبلغ أقل.

وقال شخصان لوكالة "فرانس برس"، بينهما نور الدين، إنهما خضعا للعملية مقابل 1500 دولار فقط خلال الأشهر الستة الماضية.

تدهور الصحة سريعاً

ويقول نور الدين (32 عاماً)، بينما يجلس إلى جانب بئر قديمة تحت شجرة يابسة في باحة منزله الصغير: "في السابق، كان الكثير من الأشخاص يعملون وكانت الشركات في حالة جيدة".

لكن قبل 5 أشهر وجد أن المعمل الذي كان يعمل به خصم من راتبه ليصل إلى ما يساوي 30 دولاراً فقط، فلم يكن منه سوى أن استقال ظناً أنه سيجد دخلاً آخر، لكنه وجد نفسه عاطلاً عن العمل.

في باحة المنزل علقت العائلة ثياباً باهتة، بعضها ممزق، على أغصان أشجار يابسة. ويقي غطاء بلاستيكي ألصق على نافذة المنزل بدلاً من الزجاج، العائلة، من برد الشتاء. 

In this photo taken on February 4, 2022, Nooruddin, who sold his kidney to raise money for his family, shows the scars from the operation next to his son Javid at their house in the Khwaja Koza Gar area in Herat. - Jobless, debt ridden, and struggling to feed his children, Nooruddin felt he had no choice but to sell a kidney -- one of a growing number of Afghans willing to sacrifice an organ to save their families. (Photo by Wakil KOHSAR / AFP) / To go with AFP story Afghanistan-Economy-Health-Organs, FEATURE by Rouba EL HUSSEINI - AFP
صورة تم التقاطها في 4 فبراير 2022، حيث يظهر نور الدين، الذي باع كُليته، الندوب من العملية بجوار ابنه جافيد في منزلهما في هرات غرب أفغانستان - AFP

ضاقت الحال بنور الدين، فقرر بيع كليته، لكن المبلغ تبخر سريعاً، إذ سدد منه الديون المتراكمة عليه. ويقول: "أنا نادم جداً. لم يعد باستطاعتي العمل، أشعر بالألم، ولا يمكنني أن أحمل أي شيء ثقيل".

هكذا بات فريد مسؤولاً عن تأمين لقمة عيش العائلة. بعد ساعات طويلة في الشارع، يعود إلى المنزل وفي جيبه ما يعادل 70 سنتاً فقط.

"قانون موافقة المتبرع"

ويعد بيع وشراء الكُلى أمراً غير قانوني، بحيث يجدر بالمتبرع أن يكون أحد أفراد العائلة أو أي شخص لا يبغى الربح، لكن العملية في أفغانستان ليست منظمة.

ويوضح الجراح المرموق السابق من مدينة مزار شريف الشمالية محمد وكيل متين، أنه "ليس هناك أي قانون لإدارة كيفية التبرع بالأعضاء أو بيعها، لكن موافقة المتبرع ضرورية".

وتُعرف هرات في غرب البلاد، والقريبة من الحدود الإيرانية، بعمليات نقل الكُلى التي بدأ العمل فيها قبل حوالى 6 سنوات في مستشفيين خاصين بالمدينة.

ويقصد هرات أفغان من كل أنحاء البلاد لإجراء العملية، وفق ما يقول الجراح وخبير عمليات نقل الكُلى محمد بصير عثماني. كذلك يتوافد إليها أفغان يقطنون في خارج البلاد، حتى في الهند وباكستان.

وخضع المئات لعمليات نقل الكُلى، غالبيتهم في مستشفيي هرات، وفق عثماني الذي يؤكد أن الأمر الأساسي هو "موافقة" المتبرع.

وينفى الطبيب أية علاقة للمستشفى باتفاقيات بيع الكلى. ويقول: "لا نحقق من أين يأتي المريض أو المتبرع أو كيف. هذه ليست وظيفتنا". ويضيف: "حين يأتون إلى المستشفى، نأخذ منهم الموافقة الخطية وتسجيل فيديو، وتحديداً من المتبرع".

وقد يجد الراغبون ببيع كُلاهم مباشرة مرضى في المستشفى يبحثون عن متبرعين أو قد يلجأون إلى سماسرة يأخذون حصتهم من العملية.

سماسرة الكُلى

في غرفة تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، تروي آزيتا أن "سمساراً" وجد لها زبوناً يتحدر من محافظة نمروز الجنوبية. وقبل 3 أشهر، خضعت للعملية.

