مرّ ما يقرب من 27 عاماً على الإبادة الجماعية في رواندا، لكن الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب الذي ارتُكِب خلال محنة البلاد ما زالوا يعانون الصدمة؛ فيما تعمل السلطات على تحقيق المصالحة الوطنية.
وربع مليون امرأة تعرّضن للاغتصاب في إطار حملة ممنهجة شنها جنود حكومة الهوتو والميليشيات المتحالفة معهم إنتراهاموي، وأحياناً من قبل رجال محليين، وحتى جيران ضمن أحياء.
ففي عام 1994 وعلى مدى 100 يوم، قُتل نحو 800 ألف من أقلية التوتسي والمعتدلين من أغلبية الهوتو في حملة نظمتها وزادت سعيرها حكومة الهوتو المتطرفة، وولد من رحم هذا العنف آلاف الأطفال، وحكم عليهم بالعار في بلد تعتبر فيه الولادة لأب مجهول الهوية مصدر خزي.
وطبقاً لأرقام الأمم المتحدة، تم اغتصاب ما لا يقل عن 250 ألف امرأة خلال تلك الفترة. ويقول المؤرخون إن الكثيرين احتجزوا كعبيد جنس، ونقل إلى البعض الآخر - عمداً - عدوى فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
ولم يخبر الكثير من النساء أطفالهن أنهم ولدوا نتيجة الاغتصاب، كما لم يتشاركن محنتهن مع من تزوجوهن لاحقاً، خوفاً من التعرّض للرفض، لكن العديد منهن وافقن مؤخراً على التحدث إلى وكالة "فرانس برس" في منازلهن أو على هامش ورشة عمل وسط مدينة موهانغا، نظمتها المعالجة إميلين موكانسورو التي فقدت والدها وثمانية أشقاء خلال الإبادة الجماعية.
وتعمل موكانسورو منذ 18 عاماً مع ضحايا الاغتصاب، كما أشرفت منذ عام 2012 طوعاً على تسع مجموعات علاجية في جميع أنحاء البلاد، لنساء تعرّضن للاغتصاب أو التشويه في مجتمعاتهن.
وسيلة إذلال
وقالت المؤرخة هيلين دوما لوكالة "فرانس برس" إن "الاغتصاب استُخدم كوسيلة لإذلال وتدمير مجتمع التوتسي". وأوضحت "من خلال استهداف أجساد هؤلاء النسوة، سعى من يقفون وراء الإبادة الجماعية إلى فرض تفكيك جذري للأبوة حتى لا تلد أي امرأة طفلاً من التوتسي"، وأضافت "كانت هذه عمليات اغتصاب أيديولوجية وجزءاً من حملة الإبادة الجماعية".
وأشارت إلى إدانة محكمة دولية عام 2011 بولين نيراماسوهوكو، التي كانت وزيرة رعاية الأسرة والنهوض بالمرأة في عام 1994، لدورها في الإبادة الجماعية والتحريض على اغتصاب نساء وفتيات التوتسي.
وقالت دوما "إلى اليوم، يرتبط وجود هؤلاء الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب بشكل معقّد بما حدث لأمهاتهم، وذلك يجعل هذه الإبادة الجماعية لا تنتهي أبداً".
ابن قاتل
قال باتريك (26 عاماً): "لا أعرف من هو والدي وسيكون مستقبلي دائماً معقداً لأنني لا أعرف ماضيّ"، وأضاف:"عبء العزلة الاجتماعية ثقيل إلى درجة محاولتي الانتحار في سن الـ11 وفي الـ22، فلم يكن المجتمع قادراً على قبول ما أنا عليه بسبب تاريخي". وأضاف "لم يهتم بي التوتسي أو الهوتو".
وقالت أونورين، والدة باتريك، إنها احتُجزت لمدة أربعة أيام مع نساء أخريات خلال الإبادة الجماعية على يد مجموعة من المتطرفين الهوتو الذين كانوا يغتصبون أسراهم بعد حملة الذبح اليومية.
وعلى الرغم من أن أونورين عاشت في حالة إنكار لحقيقة حملها بهذه الطريقة، مع تولّد أفكار انتحارية، إلا أنها تمكنت من تربية ابنها، وقالت "إنها لم تظهر له أي حب، وتشعر بالذنب حتى اليوم على ذلك وتلوم نفسها على سوء حالته". وأوضحت أونورين أنها تزوجت بعد ذلك، لكن زوجها رفض وجود باتريك، مشيراً إليه على أنه "ابن قاتل".
حقيقة قاسية
وتحدثت مارثا (46 عاماً) التي تعيش في موهانغا، كيف رفضها أشقاؤها بعدما أنجبت فتاة في عام 1995. وقالت "إنها تعرّضت للاغتصاب على مدى أيام خلال الإبادة الجماعية على أيدي رجال الميليشيات الذين عثروا عليها مع العديد من النساء الأخريات يختبئن في الغابة"، وتابعت :" بعد أن تصالحت مع نفسي تمكنت من إخبار ابنتي بالحقيقة".
واعتبرت الابنة أن والدتها شجاعة، بعد أن سمعت قصص نساء يخضعن لعمليات إجهاض أو يتخلين عن أطفالهن المولودين نتيجة الاغتصاب بعد الإبادة الجماعية. وقالت:"يجب أن أتقبل حقيقة أن والدي كان جلاداً وقاتلاً".