شي جين بينج يتمسك بسياسة "صفر كوفيد" في الصين

متطوعون يرتدون بدلات واقية خلال أداء مهامهم خارج مجمع سكني قيد الإغلاق، في أعقاب حالات الإصابة بفيروس كورونا في لاسا، الصين- 29 سبتمبر 2022. - REUTERS
متطوعون يرتدون بدلات واقية خلال أداء مهامهم خارج مجمع سكني قيد الإغلاق، في أعقاب حالات الإصابة بفيروس كورونا في لاسا، الصين- 29 سبتمبر 2022. - REUTERS
بكين-أ ف ب

باتت سياسة "صفر كوفيد" رمزاً لنهج الرئيس شي جين بينج في الصين، مع ما تفرضه من إجراء فحوص لكشف الإصابة بكورونا كلّ يومين أو 3 أيام أو مسح رمز استجابة سريعة عند مدخل الأماكن العامة لإثبات عدم الإصابة وغيرها من إجراءات.

وحتى إن كانت تدابير الإغلاق المتكررة وحملات الفحوص الواسعة النطاق والحجر الصحي المكلف تشكل عبئاً على ثاني قوة اقتصادية في العالم، لا يبدو الرئيس الذي يستعد للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، على استعداد للتخلي عنها.

ويؤكد أنها الطريق "الأكثر فاعلية والأقل كلفة" نحو المستقبل، في وقت يرفض الحزب الشيوعي الحاكم أن يحدد ما إذا كانت القيود ستبقى مفروضة لأسابيع أو أشهر أو سنوات.

وتوضح ديانا فو خبيرة السياسة الداخلية الصينية بمعهد بروكينجز الأميركي أن "إرث شي وشرعية الحزب على ارتباط بنجاح حملة صفر كوفيد".

وأضافت أن "الحملة، أياً كانت عواقبها الاجتماعية والاقتصادية، ستبقى بمثابة نجاح جدير بالثناء للاشتراكية الصينية مع اقتراب المؤتمر العشرين للحزب" في إشارة إلى الاجتماع الحاسم الذي تنطلق أعماله في 16 أكتوبر.

فحوصات في كل مكان

وتثير أوجه المبالغة في هذه السياسة أحياناً استياءاً يتم التعبير عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حصل عند فرض الإغلاق المطول في شنجهاي خلال الربيع أو عند تعرض حافلة تنقل سكاناً إلى مركز حجر صحي لحادث سير مؤخراً في مقاطعة كويتشو (جنوب غرب)، ما أسفر عن وقوع 27 قتيلاً.

لكن السكان مرغمون في حياتهم اليومية على الانصياع للقواعد، مثل وجوب الخضوع لفحوص كشف الإصابة عدة مرات في الأسبوع للتمكن من الدخول إلى أي مكان عام.

وعند مداخل المكاتب أو المراكز التجارية أو المطاعم، يتحتم مسح رمز استجابة سريعة يظهر نتائج آخر فحص أجراه الشخص.

وإن كان الرمز أخضر يُسمح لهم بالدخول. أما إن كان برتقالياً أو أحمر، فهذا يعني أن نتيجة فحصهم كانت إيجابية أو أنهم خالطوا شخصاً مصاباً.

وينطوي هذا النظام على مخاطر حصول تجاوزات. ففي يونيو الماضي، تعرضت سلطات محافظة هينان (وسط) لانتقادات للاشتباه بحصول تزوير في تراخيص صحية حتى تُظهر نتائج "حمراء" ما يسمح بمنع محتجين من التوجه إلى تظاهرة.

ورأى ستيف تسانج مدير معهد "سواس تشاينا" في جامعة لندن أن سياسة "صفر كوفيد" تندرج "ضمن خطّ نموذج الرقابة الاجتماعية في عهد شي".

واعتبر أن الإبقاء عليها يتوقف على "التوازن بين الضرورة الاقتصادية" و"أسطورة شي المعصوم عن الخطأ".

ويتحتم بموجب هذه السياسة على أي مسافر قادم من الخارج الخضوع لحجر صحي لمدة 10 أيام لدى وصوله إلى الصين.

وأوضح يان جيانغ (38 سنة) المهندس في النقل الجوي أنه قضى مجمل 200 يوم معزولاً في المستشفى مضيفاً أن ذلك "مزعج للغاية في حياتي الخاصة".

لكنه يذعن قائلاً "إنها سياسة الحكومة الصينية، لا خيار لدينا"، مشيراً إلى أنه اغتنم الأمر لتعلم الفرنسية في غرفته.

استهجان الإجراءات

شي جين بينج نفسه لم يغادر الصين من مطلع 2020 وحتى سبتمبر الماضي حين توجه إلى آسيا الوسطى.

وأتاحت هذه السياسة الصارمة الحد من حصيلة الوفيات جراء كورونا في الصين بـ5 آلاف حالة وفق الأرقام الرسمية، مقابل أكثر من مليون وفاة في الولايات المتحدة.

وحتى عندما دفعت المتحورة أوميكرون الأشد عدوى غير أن أعراضها أقل خطورة، العديد من الدول إلى إعادة فتح حدودها، لم تبدل بكين خطّها.

ويبدو هذا الحذر مستغرباً في ظل نسبة تلقيح بلغت حوالى 90% بحسب وزارة الصحة.

وأكد جين دونغ يان الأستاذ في معهد العلوم الطبية الأحيائية في جامعة هونج كونج: "لا بد أن يتخلوا في نهاية المطاف عن سياسة صفر كوفيد" التي وصفها بأنها "خاطئة ومخالفة لكل الأدلة العلمية".

ولفت يانتشونج هوانج خبير الصحة بمعهد "مجلس العلاقات الدولية" للدراسات الأميركي أن ظهور متحورات سريعة العدوى قوض النهج الصيني الذي بنى نجاحه على الحد من عدد الإصابات.

ومع تخطي الفيروس قدرة السلطات على الاستجابة "تلجأ المدن إلى تدابير الحجر كرد آنيّ".

وتعتبر الصين سياستها الصحية ضرورية لمنع إغراق النظام الصحي ولا سيما في الأرياف الفقيرة.

لكن هوانج يرى أن هذه المخاوف "مبالغ فيها"، مشدداً على أن "معدل الوفيات  لدى الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً يفترض أن يكون محدوداً" إن كانوا تلقوا اللقاحات بالكامل.

ولهذه السياسة كلفة إذ يتوقع بنك نومورا الياباني أن يتباطأ النمو الاقتصادي الصيني إلى 2.7% هذه السنة.

وتعكس هذه النسبة تراجعاً كبيراً عن معدلات ما قبل الوباء وعن الهدف الرسمي الذي حدد النمو بـ"حوالى 5.5%".

تعطل الحياة

وأدت تدابير الحجر وإغلاق المصانع إلى زيادة نسبة البطالة بين الشباب وقوضت ثقة المستهلكين بحسب المحللين، في وقت تسبب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمخاوف من حصول ركود في الولايات المتحدة بتراجع الإقبال على الصادرات الصينية.

ورغم ذلك لا يزال العديدون في الصين مؤيدين لهذه السياسة بعدما أقنعتهم الدعاية الرسمية بضرورة الحد من الإصابات "أياً كان الثمن الإنساني أو الاقتصادي"، برأي ديانا فو.

ومن المستحيل معرفة حتى سيقرر شي جين بينج تليين نهجه. وقال جيفري فاسرستروم خبير الصين وأستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا إن "الحزب الشيوعي الصيني يتمنع عن الاعتراف بالخطأ حين يسلك طريقاً إشكالية" وبالتالي فإن "تصحيح المسار قد يأتي متأخراً جداً".

والخميس، قالت لجنة الصحة الوطنية إن بر الصين الرئيسي سجل 1337 إصابة جديدة بفيروس كورونا الأربعاء، منها 229 إصابة ظهرت عليها أعراض و1108 بدون أعراض.

ورصدت الصين في اليوم السابق 1134 إصابة جديدة بفيروس كورونا منها 273 مصحوبة بأعراض و861 بدون أعراض.

وحتى الخامس من أكتوبر الجاري، سجلت الصين 251 ألفاً و849 إصابة مصحوبة بأعراض الفيروس.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات