أفادت "بلومبرغ" بتزايد المؤشرات على انكماش الاقتصاد الصيني في الربع الثاني لأول مرة منذ 2020، وهو ما يضع الإحصاءات الرسمية للبلاد تحت تدقيق جديد، ولكن خبراء ومحللين أجمعوا على أن الحكومة ستتجنب الاعتراف بهذا الركود.
وأشارت توقعات الخبراء الاقتصاديين في استطلاع رأي أجرته "بلومبرغ" إلى أن الحكومة ستعلن الأسبوع المقبل أن الناتج المحلي الإجمالي "ارتفع بنسبة 1.5% مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي".
رغم ذلك، أشارت البيانات المتواترة في يونيو، والخسائر التي حلت بالاقتصاد الصيني في الشهرين الماضيين إلى "انكماش الاقتصاد خلال هذه الفترة بسبب الآثار المترتبة على عمليات الإغلاق المستمرة في عشرات المدن الصينية"، وفقا لتقرير "بلومبرغ".
كما أكد الانخفاض ربع السنوي في الناتج المحلي الإجمالي، الذي لم يحدث سوى مرة واحدة من قبل، على "تباطؤ انتعاش الصين من قيود فيروس كورونا مقارنة بعام 2020"، ما قلل من فرص تعزيز الاقتصاد العالمي المتعثر.
ورجح التقرير أن يستمر الجدل بشأن "دقة البيانات الرسمية خلال هذا العام"، حيث حث الرئيس شي جين بينغ مسؤوليه على بذل مزيد من الجهود لإدراك الهدف الطموح الخاص بنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنحو 5.5%، مع الالتزام، في الوقت ذاته، بسياسة "صفر كوفيد" التي تتطلب فرض قيود صارمة في أي مكان تظهر فيه حالات إصابة بالمرض.
وقال لوجان رايت، رئيس بحوث أسواق الصين في مجموعة "روديوم جروب"، لـ"بلومبرغ" إنه "لا توجد قصة معقولة تفيد بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يكون إيجابيا في الربع الثاني".
وأضاف: "التراجع في الاستهلاك الأسري مهم للغاية في كل من البيانات الرسمية لمبيعات التجزئة الرسمية والوكلاء الآخرين. كما يظل قطاع العقارات عائقا كبيرا (في طريق النمو الاقتصادي)".
ووفق التقرير، تتراكم الأدلة من المؤشرات البديلة على الركود المستمر في الاقتصاد الصيني. فبيانات السفر تظهر أن رحلات الركاب على الطرق الصينية كانت في الغالب أقل من مستوياتها في العام الماضي حتى يوليو، وفقا لأرقام النقل التي حللتها شركة "تي إس لومبارد".
كما انخفض عدد الرحلات الجوية الداخلية في هذا الربع بنسبة 62% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لموفر بيانات الطيران "فاري فلايت".
وفي السياق أظهرت حركة الشاحنات التي تنقل البضائع بين المدن، والتي قال الباحثون إنها وثيقة الصلة بالناتج المحلي الإجمالي، نشاطا ضعيفا. ففي الأسبوع الأخير من يونيو كان لا يزال هناك تراجع في عدد الشاحنات على الطرق الداخلية في البلاد بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق، وفقا لبيانات "جي7 كونيكت"، وهي شركة لوجستيات رقمية.
وفي سوق العقارات، الذي يمثل نحو 20% من الناتج الإجمالي المحلي الصيني، بقيت مبيعات المنازل في حالة ركود عميق في الربع الثاني، وفقا لبيانات شركة "تشبنا ريال ستيت إنفورميشن".
وأظهرت الأرقام أن السوق العقاري بلغ أدنى مستوياته في مايو برغم توقف حالة النزيف التي كان يعاني منها، إلا أنه لا يزال بعيدا تماما عن النمو الفعلي.
وتراجعت مبيعات السيارات التي تمثل حوالي 10% من مبيعات التجزئة الشهرية، بأكثر من 10% في هذا الربع، وفقا لحسابات "بلومبرغ" المستندة إلى بيانات الرابطة الصينية لمصنعي السيارات.
وأظهرت تقديرات أخرى مستقلة صورة أسوأ مقارنة بالبيانات الأكثر تواترا. وتوقعت Bain & Co. تراجع مبيعات السلع الترفيهية في الصين بنسبة 30% إلى 50% في الربع الثاني من العام الماضي.
وسجلت شركة Nike انخفاض عائداتها من الصين بنسبة 20% في الأشهر الثلاثة التي انتهت في مايو، وقالت إنها لا تزال "حذرة" بشأن تعافي البلاد.
وأفاد تقرير "بلومبرغ" أنه "برغم هذه المؤشرات، ستتردد بكين في الإفادة عن انكماش اقتصادها". ففي مايو، قال رئيس الوزراء، لي كه تشيانج، إن "على المسؤولين أن يعملوا لضمان انتعاش الاقتصاد خلال هذا الربع".
وقال ليلاند ميلر، الرئيس التنفيذي في China Beige Book، التي تستطلع آراء الشركات الصينية بشأن مستوى الأنشطة، لتلفزيون "بلومبرغ" إن "رئيس الوزراء الصيني لن يعلن عن انكماش في الربع الثاني".
وأضاف: "إننا نعتقد أنهم سيعلنون رقما في نطاق 2%"، مردفا أن "هذاه (النسبة) لا تبررها البيانات".
وسيساعد الإعلان عن النمو الإيجابي في هذا الربع الصين على الوصول إلى الهدف الذي وضعته لنموها السنوي، رغم أنه لا يزال هدف بعيد المنال.
ونقلت "بلومبرغ" عن وانج يي مينج، مستشار البنك المركزي الصيني، قوله، الشهر الماضي، إنه "إذا بلغ النمو 1% في هذا الربع، فإن الاقتصاد الصيني سيحتاج إلى التمدد بنسبة 7.5% في النصف الثاني لتحقيق الهدف"، مضيفا أن هذا سيكون "صعب التحقيق".
واستندت هذه القصة المتفائلة عن النمو في الربع الثاني بدرجة كبيرة إلى الإنتاج الصناعي المخصص للتصدير، وانتعاش الاستثمار في البنية التحتية.
وقال جينج ليو، كبير الاقتصاديين في Greater China في شركة HSBC القابضة، والذي يتوقع حدوث نمو بنسبة 1% خلال هذا الربع من العام، إنه "في حين يعرقل الاستهلاك والعقارات عملية النمو، شهدنا المزيد من الانتعاش في جانب الإنتاج".
وأرجع ليو هذا إلى "منح الأولوية لاستئناف العمل في قطاعات التصنيع الرئيسية حتى تحت وطأة تفشي كوفيد ـ 19 الأخير".
كما أرجع تحول البيانات الرسمية الخاصة بالإنتاج الصناعي إلى "إيجابية" في مايو إلى "انتعاش قطاع التعدين إلى حد كبير، خاصة في مجال إنتاج الفحم".
وأظهرت المؤشرات المتواترة في شهر يونيو أن إنتاج الحديد الصلب، وهو سلعة صناعية بالغة الأهمية، تراجع على أساس سنوي في أول 20 يوم في الشهر، وفقا لبيانات رابطة الحديد والصلب الصينية.
وفي الوقت نفسه وصلت المخزونات إلى مستويات تاريخية، ما يشير إلى ضعف الطلب على البناء.
وحذرت "بلومبرغ" من أن ضعف النمو سيفرض مزيدا من الضغوط على صانعي السياسات لتقديم المزيد من التحفيز في النصف الثاني من العام، مع تركيز الانتباه على اجتماع المكتب السياسي، وهو أعلى جهة لاتخاذ القرارات في الحزب الشيوعي، في يوليو.
واقترح خبراء اقتصاديون مرتبطون بالحكومة إمكانية بيع سندات حكومية مركزية خاصة، والإصدار المسبق لحصة سندات العام المقبل للحكومات المحلية من أجل تمويل الإنفاق على البنية التحتية.
واعترف بعض الاقتصاديين صراحة بعدم يقينهم بشأن ما ستعلنه بكين. ونقلت "بلومبرغ" عن لاري هو، الخبير الاقتصادي الصيني في مجموعة "ماكواري جروب"، إن تقديراته بحدوث نمو بنسبة 1.5% في الربع الثاني تمثل "تخمينات أكثر منها تقديرات".
وأضاف: "لن أندهش لانخفاض النمو السنوي في الربع الثاني إلى صفر، أو حتى إلى مستويات سالبة"، مؤكدا أن "صناع السياسات ينتظرون النتيجة أيضا قبل أن يقرروا حجم التحفيز الإضافي الذي يتعين عليهم تقديمه في النصف الثاني".
اقرأ أيضاً: