ينتظر الأميركيون أن تصدر المحكمة العليا الأميركية بحلول نهاية يونيو قرارها المنتظر بشأن إلغاء تشريع يحمي حق النساء في الإجهاض بعد 50 سنة من قرارها التاريخي بحمايته، وسط جدل وتسريبات بشأن اتجاه لإلغاء هذا الحق.
وأصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة سنة 1973، وفي ظل غياب قانون فيدرالي خاص بالإجهاض، حُكماً في ختام نظرها لقضية "رو ضدّ ويد" اعتبرت فيه أن حق النساء في الإجهاض مكرس في الدستور الأميركي، ما ألغى الحظر الذي كان سائداً آنذاك في ولايات عدة.
ويكفل الدستور حق المرأة في أن تنهي طوعاً حملها ما دام جنينها غير قادر على البقاء على قيد الحياة خارج رحمها، أي لغاية نحو 22 أسبوعاً من بدء الحمل، على ما ذكرت المحكمة سنة 1992، متخطية بذلك المهلة المحددة على نطاق واسع حول العالم والتي تتيح الإجهاض ضمن الأسابيع الـ12 الأولى للحمل.
وأضافت المحكمة أن الولايات تحتفظ بحقها في التشريع لحماية صحة المرأة طالما أن القرارات لا تحمّل النساء "عبئاً لا مبرر له".
وتظهر مسودة مشروع قانون سُرّبت في مايو الماضي، أن الإطار القانوني الذي تستند إليه الولايات قد يتغير بشكل كامل، ويشير إلى أن "الحكم في قضية "رو ضد وايد" كان قراراً خاطئاً منذ البداية"، وأنه "حان الوقت لاحترام الدستور وجعل موضوع الإجهاض شأناً نيابياً".
وفي خطوة استباقية، أقرت 13 ولاية قوانين تحظر عمليات الإجهاض، من شأنها أن تدخل حيّز التنفيذ بشكل شبه تلقائي إن ألغت المحكمة الحكم الصادر في قضية "رو ضد وايد".
وإن أقرت المحكمة العليا هذا القرار بصورة نهائية، فستعود الولايات المتحدة إلى الوضع، الذي كان سارياً قبل عام 1973 عندما كانت كلّ ولاية حرّة في أن تسمح بالإجهاض أو تحظره.
خطوات استباقية
لم تنتظر الولايات المحافظة قرار المحكمة النهائي، إذ تلاعبت على مصطلح "عبء لا مبرر له"، معتبرةً أنه غامض بهدف تشديد القيود على الإجهاض، وأجبرت مراكز متخصصة كثيرة على التوقف عن العمل.
وفي ولاية فيرجينيا الغربية (شرق الولايات المتحدة) أو في ميسيسيبي (جنوب)، لا يزال مركز واحد فقط يجري عمليات إجهاض، بينما تضم كاليفورنيا أكثر من 150 مركزاً.
وتفرض بعض الولايات قيوداً على النساء، إذ تلزم القاصرات منهن بالحصول على إذن للإجهاض من أحد الوالدين، أو تفرض على المرأة أن تسمع دقات قلب الجنين مثلاً.
ومنذ الأول من سبتمبر، تُمنع النساء في تكساس من الاجهاض بعد الأسبوع الـ6 من الحمل بموجب قانون رفضت المحكمة الأميركية العليا لاحقاً تعطيله.
وتشكل الأموال عاملاً آخر استندت إليه الولايات لتشدد القيود على الإجهاض، إذ تحظر نحو 10 ولايات على شركات التأمين الخاصة أن تسدد التكاليف الخاصة بعمليات الإجهاض، بينما تعتمد نحو 15 ولاية على أموالها الخاصة لتدفع تكاليف عمليات الإجهاض للنساء ذوات الدخل المنخفض.
فقيرات ونساء من الأقليات
سُجلت أكثر من 930 ألف حالة إجهاض سنة 2020 بالولايات المتحدة، على ما تظهر أحدث إحصاءات صادرة عن معهد "جوتماكر" الذي لاحظ انتعاشاً في عدد عمليات الإجهاض خلال الآونة الأخيرة بعدما شهدت تراجعاً مستمراً طيلة السنوات الـ 30 الماضية.
ويشير الرقم الذي أفاد به المعهد إلى أن معدل الإجهاض هو 14.4 حالة لكل ألف امرأة في سن الإنجاب، وهو رقم مماثل لذلك الخاص بمختلف البلدان الغنية.
وتعيش نحو 50% من النساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض تحت خط الفقر، فيما تبرز النساء من أصول إفريقية والأخريات من أصول أميركية لاتينية بشكل كبير (29% و 25% على التوالي).
وتشير مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن 92.2% من عمليات الإجهاض تحصل في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
آراء منقسمة
ويرى أكثر من 60% من الأميركيين أن الإجهاض ينبغي أن يبقى مشرعاً في الحالات كلها تقريباً، وهي نسبة بقيت مستقرة نوعاً ما في السنوات الأخيرة، على ما يظهر استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث.
لكن الأرقام التي تستند إلى القناعات السياسية تتسم باختلاف كبير، إذ إن 80% من الديموقراطيين يؤيدون هذا الرأي، مقابل 35% من الجمهوريين، ما يظهر أن الفجوة بين النسبتين تتسع بعدما كانت 72% للديموقراطيين و39% للجمهوريين سنة 2016.
أما المعتقدات الدينية فتلعب دوراً مهماً كذلك، إذ يعتبر 77% من الإنجيليين البيض أن الإجهاض ينبغي أن يحظر في غالبية الحالات.
هجوم المحافظين
وفي حملته الرئاسية سنة 2016، نجح دونالد ترمب في جذب ناخبين ينتمون إلى اليمين المتدين، إذ وعدهم بتعيين قضاة في المحكمة العليا يتمتعون بالقيم نفسها التي يؤمنون بها ومستعدون لإلغاء الحكم الصادر في قضية "رو ضد وايد".
وعيّن الرئيس الجمهوري خلال فترة رئاسته 3 قضاة من أصل 9 في المحكمة العليا، ما دفع النواب الجمهوريين في الولايات إلى مضاعفة تمرير قوانين تتعلق بالإجهاض، متحدّين صراحة الإطار الذي وضعته المحكمة العليا، بهدف إعطائها فرصة للتراجع عن قرارها، ويبدو أن هذه الاستراتيجية على وشك أن تؤتي ثمارها.
اقرأ أيضاً: