بين تهديد بالإغلاق بفعل الأزمة الاقتصادية، وحملة واسعة للدعم، وأصوات تطالب بـ"كشف حساب"، عاد مستشفى "57357" أكبر وأهم مستشفيات علاج سرطان الأطفال في مصر إلى واجهة اهتمامات الرأي العام، في ظل مرور المؤسسة العلاجية الشهيرة بأزمة مالية تهدد مواصلة عملها المستمر منذ 15 عاماً.
وتصدر (هاشتاج) "أنقذوا مستشفى 57357" مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت سباقاً للترويج لحملة واسعة تهدف إلى زيادة التبرع للمستشفى التي تقدم خدماتها بالمجان للأطفال المصابين بالسرطان، وسط موجة من الانتقادات في الطرف الآخر لإدارة المستشفى ومطالب بالإعلان عن أوجه الإنفاق وآليات الرقابة على التبرعات.
مدير المستشفى الدكتور شريف أبو النجا، قال في تصريحات لبرنامج "الحكاية" المذاع على قناة "إم بي سي مصر"، إن المؤسسة لا تعاني انخفاضاً في أموال التبرعات؛ ولكنها تأثرت بفعل الأزمة الاقتصادية، وزيادة التكاليف إثر انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، مشيراً إلى أن الوضع المالي للمستشفى "يكفي لتشغيله لفترة تصل إلى 4 أشهر فقط"، في حين تصل ميزانية المستشفى إلى حوالي 39 مليون دولار أميركي في العام الواحد.
وتحدث أبو النجا عن الأزمات السابقة التي تعرض لها المستشفى؛ مشيراً إلى أن معدلات التبرع انهارت سابقاً بعد توجيه اتهامات لإدارة المستشفى في عام 2018 والتي وصفها بـ"الحملة الممنهجة"، لكنها عادت لتتعافى مرة أخرى قبل أن تتسبب الجائحة في أزمة جديدة.
ورداً على سؤال عن آلية الرقابة على أموال المتبرعين، قال أبو النجا: "الله سبحانه وتعالى يراقبنا"، متسائلاً: "أليست الرقابة الإدارية والأمن القومي ووزارة التضامن الجتماعي يراقبون 57357"، ما أثار جدلاً بين متابعي "التواصل الاجتماعي" واعتبروا تلك التصريحات غير كافية للإجابة عن تساؤلاتهم.
اتهامات سابقة
وعلت أصوات عدد من المتابعين مطالبة بنهج أكثر شفافية في التعامل مع الأزمة من إدارة المستشفى لاستعادة ثقة المتبرعين، كما انتقد البعض استمرار المؤسسة في الإنفاق على الإعلانات في ظل الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى مطالبات بمحاسبة الإدارة القائمة لعدم تحقيقها "الاستدامة المالية" للمؤسسة.
وفي 2018، واجهت إدارة المستشفى اتهامات نشرها الكاتب والسيناريست المصري الراحل وحيد حامد في سلسة مقالات بصحيفة "المصري اليوم"، وقال حينها إن "المستشفى يتلقى تبرعات تزيد على مليار جنيه سنوياً ينفق منها ما بين 160 و200 مليون جنيه فقط على الخدمات العلاجية، بينما تتوجه البقية لمصارف أخرى بينها المواد الإعلانية والرواتب التي قدر أنها وصلت حوالي 400 مليون جنيه في الميزانية التقديرية لعام 2018".
وأثارت تلك الاتهامات ضجة كبيرة في ذلك الوقت، واستدعت ردود فعل واسعة، بينها رد رسمي نشره مدير المستشفى الذي خصه الكاتب ببعض الاتهامات في مقالاته.
واعتبر أبو النجا الاتهامات الواردة في مقالات الكاتب المعروف "محض معلومات وأخبار كاذبة تؤدي إلى إثارة الرأي العام وتؤثر على النشاط المتميز لمؤسسة 57357"، حد وصفه.
انشغال الرأي العام بالقضية، دفع وزارة التضامن في مصر، إلى تشكيل لجنة تحقيق، أصدرت تقريراً في ديسمبر 2018 برأ إدارة المستشفى من المزاعم. وجاء في التقرير أن نسبة الأموال المُنفقة على المواد الإعلانية في المؤسسة خلال الفترة من 2013 إلى 2017 تتراوح ما بين 6 و10% من الدخل الكلي للمؤسسة وهو المعدل الذي تسمح به الوزارة للكيانات المشابهة.
كما أفاد التقرير بأن المستشفى تلقى تبرعات وعوائد استثمار وصلت حوالي 1.3 مليار جنيه، كما أنه يستثمر أمواله في "وسائل آمنة" ومقرة من قبل البنوك كالودائع وشهادات الاستثمار.
حملة تضامن
تصريحات المسؤولين بـ"57357" عن خطر تخفيض عدد الحالات التي تعالج بالمستشفى، أدّى إلى إطلاق حملة تضامن واسعة ودعوات للتبرع، إذ دعا عدد من الإعلاميين والفنانين والرياضيين والشخصيات العامة لدعم المستشفى عبر البرامج التلفزيونية وصفحاتهم الخاصة على "سوشيال ميديا"، والتي وصفها "أبو النجا" في تصريحاته بأنها "ريمونتادا التبرعات".
بدورها، زارت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج، مقر المستشفى بمنطقة السيدة زينب في القاهرة، وأعلنت عن توقيع بروتوكول لدعم المستشفى بـ75 مليون جنيه (أكثر من 3 ملايين دولار)، مناشدة القطاع الخاص والفئات القادرة من المواطنين في الداخل والخارج على تقديم العون والدعم للمستشفى.
معاناة أهالي المرضى
داخل مستشفى "57357"، يخيم شبح الإغلاق على ذوي المرضى، وفي بعض الحالات أدّى تعديل بروتوكولات المتابعة بالمستشفى إلى إغلاق ملفات بعض الأطفال المتعافين بالفعل، كما تؤكد فتحية سعيد، التي يعاني طفلها من سرطان العظام منذ 7 سنوات أجرى خلالها 50 جراحة، كما توضح في حديثها لـ"الشرق".
وفي حين وفّر المستشفى على الأم مصروفات ضخمة لم يكن في استطاعتها إنفاقها خلال تلك الرحلة، إلّا أن الطفل لا يزال بحاجة لمتابعة سنوية، لكنها فوجئت بإغلاق المستشفى ملف طفلها، وإبلاغها بأن عملية المتابعة قد انتهت دون إبداء أسباب، وهو ما اضطرها للمتابعة الخارجية مع أطباء بتكلفة باهظة.
أما منى عصام، فقد أمضت الأشهر الستة الماضية في التردد على "57357" بعد أن شُخص ابنها بالإصابة بـ"الورم الأرومي الشبكي" في العينين، ورصدت بعض التغيرات التي طرأت على الأجواء في المستشفى.
وأوضحت لـ"الشرق" أنه "منذ بدء الأزمة الاقتصادية، بدأت بعض الأدوية تتناقص داخل صيدلية المستشفى واضطررنا لشرائها من الخارج، وفيما كان الأمر مُحتملاً، إلّا أن بعض أقراص العلاج الكيماوي التي يستخدمها أطفال آخرون نقصت بدورها، وكنت أشعر بالسوء حيالهم، كما علمنا أن المستشفى بات يوجه الأطفال على قوائم الانتظار بالتوجه لمنشآت صحية أخرى".
الأزمة إلى البرلمان
ووصلت أزمة المستشفى إلى البرلمان المصري، إذ تقدم عضو مجلس النواب المصري محمود قاسم بطلب إحاطة، مطالباً بسرعة التدخل لإنقاذ "57357" من أزمته المالية.
وصرحت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب إيرين سعيد لـ"الشرق"، قائلة إن "ما يعاني منه مستشفى 57357 ناتج عن أزمة اقتصادية عالمية أثرت على الوضع المحلي، وهو ما انعكس على حجم التبرعات التي كانت تصل المستشفى".
وتابعت: "المستشفى صرح عظيم في مصر، والوطن العربي لعلاج مرضى سرطان الأطفال، والأمر يحتاج إلى تدخل لإنقاذ هذا المكان كي لا تفقد المنظومة الصحية في مصر أحد أهم أضلاعها".
إعلان الميزانية "حق طبيعي"
وعلى الرغم من تصاعد الأزمة، يرى أستاذ الأورام بكلية الطب بجامعة القاهرة حمدي عبد العظيم، أن مستشفى سرطان الأطفال يمثل قيمة طبية كبيرة ويضم أفضل بنية تحتية لمنشأة طبية في مصر.
وقال لـ"الشرق": "لا أفضل طرح احتمالية إغلاق المستشفى على الإطلاق، فالدولة المصرية والمجتمع المدني المصري لن يسمحوا بذلك، فيمكننا القول إن هذا المستشفى هو الأفضل في الشرق الأوسط".
أما عن أزمة الثقة والمطالبات بإعلان الميزانية على الرأي العام، فيرى أستاذ الأورام أنها تنطبق على كافة المؤسسات.
وأضاف: "هل تعلن أي منشأة صحية ميزانيتها بشفافية كافية؟ إعلان الميزانية حق طبيعي في أي مكان يعمل بأموال الدولة أو أموال المتبرعين ونطالب به كافة المؤسسات، وهو لا يدل على انعدام الثقة بل هو تأكيد لها، فنحن واثقون من عدم وجود فساد مالي، ولكن ربما يتطلب الأمر إعادة تنظيم إدارية لزيادة الموارد أو تغيير أنظمة التمويل".
تاريخ المستشفى
في يوليو 2007، افتُتح مستشفى "57357" مقدماً خدماته المجانية للأطفال، بطاقة استيعابية تصل 185 سريراً، فيما بات اليوم يضم حوالي 345 سريراً، ويقدم خدماته لحوالي 17 ألفاً و125 طفلاً، وفقاً للتقرير السنوي لعام 2021 الذي ضم إحصاءات فرعي القاهرة وطنطا، ويحدد موقع المستشفى الرسمي أنه يتمكن من تحقيق نسب شفاء تصل إلى حوالي 71.68%.
وتخلت إدارة المستشفى عن فرعه بمدينة طنطا في محافظة الغربية بدلتا مصر، لصالح جامعة طنطا في يوليو الماضي، بسبب الأزمات المالية.
وكان الفرع قد افتُتح في مايو 2015 بطاقة استيعابية تصل إلى 43 سريراً و4 أسرّة للعناية المركزة، مع طموح لزيادة القدرة الاستيعابية إلى 95 سريراً، غير أن ذلك لم يتحقق.
ويعمل في المستشفى فريق عمل يبلغ 2548 موظفاً، بينهم حوالي 379 طبيباً و726 فرداً هم قوام طاقم التمريض، و184 صيدلياً إلى جانب الباحثين والإداريين، كما يضم المستشفى ذراعاً بحثية متمثلة في وحدتين هما: وحدة البحوث الأساسية ووحدة البحوث الإكلينيكية.