فلسطينيون يقيمون في الكهوف وأراضيهم تتحول إلى مستوطنات

امرأة فلسطينية ترتب متعلقاتها بالكهف الذي تعيش فيه في مسافر يطا جنوبي الخليل بالضفة الغربية المحتلة - 7 مايو 2022 - REUTERS
امرأة فلسطينية ترتب متعلقاتها بالكهف الذي تعيش فيه في مسافر يطا جنوبي الخليل بالضفة الغربية المحتلة - 7 مايو 2022 - REUTERS
مسافر يطا - محمد دراغمة

بحكمة الأم والجدة تقسم السيدة نجاح جبارين الكهف القديم الذي تقطنة عائلتها في قرية جنبا بمنطقة مسافر يطا جنوب الضفة الغربية، إلى مطبخ ومنطقة مشتركة للجلوس والنوم، ومساحة للعب الأطفال، ومنطقة للتخزين.

تعيش هذه العائلة المؤلفة من 17 فرداً حياة بالغة الصعوبة في كهف قديم وغرفتين صغيرتين أقيمتا حوله.

الكهف الذي لا تدخله الشمس ويفتقر للتهوية تنبعث منه رائحة رطوبة نفاذة وغير صحية، لكن لا بديل لها عنه، فالغرفتان صغيرتان لا تتسعان للعائلة الكبيرة، وفوق ذلك صدرت قرارات عسكرية إسرائيلية تقضي بهدمهما ومنع إضافة أي مرفق لهما.

منطقة عسكرية

قرية جنبا واحدة من 22 تجمع سكاني صغير في هذه المنطقة التي أعلنتها إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت إقامة المباني فيها منذ عام 1980.

واضطر بعض سكان المنطقة للرحيل والبحث عن بديل، خاصة الأجيال الجديدة من الشبان الذين يتعلمون ويعملون خارج المنطقة، ويكونون عائلات جديدة تحتاج إلى بيوت يحظر عليهم إقامتها في قراهم، لكن البعض الآخر بقي مرتبطاً بمصادر عيشه في المنطقة من أرض يزرعها ومواشي يربيها.

قالت نجاح لـ"الشرق": "هذه أرضنا وهذا بيتنا، لا مكان لنا غيره لنعيش فيه، أين سنذهب، ليس لنا مأوى آخر".

علي جبارين الذي ولد في قرية جنبا قبل الاحتلال، قال لـ"الشرق": "لو كان لنا حرية البقاء والبناء في هذه القرية لصار عدد سكانها اليوم 10 آلاف نسمة، لكن لسنا هنا سوى بضع عشرات".

جبارين يقول بحزن وألم إن 7 من أبناءه وبناته اضطروا للإقامة في مدن ومناطق بعيدة بسبب عدم قدرتهم على إقامة بيوت لهم في أرضهم داخل القرية.

هدم البيوت

يتذكر جبارين أن القرية كانت تضم 40 بيتاً قبل احتلالها عام 1967، لكن السلطات الإسرائيلية هدمتها جميعاً في السنوات الأولى للاحتلال ولم يتبق منها سوى 4 بيوت، يشير إليها وهو يشق طريقه على الأقدام في القرية التي يحظر أيضاً شق الطرق فيها، ويشير إلى مواقع البيوت التي تم هدمها وتجريفها لإزالة آثارها.

حكم قضائي

السلطات الإسرائيلية أعلنت منطقة مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة عام 1980، فلجأ أهالي المنطقة إلى المحاكم الإسرائيلية للاعتراض على القرار بدءاً من محكمة الصلح والمحكمة المركزية وأخيراً محكمة العدل العليا.

لكن محكمة العدل العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، رفضت في 7 مايو، الاستئناف الجماعي المقدم من سكان 8 من قرى المنطقة، نيابة عن جميع سكان المنطقة، على قرار الجيش بإخلائهم من قراهم وأراضيهم وتحويلها إلى ميادين للتدريب العسكري.

وبررت المحكمة قرارها بأن الأهالي لم يكونوا يعيشون في المنطقة عندما أصدر الجيش قراره عام 1980.

بيوت منذ عهد العثمانيين

الكثير من الشواهد تدل على أن أهالي هذه القرى توارثوا الحياة فيها منذ ما قبل تأسيس إسرائيل، فالبيوت القديمة الأربعة التي لم تصلها آلة الهدم الإسرائيلية بعد، مقامة منذ العهد العثماني والبريطاني، كما تظهر قبابها وأقواسها وجدرانها السميكة التي يبلغ سمكها حوالي متر.

وقال جبارين إن جده ولد في القرية عام 1901، وأن بيت عمه الذي ما زال قائماً بني قبل إقامة إسرائيل.

جسر بين المستوطنات

الموقع يفسر الكثير مما تتعرضت له تلك القرى الحدودية، فهو يقع على خط الهدنة عام 1948، ويشكل جسراً بين المستوطنات اليهودية الجاري إقامتها في المنطقة والتجمعات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر.

وتبدو مدينة عراد داخل الخط الأخضر بالعين المجردة وهي تقابل مستوطنة كرمل في الجانب الفلسطيني، وبين التجمعين الإسرائيليين المقامين على رؤوس الجبال في وهج الشمس (عراد وكرمل) تمتد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والهضاب التي تتناثر حولها القرى الفلسطينية الصغيرة المحرومة من مقومات الحياة خاصة البناء والطرق والخدمات ما يدفع الكثير من أهلها للإقامة في الكهوف المعتمة.

امرأة فلسطينية تنخل الدقيق في الكهف الذي تعيش فيه بعد أن رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً ضد إخلاء أكثر من 1000 فلسطيني من المنطقة، مسافر يطا، جنوب الخليل، الضفة الغربية المحتلة - 7 مايو 2022. - REUTERS
امرأة فلسطينية تنخل الدقيق في الكهف الذي تعيش فيه بعد أن رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً ضد إخلاء أكثر من ألف فلسطيني من المنطقة، مسافر يطا، جنوب الخليل، الضفة الغربية المحتلة - 7 مايو 2022. - REUTERS

محو الخط الأخضر

رئيس المجلس القروي لمسافر يطا، نضال يونس قال لـ"الشرق": "الهدف واضح، وهو ربط التجمعات الاستيطانية في الضفة بالتجمعات اليهودية في إسرائيل على نحو يجري فيه محو الخط الأخضر الذي يعتبر الخط الفاصل بين دولة فلسطين وإسرائيل".

وأضاف يونس: "الهدف منع إقامة دولة فلسطينية وملء المنطقة بالمستوطنات، فالتجربة بينت أن إسرائيل كانت تعلن عن مناطق واسعة بأنها مناطق عسكرية مغلقة، ثم تحولها بعد سنوات من ذلك إلى مستوطنات".

وتقيم إسرائيل 10 مستوطنات على أراضي مسافر يطا، وتبدو المستوطنات المحاطة بأسلاك شائكة مناطق سكنية عصرية تضم البيوت والحدائق ومراكز الخدمات المختلفة من اتصالات وعيادات وأندية ومسابح وغيرها، وتحاط بالمزارع والمعامل والمصانع، وفي المقابل تقف القرى الفلسطينية شبه جرداء حيث يمنع شق الطرق إليها، أو إقامة المباني والخدمات فيها من أي نوع، بما في ذلك المدارس والعيادات الطبية.

حياة بدائية

السيدة نجاح تروي كيف تلد النساء في القرية بطرق بدائية عندما يأتيهن المخاض قبل أن يجري نقلهن إلى المستشفيات في المدن البعيدة نسبياً حيث لا طرق ممهدة تصل إليها ولا مواصلات.

ويستخدم أهالي القرى الـ 22 طرقاً صخرية شديدة الوعورة، وفي أحسن الحالات طرقاً ترابية.

تقليل السكان

نضال يونس قال إن السلطات الإسرائيلية انتهجت منذ احتلال المنطقة سياسة تقوم على تقليص عدد السكان إلى أقل حد ممكن من خلال منع شق الطرق وإقامة البيوت والخدمات وتقليص مساحات الرعي والزراعة، لدرجة الاعتداء على رعاة الأغنام ومنعهم من الوصول إلى المراعي الواسعة في المنطقة.

أحد رعاة الأغنام الذين تعرضوا أخيراً لاعتداء من المستوطنين ما زالت آثار الاعتداء على جسده، قال إن المستوطنين ألقوا عليه قنبلة حارقة أصابته بحروق في يديه فتم نقله إلى المستشفى.

وأضاف أن المستوطنين يطلقون الكلاب الضخمة على رعاة الأغنام لإبعادهم عن المنطقة من أجل الاستئثار بها.

تحركات دولية

قرار محكمة العدل العليا أغلق الطريق القضائي أمام الفلسطينيين ولم يبق أمامهم سوى الطريق السياسي والدبلوماسي.

وقال نضال يونس: "لم تعد أمامنا أية جهة قضائية بعد قرار المحكمة العليا، لذلك لجأنا الى الجهات السياسية والدولية".

وأضاف: "أجرينا اتصالات مع مختلف البعثات الدبلوماسية الأوروبية، وأطلعناهم على أوراق ملكية البيوت والأراضي وننتظر جهودهم لمنع تنفيذ القرار".

وتتابع مفوضية الاتحاد الأوروبي ملف مسافر يطا منذ عدة سنوات، وقال الأهالي إن العديد من البعثات الأوروبية قدمت لهم دعماً مالياً لمساعدتهم على البقاء، مثل خلايا شمسية لتوليد الكهرباء وخطوط مياه للشرب.

وقال دبلوماسيون غربيون لـ"الشرق"، إنهم سيتوجهون إلى القرى للقاء السكان وتقديم العون لهم للبقاء في قراهم، معلنين عن عزمهم مطالبة حكومات بلادهم بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف تنفيذ القرار الذي يعنى تهجير المئات من الأسر التي تعيش على أرضها في هذه القرى منذ عقود.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات