أعلنت الرئاسة المصرية، الأحد، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه بتشكيل لجنة من الخبرات القضائية المختصة لإعداد مشروع قانون للأحوال الشخصية، وذلك بعد اجتماعه مع وزير العدل المستشار عمر مروان.
وبحسب التوجيهات الرئاسية سيتم تشكيل اللجنة المعنية من الخبرات القانونية والقضائية المختصة في قضايا ومحاكم الأسرة على أن يراعي مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسلمين المصالح المتعددة لجميع الأطراف المعنية بأحكامه على نحو متوازن يعالج الشواغل الأسرية والمجتمعية.
ويأتي ذلك في أعقاب حالة من الجدل بشأن قانون الأحوال الشخصية ومطالبات بتعديل القانون بما يتناسب مع التطورات العصرية.
كما طُرحت مسودات لمشاريع قوانين جديدة وتعديلات على القانون الحالي لمجلس النواب، لامس بعضها قضايا شائكة، بينها تعدد الزوجات والطلاق الشفهي.
مشاريع سابقة
وطُرحت على مدار السنوات الماضية، مسودات تعديل على قانون الأحوال الشخصية الحالي في مصر، ما بين مقترحات برلمانية وأخرى مقدمة من قبل المجتمع المدني إضافة لمشروع خاص بمشيخة الأزهر طرحته في مارس من العام الماضي، جاء في 192 مادة وضعتها هيئة كبار علماء الأزهر، بعد تشكيل لجنة مختصة في أكتوبر من العام 2017.
وقال عباس شومان وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث بالأزهر، في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الأزهر وضع رؤيته المتكاملة في مشروع القانون المقدم للجهات المعنية".
وأضاف: "مشروع القانون المقدم للجهات المعنية وضع الأسرة في صدارة اهتماماته وتضمن كل ما يراه الأزهر بخصوص قانون الأحوال الشخصية، وللجهات المعنية الأخذ به أو رفضه"، مشيراً إلى أن الأزهر "لا يفضل التعليق على مشاريع القوانين الأخرى، إذ أن الأمر متروك للجهات المعنية فقط".
وفي إطار المجتمع المدني طرحت مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" مقترحاً لقانون جديد للأحوال الشخصية تحت شعار "قانون عادل لجميع أفراد الأسرة"، تطرق إلى احتفاظ الأم بحضانة الأطفال في حالة الزواج من رجل آخر، فضلاً عن الطلاق بواسطة القاضي، وتقسيم العائد المشترك بين الزوجين، وهو القانون الذي تبنته النائبة نشوى الديب.
من جانبها، قالت عزة سليمان، رئيسة مجلس الأمناء في المؤسسة: "هناك بالفعل مشروع لقانون متكامل مطروح على مجلس النواب المصري من خلال النائبة نشوى الديب، وتعليقنا الأساسي على اللجنة الجديدة أن تشكيلها قضائي بحت".
ولفتت سليمان إلى أن قانون الأحوال الشخصية يتضمن بالضرورة أبعاداً اجتماعية ونفسية وجندرية وليست قضائية فقط، ما يتطلب تمثيل تلك الفئات.
وأضافت: "لا يمكن وضع قانون الأحوال الشخصية دون النظر إلى الاحتياجات الفعلية للناس، ونلفت أيضاً إلى أن المجلس القومي للمرأة غير ممثل في اللجنة".
حقوق وواجبات
وبسؤالها عما إذا كانت تفضل عرض بعض النقاط الأساسية على اللجنة، عددت سليمان بعض القضايا في مقدمتها "فلسفة المُشرع وأهمية وضعه للرجل والمرأة في منازل متساوية".
وأضافت: "في المقام الأول، علينا النظر إلى فلسفة المشرع، الذي لا بد أن ينظر للرجل والمرأة على قدم المساواة بما يتفق مع النصوص الدستورية"، فيما أشارت إلى أولويات أخرى بينها قضايا الطلاق والنفقة وترتيب حضانة الأطفال.
وتابعت: "أنا من الداعمين لوضع الأب في المرتبة التالية على الأم مباشرة، وعدم إسقاط الحضانة عن الأم المتزوجة من آخر، إضافة لوضع شروط لعملية الاصطحاب، فلا يمكن أن يُسمح لأب لديه تاريخ من العنف تجاه الأم أو الأطفال بالاصطحاب (رؤية الأطفال)".
وترى سليمان كذلك أنه من المهم "ربط الحقوق بالواجبات، كأن يرتبط الاصطحاب بأداء الزوج لنفقة الأطفال، فلا يتمكن من ممارسة حقوقه، إلا بعد القيام بواجباته تجاه الأبناء".
تفاؤل برلماني
وشهدت ساحة البرلمان المصري محاولات أخرى لإضافة تعديلات على بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية، أحد تلك المشاريع تقدمت به النائبة أمل سلامة التي تشعر بتفاؤل إزاء توجيهات الرئيس بتشكيل اللجنة.
وفي هذا الصدد، قالت سلامة: "لا شك أن تكاتف الخبرات القانونية والقضائية ووزارة الداخلية التي ستمد اللجنة بالمعلومات اللازمة سيسفر عن نتيجة على أعلى مستوى، لذا أتقدم بالشكر للسيد الرئيس الذي وضع استقرار الأسرة المصرية على عاتقه، قبل أن يعاني المجتمع فجوة نتيجة زيادة نسب الطلاق".
وأضافت: "يتمثل دور مجلس النواب في تقديم المقترحات ومشاريع التعديلات على اللجنة لمساعدتها في مباشرة علمها".
وتابعت: "تقدمت سابقاً بمشروع لتعديلات على قانون الأحوال الشخصية خاطب 5 تعديلات محددة تمثل الثغرة مصدر الأزمات في القانون الحالي، اليوم أشعر بالتفاؤل والثقة أن اللجنة المشكلة ستتمكن من الوصول لقانون متوازن ينصف الأسرة المصرية".
حوار مجتمعي
"خطوة إيجابية جداً"، بهذه الكلمات وصّفت منى عزت، استشاري قضايا النوع الاجتماعي، إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، عبر اللجنة التي وجّهت مؤسسة الرئاسة بتشكيلها، غير أنها من ناحية أخرى، أوصت في تصريحات لـ "الشرق"، بضرورة "ألا تستأثر جهة واحدة بالاضطلاع بصياغة مشروع القانون".
وأكدت عزّت على أن تلك المهمة "لا بد أن ينطوي عليها حوار مجتمعي، يتضمّن الوزارات المعنية والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني، وغيرها"، مؤكدة أن مشروع القانون يمس دائرة واسعة من المعنيين وليس النساء وحدهن.
من ناحية أخرى، ترى منى عزت أنه من الضروري أن يجرى عمل اللجنة وفق منهجية جديدة، تتلافى النقاط الإشكالية، مبنية على رؤية جديدة للأسرة تخلو من الأدوار السلطوية وتنتصر لعلاقات الشراكة العادلة، وتعصم الأطفال من كونهم "أداة نزاع"، بل تراعي "المصلحة الفضلى للأطفال". `
واقترحت بأن يصاحب عمل اللجنة "حوار مجتمعي عام، تنبثق عنه خطة عمل لإنفاذ القانون"، مستشهدة بالشكاوى من جانب النساء والرجال من القانون المُطبق حالياً، للتدليل على تضرر مفهوم الأسرة في المجتمع، والحاجة لتدخل سريع وضمان قانون مفعّل.
واعتبرت عزت أن تفعيل أي قانون مرهون بتكاتف أطراف عدة، في مقدمتها المجتمع المدني، والمجلس القومي لحقوق المرأة، ووزارة التضامن وغيرهم، نظراً للتحديات الكثيرة التي تشملها تلك القضية.
ولفتت إلى ضرورة التوسع في مشروع "مودة" الذي تتبناه الحكومة المصرية لتأهيل المقبلين على الزواج، كخطوات لمعالجة القضية، لأن القانون "زاوية من الزوايا وليس الأداة الوحيدة"، وفق تعبيرها.
قانون موحد
أما المحامية الحقوقية انتصار السعيد فتحفظت على استهداف اللجنة صياغة مشروع قانون أحوال شخصية للمسلمين فقط، مؤكدة أن القانون الجديد يجب أن يراعي "حقوق المواطنة"، وأن يشمل أصحاب الديانات الأخرى بخلاف الإسلام، مؤكدة على ضرورة العمل على "قانون موحد" للأحوال الشخصية.
واعتبرت السعيد أن إجراء حوار مجتمعي شامل، بين اللجنة المشكلة من جهة، والغرف البرلمانية واللجان التشريعية، وكافة الفئات المتماسّة مع القانون كمنظمات المجتمع المدني والمحامين والفئات المستهدفة من الرجال والنساء، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة من جهة أخرى، يعد "ضمانة" لإدراج جهود المجتمع المدني في هذا الصدد ضمن المشروع المرتقب.
من ناحية أخرى، شددت السعيد على ضرورة "التنبه" لمصلحة الأطفال خلال عملية صياغة القانون، وأضافت: "حتى الأطفال لا بد أن نستمع لرأيهم في القانون، أو على الأقل نراعي مصالحهم".
وأكدت السعيد على أن القانون "يحتاج لتغيير وليس تعديل فحسب"، وذلك نظراً لأن القانون المعمول به حالياً، صدر منذ عام 1920، ولم يعد مناسباً في الوقت الحالي.
وعددت السعيد البنود التي تراها ذات أولوية في القانون الجديد، قائلة: "لا بد أن ينص القانون على أن يكون الزواج أمام قاضي، وأن يكون الطلاق أمام قاضي"، في إشارة إلى حالة الفوضى التي يتسبب فيها الطلاق الشفهي.
وأضافت أن "مسألة التعدد أيضاً تحتاج لمزيد من التقنين والتنظيم، كأن يقدم الزوج موافقة كتابية من الزوجتين، إضافة إلى إيضاح لوضعه المادي وقدرته على تحقيق العدل بين الزوجتين، ووجود سبب واضح للزواج، حتى يحصل على موافقة المحكمة".
وأشارت أيضاً إلى أن نصوص النفقات تحتاج لإعادة نظر، لا سيما فيما يخص تقسيم الثروة المشتركة الناشئة عن عقد الزواج، مستشهدة بعشرات الحالات التي يهضم فيها حق النساء المادي بعد الطلاق، إثر مشاركتهم في الميزانية الأسرية بدخولهم الشخصية، أو حتى مباشرتهم عملاً منزلياً غير مدفوع الأجر طوال مدة الزواج.
وأوصت السعيد بـ"إلغاء نص النشوز وإنذار الطاعة الذي يجبر المرأة على العودة إلى بيت الزوجية، والذي لا يزال موجوداً في القانون المصري"، كما ألمحت لضرورة تضمين نصوص جديدة تنظم وتقنن عملية الاستضافة في مشروع القانون.
قواعد دينية
من جانبها، حددت آمنة نصير، أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر، الضوابط الإسلامية الواجب اتباعها فيما يخص تعديلات قانون الأحوال الشخصية، قائلة: "القاعدة واضحة ألا نحلل حراماً ولا نُحرم حلالاً".
وترى نُصير أن بعض المقترحات والتعديلات الجدلية المطروحة في سياقات برلمانية لا ضرر منها، رغم ما أحدثته من جلبة مجتمعية كمسألة تنظيم تعدد الزوجات من قبل قاضٍ مختص.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن "التعدد يتفق مع صحيح الدين وأمر موجود في التشريع الإسلامي، ولكن ضبطه بواسطة قاضي مسألة تنظم ما يخلق الرجل من فوضى"، كما أنها لا ترى ضرراً من المطالبات بإلغاء إنذار الطاعة.