مخيم جنين.. "عش الدبابير" الذي يقلق الجيش الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يداهمون قرية جنوب جنين - 30 مارس 2022 - AFP
جنود إسرائيليون يداهمون قرية جنوب جنين - 30 مارس 2022 - AFP
رام الله -محمد دراغمة

ما إن يشعر سكان مخيم جنين بحركة الجيش الإسرائيلي على أطراف المخيم، حتى يهب عدد كبير من المسلحين لمواجهته، حيث تدور اشتباكات واسعة، غالباً ما تسفر عن سقوط ضحايا من أبناء جنين.

المواجهة الأخيرة التي اندلعت، فجر الخميس، أسفرت عن سقوط شابين وإصابة 14 آخرين بالرصاص الحي.

وبحسب مصادر في المخيم، حاول الجنود تطويق منزلين بهدف تنفيذ عملية اعتقال، لكن المسلحين هاجموهم وأفشلوا خطتهم، إذ دارت اشتباكات واسعة استمرت ساعات عدة.

وتعد هذه المواجهة، واحدة من عشرات المواجهات التي تقع كل عام بين مسلحين في المخيم وقوات الجيش الإسرائيلي عندما تحاول اقتحامه بهدف تنفيذ اعتقالات أو القيام بعملية هدم بيت أو ما شابه.

حالة خاصة

وتتميز مخيمات الضفة الغربية بوجود عدد من المسلحين يتصدون لاقتحامات الجيش الإسرائيلي، لكن الحال في مخيم جنين يبدو مختلفاً، إذ ينتشر في المخيم عدد كبير من المسلحين من مختلف الفصائل الفلسطينية، خاصة حركات "فتح" و"الجهاد الإسلامي" و"حماس" الذين يعملون معاً بتناغم بعيداً عن الانقسام الحاصل بينهم سياسياً.

ويقول قادة محليون إن أبناء المخيم توارثوا فكرة المقاومة المسلحة من الجيل الذي قاتل في الانتفاضتين الأولى 1987، والثانية التي امتدت من 2000 إلى 2005، وبالأخص في معركة جنين الشهيرة عام 2002.

وكان مخيم جنين معقلاً للمسلحين من مختلف الفصائل في الانتفاضة الثانية، إذ تصدى هؤلاء المسلحون لاقتحام الجيش الاسرائيلي، حيث دارت معركة واسعة استمرت أسابيع عدة، سقط فيها 58 فلسطينياً و23 جندياً إسرائيلياً.

وأزال الجيش الإسرائيلي حياً كاملاً في المخيم عن الوجود ليتمكن من احتلاله، وفقاً لتقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" الذي أظهر بصورة كاملة هدم 450 منزلاً، ودمر أكثر من 400 منزل فيما تعرض 300 آخرون لأضرار جزئية.

وأقام أهالي المخيم على مدخله، نصباً تذكارياً للذين توفوا في المعركة. وتحول بعضهم إلى أيقونات وطنية تتردد أسماؤها في أغانٍ وأهازيج وأدبيات المقاومة مثل أبو جندل من قادة الأمن الوطني، ومحمود طوالبة من "الجهاد الإسلامي"، وزياد العامر من "فتح" وغيرهم.

ورثة الحكاية

عضو المجلس التشريعي السابق عن حركة "فتح" جمال حويل، والذي اعتقل في معركة جنين، وأمضى 6 سنوات في السجن، قال في حديث لـ"الشرق"، إن "الجيل الجديد من أبناء المخيم تربى على إرث الجيل السابق من المقاتلين الذين تحولوا إلى ما يشبه الأسطورة".

وأضاف أن "هوية المخيم هوية نضالية، والظاهرة المسلحة في المخيم ظاهرة لازمته في مختلف المراحل، في الانتفاضة الأولى، إذ ظهرت فيه مجموعات مسلحة، وفي الانتفاضة الثانية قاتل المخيم في معركة دخلت التاريخ، لذلك من الطبيعي أن يرث الجيل الجديد فكرة المقاومة المسلحة".

ومضى بالقول إن "المقاومة المسلحة فخر كل مواطن في المخيم، فالناس هنا فقدوا بيوتهم وأراضيهم، ولا يوجد لديهم أي شيء ليفتخروا به سوى فكرة المقاومة، فهم لا يملكون أرضاً ولا ممتلكات ولا وظائف"، مشيراً إلى أن كل منزل في المخيم يوفر حاضنة للمسلحين وحماية لهم.

ونشر حويل مؤخراً كتاباً عن معركة جنين، وثق فيه فصولها المختلفة كما شهدها بنفسه من اللحظة الأولى للحصار حتى اللحظة الأخيرة من المعركة التي انتهت باعتقال من تبقى فيه من مسحلين.

13 ألف نسمة

ويعد مخيم جنين، واحداً من أكثر المخيمات الفلسطينية، اكتظاظاً بالسكان، إذ يعيش فيه 13 ألف نسمة في مساحة صغيرة لا تزيد عن نصف كيلومتر مربع.

وبخلاف المواقع الأخرى التي تشهد انقساماً سياسياً بين حركتي "فتح" و"حماس"، فإن مخيم جنين يتسم بالوحدة بين مختلف القوى.

وعن ذلك قال حويل: "الانتماء للفصائل هنا يقوم على فكرة المقاومة، لهذا توجد وحدة بين المقاومين الذين خاضوا كل المعارك بصورة مشتركة، لذلك فإن الانقسام لا يعني لهم شيئاً لأن ما يوحدهم أهم بكثير من السياسة، ما يوحدهم هو الدم والمقاومة".

"كاسر الأمواج"

وفي إشارة تعكس حجم التحدي الذي يشكله المسلحون في مخيم جنين للجنود الإسرائيليين، ذكرت وسائل الإعلام العبرية، أن مئات الجنود شاركوا في عملية الاجتياح الأخيرة التي استهدفت اعتقال شابين في المخيم.

وجاء في خبر نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الأكثر انتشاراً في إسرائيل، أنه "على عكس حملات اعتقال سابقة، وبشكل استثنائي، وفي رسالة إسرائيلية للجانب الآخر، قرر الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية الاعتقال بشكل علني وفي وضح النهار في (وكر الإرهاب) مدينة جنين، وفي مخيم جنين الملاصق لها"، وفق الصحيفة. 

وأضافت الصحيفة أن "الجيش الإسرائيلي أطلق على التحركات الأمنية في أعقاب سلسلة العمليات الأخيرة اسم كاسر الأمواج"، مشيرة إلى أن "مئات الجنود من وحدات سيرت جولاني ودوفدوفان والمستعربين في الضفة الغربية اقتحموا أهدافاً عدة في جنين ومخيمها مع ساعات الصباح الأولى، وكانوا قبل ذلك انتشروا في نقاط عدة من بينهم عشرات القناصة من وحدات النخبة".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، قولهم إن "الاشباكات كانت على مسافة متر واحد ومن عدة أمتار في بعض الأحيان".

وتابعت "يديعوت أحرنوت" أن "العملية الاستثنائية جاءت لتوصل رسالة للطرف الآخر مفادها أن الجيش الإسرائيلي مستعد لتنفيذ عمليات ودون تردد حتى في مخيم جنين".

مواجهة دائمة

بدوره، قال يحيى الزبيدي، وهو أحد المعتقلين السابقين في المخيم، في حديثه لـ"لشرق"، إن "الجيش الإسرائيلي أعلن مؤخراً أن هناك 5 آلاف قطعة سلاح في المخيم".

وأضاف "حتى لو كانت هناك مبالغة في هذه الأرقام، فإن التقديرات الإسرائيلية تعكس توقعاتهم من أي عملية اقتحام تجري في المخيم"، إذ يتحول الأمر إلى "مواجهة دائمة".

وما بين اجتياح وآخر، يواصل سكان المخيم حركتهم في أزقته التي تضيق يوماً بعد يوم بفعل البناء العشوائي الناجم عن غياب البديل لهؤلاء اللاجئين الذين فقدوا أرضهم وممتلكاتهم.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات