تنطلق في باريس الاثنين المقبل، محاكمة شركة "الخطوط الجوية اليمنية" على خلفية تحطم رحلتها رقم 626 قبالة جزر القمر في 30 يونيو 2009، ما أودى بحياة 152 شخصاً في حين نجت طفلة، في واحد من أكثر حوادث الطيران مأساوية.
بدأت الرحلة المشؤومة من باريس ومرسيليا في فرنسا، باتجاه جزر القمر قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا، حيث يتوجه عادة المغتربون من جزر القمر إلى بلادهم لقضاء بعض الوقت مع عائلاتهم.
في الطريق إلى جزر القمر توقف المسافرون في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث تم نقلهم من طائرة أكثر حداثة من طراز "إيرباص إيه 330" إلى الطائرة المنكوبة "إيه 310-300" التابعة أيضاً لـ"إيرباص" الفرنسية، والتي تشغلها "الخطوط الجوية اليمنية".
أقلعت الطائرة أو الرحلة 626 من صنعاء قبيل الساعة العاشرة من مساء يوم الاثنين باتجاه مطار الأمير سعيد إبراهيم الدولي في عاصمة جزر القمر موروني، ثم اختفت عن الرادار في أجواء مناخية متقلبة، عندما كانت على بعد 25 كيلومتراً فقط من موروني.
ويعتقد، بحسب سلطات جزر القمر، أنَّ الطائرة تحطمت نحو الساعة 1:30 من فجر يوم الثلاثاء، عندما حاولت الطائرة أن تهبط مرتين في ظل رياح عاصفة، قبل أن تتحطم في المياه العميقة قبالة "القمر الكبرى"، أكبر الجزر الثلاثة في البلاد.
الناجية الوحيدة
كان على متن الطائرة 153 راكباً، بما في ذلك 75 راكباً من جزر القمر، إضافة إلى 65 فرنسياً وفلسطيني وكندي، فيما كان طاقمها يتكون من ستة يمنيين واثنين من المغرب وإندونيسي وإثيوبي وفلبينية.
وقد أودى التحطم بحياة جميع الركاب ما عدا الطفلة بهية بكاري التي كانت حينها في الثانية عشرة من عمرها، وتمكنت بأعجوبة من النجاة، حيث عثرت عليها فرق الإنقاذ متشبثة بقطعة من الحطام في المياه بعد نحو 12 ساعة من تحطم الطائرة.
كانت بهية تسافر مع والدتها من فرنسا إلى جزر القمر، وقد كانت والدتها من بين ضحايا الحادث المميت.
وفي تصريحات إعلامية، قال والدها الذي تحدث معها هاتفياً عقب الإنقاذ: "سألتها ماذا حدث، فقالت: لقد رأينا الطائرة تسقط في الماء، ثم وجدت نفسي في الماء، وكنت أسمع الناس يتحدثون لكنني لم أتمكن من رؤية أي شخص. لقد كنت عالقة في الظلام، ولأنني لم أستطع السباحة، فقد بقيت متشبثة بشيء لا أعرف تحديداً ما هو".
وعلى الرغم من الصدمة التي كانت تعيشها بعد إنقاذها، إلا أنَّ الأطباء في جزر القمر أبدوا دهشتهم من نجاة بهية بإصابات قليلة لا تتعدى جروحاً قطعية وخدوشاً وكسراً في عظمة الترقوة. وقد تمت إعادتها إلى فرنسا لاحقاً على متن طائرة تابعة للحكومة الفرنسية.
ووفقاً لـ"شبكة سلامة الطيران"، فإن حادثة الطائرة اليمنية هي الثانية من نوعها على الإطلاق التي تشهد نجاة شخص واحد فقط. وكانت فتاة تبلغ من العمر أربع سنوات هي الناجية الوحيدة عندما تحطمت طائرة تابعة لشركة "خطوط نورث ويست الجوية" في ديترويت عام 1987، ما أسفر عن وفاة 156 شخصاً.
ملابسات الحادث
واعتبرت السلطات اليمنية حينها أن أحوال الجو المتقلبة كانت السبب الأكثر ترجيحاً وراء الحادث، فيما تحدثت فرنسا عن مشكلات فنية تعانيها الطائرة اليمنية المنكوبة.
وأشار وزير النقل الفرنسي حينها دومينيك بوسيرو إلى أن فرنسا منعت قبل بضع سنوات الطائرة "إيه 310-300" من العمل في فرنسا، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، ملمحاً إلى وجود خلل فني وراء الحادث، وذلك بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وكانت فرنسا حظرت الطائرة من دخول المجال الجوي لفرنسا، بعدما اكتشف مفتشون العديد من المشاكل الفنية فيها عام 2007، كما اكتشفت دول أوروبية أخرى عدداً من المشاكل عندما فحصوا الطائرة قبل وقوع الحادث.
لكن مسؤولين يمنيين أكدوا أنَّ الطائرة خضعت لفحص دقيق، وأنها كانت مطابقة للمعايير الدولية، فيما أعلنت الشركة اليمنية عن تعويضات أولية لذوي الضحايا بنحو 28 ألف دولار لكل عائلة من عائلات الضحايا.
وكانت الطائرة المنكوبة "إيه 310 - 300" تبلغ من العمر 19 عاماً عند وقوع الحادث، إذْ تم تسليمها في العام 1990، وعملت لدى شركة الطيران اليمنية منذ العام 1999، حيث قطعت نحو 52 ألف ساعة طيران خلال ما يقدر بـ17300 رحلة.
مشكلات الطاقم
وإلى جانب العيوب الفنية في الطائرة، تحدث بعض أهالي الضحايا عن مشكلات في اختيار طاقم الطائرة.
واتهم رئيس جمعية الضحايا سعيد السوماني الخطوط اليمنية باستخدام "طيارين مزيفين" لم يحصلوا على التدريب اللازم، وليست لديهم الخبرة اللازمة، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس".
وأشار السوماني إلى أنه أثناء هبوط الطائرة المنكوبة في موروني، كانت هناك حاجة إلى مناورة بدون مساعدة إلكترونية أو رادار، بحيث يستخدم الطيار مهارته بالدرجة الأولى.
وتنفي السلطات اليمنية هذه الاتهامات، وتعتبر أن الكابتن خالد حاجب الذي كان يقود الطائرة، وهو من مواليد مدينة عدن عام 1964، من أفضل طياري الخطوط الجوية اليمنية اليمنية
وفي نوفمبر 2014، وجه القضاء الفرنسي تهمة "القتل غير العمد" لشركة الطيران اليمنية في قضية تحطم الطائرة، حيث تعتبر السلطات الفرنسية أنه ما كان ينبغي أن يسمح للطائرة إيه 310 بالإقلاع من صنعاء، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة "فرانس برس".
ويعد تحطم الطائرة إيه 310 هو أول حادثة طيران مدني منذ إنشاء شركة الخطوط الجوية اليمنية في عام 1962م بصورة رسمية.