وتقول: "بعت كليتي مقابل 250 ألف أفغاني (نحو 2500 دولار أميركي)، ودفعت منها 10 آلاف" للسمسار. ثم ترفع عباءتها الزرقاء الباهتة ليظهر من تحتها أثر جرح على جانبها الأيسر.

وتتابع: "بعتها كي لا يعاني أطفالي"، خصوصاً بعدما توجب عليها إدخال اثنين منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج من سوء التغذية. وتضيف: "توجب عليّ أن أقدم على هذه الخطوة، زوجي لا يعمل، وتراكمت علينا الديون".

لم يسعف ثمن الكُلية العائلة طويلاً. اليوم، يفكر الزوج أيضاً بالإقدام على الخطوة ذاتها. ويقول الرجل الذي يعمل بأجر يومي: "أصبح الناس أكثر فقراً، الكثيرون يبيعون كلاهم بدافع اليأس".

"قرية الكُلية الواحدة"

وفي الدول المتطورة يكمل المتبرع والمتلقي حياتهما بشكل طبيعي خصوصاً بعد تلقيهما الاهتمام الطبي اللازم. لكن وسط قطاع صحي منهك في أفغانستان، فإن الوضع ليس بهذه السهولة.

ويشير متين إلى صعوبة حصول متابعة طبية جيدة. ويقول: "ليست هناك مؤسسات طبية حكومية لتسجيل البائع والمتبرع لإجراء فحوصات دورية".

على مر السنوات الماضية، باع العشرات، وبينهم 5 أشقاء، من قرية متواضعة قرب هرات، كلاهم حتى باتت القرية تُعرف بـ"قرية الكلية الواحدة".

ويقول غلام نبي، أحد الأشقاء الخمسة: "لم يجعلني ذلك ثرياً، لا تزال لدينا ديون ولا زلنا فقراء كما في السابق".

وقبل 6 أشهر، حذت جارته شكيلة (19 عاماً) الوالدة لطفلين حذو الأشقاء الخمسة. وتقول: "لم يكن لدينا حل بسبب الجوع". تجلس شكيلة على الأرض في منزل غلام نبي إلى جانبها زوجها وقد غطت وجهها الذي لا يظهر منه سوى العينين.

In this photo taken on February 3, 2022, Aziza, who plans to sell her kidney to raise money for her family, poses for a picture with her daughter Parwina at her house in Herat. - Jobless, debt ridden, and struggling to feed his children, Nooruddin felt he had no choice but to sell a kidney -- one of a growing number of Afghans willing to sacrifice an organ to save their families. (Photo by Wakil KOHSAR / AFP) / To go with AFP story Afghanistan-Economy-Health-Organs, FEATURE by Rouba EL HUSSEINI - AFP
عزيزة التي تخطط لبيع كليتها من أجل جمع المال لأسرتها، تحمل ابنتها باروينا في منزلها بهرات، أفغانستان - 3 فبراير 2022

 يبحث زوجها يومياً عن العمل في هرات لكن ما يعود به إلى المنزل ليس كافياً لإعالة العائلة. وتقول: "إذا وجد عملاً نأكل، وإلا لا نأكل". باعت شكيلة كليتها مقابل 1500 دولار فقط، واستخدمت غالبية المبلغ لسداد الديون المتراكمة.

"كليتي أو ابنتي"

ولم ترد حركة طلبان على أسئلة وكالة "فرانس برس" بشأن الموضوع. لكن بعد عودتها إلى الحكم، أوقفت العمل ببرنامج نقل الكُلى لشهرين، وشكلت لجنة لتنظيم هذه العمليات.

وتكمن إحدى مهام اللجنة، وفق عثماني، في ضمان "ألا يكون هناك أي اتفاق مالي بين المتلقي والمتبرع". لكن في هرات لا يزال العوز يدفع بالبعض للبحث عن مشترين.

في باحة منزل تقطنه مع عائلات أخرى، لا تتمكن عزيزة (20 عاماً)، الأم لـ3 أطفال، من حبس دموعها. وتقول بصوت يرتجف: "أطفالي يتسولون في الشوارع". وتضيف: "نرتجف جراء البرد من الصباح حتى المساء". ولذلك تنتظر اليوم أن تجد مشترياً لكليتها.

وتقول: "إذا لم أبع كليتي، سأجبر على بيع طفلتي" التي تبلغ عاماً واحداً فقط. بصرامة مطلقة يتدخل زوجها، مؤكداً: "لا يهم، الكلية أو الابنة". ويقول: "عندما يأتي المشتري الأول، سنبيع".

اقرأ أيضاً: