تعمل المملكة العربية السعودية على مدى الأعوام الماضية، على تصميم حلول ومبادرات دولية للمساعدة في التصدي لأزمة المناخ، والتي من المتوقع أن تتسبب بارتفاع متوسط درجات الحرارة في العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2030.
ومع ارتفاع مستوى التحركات الدولية بشأن ضرورة اتخاذ خطوات عملية للحد من التغير المناخي، عيّن الملك سلمان بن عبد العزيز، الأحد، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، مبعوثاً لشؤون المناخ، بالإضافة إلى منصبه الحالي.
تعاون ومبادرات
وقامت السعودية في السنوات الأخيرة بالتعاون مع حلفائها على المستوى الدولي في مكافحة التغير المناخي، ففي نوفمبر 2016، أيّدت الرياض "اتفاق باريس"، وهو اتفاق يدعو لاتحاد كل البلدان من أجل مكافحة مشكلة التغير المناخي، وتعزيز الاستجابة، على ألا تتجاوز الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل العصر الصناعي.
وأظهرت سجلات تضمنتها دراسة بعنوان: "إدارة الموارد المائية.. وجهات نظر وتوقعات" أن 5 دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت صاحبة أعلى معدلات درجات حرارة مرتفعة في عام 2010، وهي: الكويت (52.6 درجة مئوية) والعراق (52.0) والسعودية (52.0) وقطر (50.4) والسودان (49.7).
وتبنت السعودية ما يزيد على 53 مبادرة للحد من التغير المناخي، يفوق حجم استثماراتها 185 مليار دولار، منها الوصول بالطاقة المتجددة لحصة 50% من الطاقة الإنتاجية لمزيج الكهرباء، ومبادرة البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، وبناء واحد من أكبر مراكز العالم في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة "نيوم"، بحسب ما ذكره وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في قمة الأمم المتحدة للمناخ بـ"جلاسكو".
السعودية والشرق الأوسط الأخضر
ومن أهم المبادرات المناخية التي أطلقتها السعودية مبادرتا "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر"، والتي تهدف لزراعة 60 مليار شجرة في المنطقة، وخفض الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10% من الإسهامات العالمية، إضافة إلى الاستمرار في مشروعات الطاقة المتجددة التي ترفع حصة الطاقة النظيفة في المملكة من 0.3 إلى 50% بحلول عام 2030.
وتهدف مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" إلى تنسيق الجهود ومواكبة التطورات الإقليمية والدولية، للإسهام في تحقيق الأهداف العالمية لمواجهة التغير المناخي، من خلال إطلاق أكبر خطة لإعادة التشجير في العالم، تهدف لزراعة 50 مليار شجرة في الشرق الأوسط.
وتتضمن المبادرة السعودية كذلك حلولاً مبتكرة للتحديات التي تواجه المنطقة من قلة الموارد المائية والمالية والتقنية والصعوبات الجغرافية، لذا تعمل الرياض بالشراكة مع دول المنطقة على بحث آليات وفرص تمويل المبادرات للدول ذات الموارد المنخفضة، ومشاركة التقنيات والخبرات بين الدول لتخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة، واستحداث طرق مبتكرة للري من المياه المكررة والاستمطار.
اقتصاد الكربون الدائري
وقدمت السعودية في نوفمبر 2020، مبادرة تبنتها مجموعة الـ20، تعرف باسم مبادرة "اقتصاد الكربون الدائري"، وتهدف بشكل أساسي إلى تعزيز استقرار وأمن الأسواق والوصول إلى الطاقة وإدارة الانبعاثات الضارة.
وتتضمن المبادرة 4 عناصر رئيسة، وهي "4RS" وتعني التقليل وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير والإزالة، ويتمثل التقليل من الانبعاثات عبر خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وذلك عبر استخدام التقنيات والابتكارات مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والطاقة النووية.
أما إعادة الاستخدام، فتشير إلى تحويل الانبعاثات الضارة إلى مواد خام قيّمة للصناعات من خلال تقنية احتجاز الكربون وإعادة استخدامه، فيما تعني إعادة التدوير الاعتماد على العمليات الطبيعية والتحلل، بما في ذلك استخدام حاملات الطاقة مثل الميثانول والأمونيا والهيدروجين التي تمثل الدورة الطبيعية.
وأخيراً إزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي الذي يدور حول تطبيق الاستخلاص الطبيعي للكربون وتخزينه واستخلاصه من الهواء مباشرة، إضافة إلى الحلول الطبيعية للقضاء على الانبعاثات.
وتعمل السعودية، منذ أكتوبر الماضي، على تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، إضافة إلى مبادرة عالمية تسهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء، لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم.
وتبلغ قيمة الاستثمار في هاتين المبادرتين ما يقارب 39 مليار ريال (نحو 10 مليارات دولار) وستسهم المملكة في تمويل قرابة 15% منها، بحسب ما ذكره الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي في كلمة له في افتتاح قمة "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" في أكتوبر الماضي.
وتسعى السعودية كذلك لتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف، ومركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب.
الحياد الصفري
وتعتزم السعودية كذلك الوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2060، من خلال نهج الاقتصاد الدائري الكربوني، بما يتوافق مع خططها التنموية وتمكين تنويعها الاقتصادي، ويحفظ دورها في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية.
وتعهدت عشرات الدول بتخفيض انبعاثاتها من الكربون، بموجب اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغيّر المناخ، فيما التزم عدد أقل من الدول بالوصول إلى "صافي الصفر" من انبعاثات الكربون، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، التي كانت أول الاقتصادات الكبرى التي تُصدِر تشريعات لتحقيق "صافي صفر" من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
يُقصد بـ"الحياد الكربوني" أو "الحياد المناخي" خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه، ويمكن تحقيق ذلك بسبل متعددة مثل استخدام السيارات النظيفة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة.
وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وقت سابق أن بلاده ستسعى إلى "تحويل 50% من احتياجات الطاقة إلى الموارد المتجددة، و50% الأخرى سيتم تطويرها بمزيد من الغاز، وهذا التناصف سيكون مكوناً مهماً لتقليل الانبعاثات الكربونية"، موضحاً أن السعودية "قللت 48 مليون طن من انبعاثات الكربون حتى الآن وذلك بسبب برامج الكفاءة المطبقة".