"شواهد مصر".. مبادرة مجتمعية لتنظيف المواقع الأثرية

أعضاء مبادرة "شواهد مصر" خلال عملهم في أحد المواقع الأثرية. 6 مارس 2023 - facebook.com/WitnessesofEgypt
أعضاء مبادرة "شواهد مصر" خلال عملهم في أحد المواقع الأثرية. 6 مارس 2023 - facebook.com/WitnessesofEgypt
القاهرة -آلاء عثمان

تنشط جهود مبادرة "شواهد مصر" التي تضع الحفاظ على التراث، والتوعية بأهمية المعالم الأثرية والتاريخية، أخيراً، إذ تُسخّر جهودها لإزالة عوامل الزمن المتراكمة على الآثار، وتحول دون إمكانية الاستمتاع بالنظر إليها في صورتها الأصلية.

فبين أزقة وطرقات القاهرة التاريخية، تدب حركة غير مألوفة، وتتسارع خطوات المتطوعين في رحاب الأسبلة والقباب التي يصل عمر بعضها إلى مئات الأعوام، إذ ساهمت "شواهد مصر" في إحياء التوعية بأهمية المعالم الأثرية والتاريخية. 

وعلى الرغم من مضي سنوات قليلة على تأسيس المبادرة، إلا أنها تمكنت من تنظيف وإبراز معالم يصل عددها لـ11 أثراً مصرياً، إضافة إلى إزالة المخلفات والقمامة، و25 طناً من الرديم المتراكم عن ملامحها، لتظهر للسكان في المناطق المتاخمة بحُلة جديدة، لافتةً اهتمام المجتمع المدني، والجهات الحكومية للحفاظ عليها نظيفة.

تنظيف قبة إبراهيم أغا خليفة جنديان الأثرية في القاهرة. مارس 2023 - facebook.com/WitnessesofEgypt

"شواهد مصر" 

وفي أنحاء قبة "الحصواتي" الفاطمية التي قد يصل عمرها إلى 900 عام، غُرست البذرة الأولى لنشاط "شواهد مصر"، بعدما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي جرّاء نشر صور تُظهر القبة محاطة بالمخلفات، ما أثار حفيظة المتابعين، غير أنه مؤسس المبادرة والباحث الأثري حسام عبد العظيم، أشار إلى إمكانية التدخل لحل المشكلة عبر الجهود الذاتية الطوعية، وفقاً لحديثه مع "الشرق". 

وذكر عبد العظيم تفاصيل التجربة الأولية، قائلاً إنه "تواصل حينها مع وزارة السياحة والآثار، ليطرح إمكانية التدخل التطوعي لتنظيف القبة ومحرابها، وتحريرها من أطنان القمامة، وتقدم بطلب رسمي لدخول الأثر المغلق، ليحصل على رد إيجابي وموافقة رسمية في أقل من 24 ساعة".

ووصف أهمية الموافقة السريعة، قائلاً: "في النهاية لا يمكننا التدخل والتعامل مع الآثار المصرية بشكل مباشر، لأنها ملك للدولة، ويتطلب الأمر أن يُسمح لنا بالدخول وممارسة العمل، ويجب أن أشكر في هذا الصدد، قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية الذي سعى في تمكيننا من الحصول على التصاريح". 

بعضًا من ملامح سبيل الأمير عمر أغا بعد تنظيفه. مارس 2023 - facebook.com/@WitnessesofEgypt

وبعد توقف دام  لفترة محدودة، عاد عبد العظيم وفريقه لعمله التطوعي غير المألوف، حيث أزال الرديم والقمامة عن 5 آثار مصرية إسلامية، بينها سبيل الأمير حسن أغا أرزنكان، وقبة أركماس الأشرفي المملوكية، ووزاوية الشيخ حسن الرومي.

تبلّورت مبادرة عبد العظيم واكتسبت اسماً جديداً "شواهد مصر"، وبات سجل أعمالها يضم 11 أثراً، وتعمل المجموعة بالتعاون مع وزارة السياحة، والآثار وتحت إشراف قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية. 

تنظيف أم ترميم 

وعلى الرغم من الجهود المتصلة لإعادة الحياة لأحد المواقع الأثرية، إلا أن عمل "شواهد مصر" لا يتجاوز عملية التنظيف إلى الترميم، الذي يتطلب عمل مختصين واستعدادات خاصة.

وأوضح عبد العظيم أن "المشروع مختص في تنظيف الأثر من الأتربة أو الرديم والقمامة، خصوصاً وأننا نتعامل مع آثار مغلقة، أو رُممت ثم أغلقت لعقود.. في حين لا يمكننا التعامل مع أثر مهدد بالاندثار نتيجة للمياه الجوفية أو مياه الصرف الصحي، لأنه يتطلب في هذه الحالة مشروع ترميم عاجل". 

وأضاف أن "أعمال الترميم تتضمن تمويلًا لا يتسق مع ما يمكن لمبادرة مجتمعية تطوعية أن تقدمه، وذلك لأن الترميم يبدأ بالجهود الإنشائية ثم المعمارية والدقيقة".

في المقابل، كشفت عملية التنظيف الأولية عن ملامح الأثر المندثرة خلف الأتربة كما يصف عبد العظيم، إذ قال: "مع إنهاء عملية التنظيف، عادة ما نكتشف معلومات جديدة عن الأثر خاصة وأننا نختار الأثار المغلقة غير ذات الصيت". 

أعمال تنظيف قبة الأمير يونس الدوادار. 6 مارس 2023 - facebook.com/WitnessesofEgypt

وتحتفظ المبادرة كذلك بقائمة خاصة للآثار التي تود التعامل معها في المستقبل، وتُحدد المبادرة أولوياتها حسب العوامل التي تتعلق بالأثر، كما أن المبادرة تنظم فعاليات توعوية على هامش مشروع تنظيم الآثار كالجولات التثقيفية في محيط المناطق الأثرية.

ودعت المبادرة عدداً من الفنانين التشكيلين لحضور جلسات تنظيف الآثار، وخاصة المغلقة والبعيدة عن أعين الجمهور، ليوثقوا بلوحاتهم المشاهد الجمالية داخل الأثر، ونمط الحياة، والمعيشة، وممارسة الطقوس الدينية قبل قرون. 

تشجيع شعبي

وتمكن الفريق خلال الأشهر الماضية، من إضافة آثار جديدة لقائمة ما تم إنجازه، بينها "قبة الكومي" و"سبيل الأمير إبراهيم أغا مستحفظان"، و"الربع الغربي" للمجموعة المعمارية للأمير رضوان بك الفقاري الواقعة في قلب منطقة حيوية تُعرف بالخيامية، إلا أن الأنظار عادة ما تنجذب لتجارة الأقمشة والألوان البراقة، وتهمل الأثر الذي تقوم على حدوده المتاجر وتزدهر حركة البيع والشراء.

ففي رَبع مجموعة الأمير رضوان، تمكن الفريق من إزاحة الأتربة عن أثر أغلق لما يزيد عن 20 عاماً بعد ترميمه، بينما في "قبة إبراهيم أغا خليفة جنديان" تمكن الفريق من فتح الباب الرئيسي للضريح الذي ظل مغلقاً منذ سبعينات القرن الماضي، الأمر الذي أثار إعجاب سكان المنطقة ودهشتهم". 

فتح الباب الرئيسي لقبة إبراهيم أغا خليفة جنديان في القاهرة - facebook.com/WitnessesofEgypt

ولم تكن المرة الأولى أو الأخيرة التي يحظى الفريق خلالها بتشجيع أهالي المناطق المتاخمة للمواقع الأثرية، إذ عادةً ما يستقبلون الفريق بالترحاب ومد يد العون في أعمال التنظيف، إذ قال عبد العظيم: "بالطبع يُسعد السكان من تنظيف المناطق الأثرية، بل قد يجلبون لنا أدوات تنقصنا فضلاً عن المشروبات والمياه، وذلك رغم أن عملية التنظيف عادة ما تُلقي بسحابة على المنازل المجاورة". 

تظافر جهود 

وعادة ما تعود القمامة مرة أخرى لتلاحق بعض المواقع الأثرية بعد وقت، الأمر الذي يُرجعه عبد العظيم إلى ضرورة تظافر جهود المجتمع المدني والجهات الحكومية، لمحاولة الإبقاء على الآثار في حالة جيدة لأطول فترة.

وقال عبد العظيم: "لا يمكن لدولة في العالم أن تقدم هذا الجهد منفردة، كما لا يمكن أن يعمل المجتمع المدني بمعزل عنها، ما نحتاج إليه هو مزيج من تعاون القطاعين لتبقى الآثار في حالة جيدة، ويرتفع مستوى الوعي لدى الجمهور".

وأضاف: "ما نحتاج إيه على سبيل المثال، هو توفير بدائل للجمهور قريبة من المنزل يمكنهم التخلص من القمامة داخلها، الأمر يتطلب تدخل من المسؤولين في تلك المناطق، لا يمكن لجهة واحدة أو شخص واحد أن يقدم حلولاً متكاملة، فالآثار تحتاج لرعاية دائمة وعملنا ما يزال غير دوري".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات