فلسطين.. أزمة مالية متفاقمة و"التعليم" و"الصحة" بدائرة الخطر

مدرس فلسطيني يدرّس مادة اللغة الإنجليزية في إحدى مدارس الضفة الغربية. 13 سبتمبر 2022 - REUTERS
مدرس فلسطيني يدرّس مادة اللغة الإنجليزية في إحدى مدارس الضفة الغربية. 13 سبتمبر 2022 - REUTERS
رام الله-محمد دراغمة

دخل إضراب المعلمين في المدارس الحكومية بالضفة الغربية المحتلة، شهره الثالث، من دون أية بادرة أمل تشير إلى نهايته، ما يهدد بضياع العام الدارسي.

ويطالب المعلمون بزيادة قدرها 15% على رواتبهم، ووافقت الحكومة على المطلب، لكنها أبلغتهم بأنها سترفع رواتبهم 5% في هذه المرحلة، وتؤجل 10% الباقية إلى حين توفر المال، الأمر الذي رفضه عدد كبير منهم.

وتعاني الحكومة الفلسطينية، منذ سنوات عدة، أزمة مالية متفاقمة، بسبب تضخم القطاع الحكومي من حيث أعداد العاملين، والنفقات التشغيلية، والاقتطاعات الإسرائيلية، وتراجع الدعم الدولي.

وضربت الأزمة الخدمات الأساسية للحكومة، وفي مقدمتها التعليم والصحة، إذ أضرب المعلمون عن العمل منذ أكثر من 70 يوماً، فيما يسجل المرضى في قوائم انتظار لسنوات قادمة، من أجل إجراء عمليات جراحية، إلى جانب نقص كبير في الأدوية داخل المراكز والهيئات الحكومية.

وأقرت الحكومة مطلع أبريل موازنة طوارئ للعام الجاري، بسبب عدم استقرار المداخيل التي تتأثر بالتطورات السياسية، ومنها الإجراءات الإسرائيلية، والعلاقات السياسية الفلسطينية الخارجية.

وبلغت قيمة الموازنة التقديرية 6 مليارات دولار، بعجز يزيد عن 600 مليون دولار.

اقتطاعات إسرائيلية

أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمة، هو قيام إسرائيل باقتطاع مبالغ كبيرة من الإيرادات الجمركية للسلطة الفلسطينية التي تشكل 65% من موازنتها.

وقال وزير المال شكري بشارة، في لقاء مع الصحافيين، أخيراً ، إن اسرائيل تقتطع شهرياً 130 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.66 شيكل) من الإيرادات بذريعة وقف تحويل أموال لعائلات الأسرى والشهداء، وتقتطع أيضاً 150 مليون شيكل بدل رسوم وصفها بالجائرة عن الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات المقدمة للبلديات والمجالس المحلية، وهو ما يساوي نحو ثلث قيمة الإيرادات الجمركية الفلسطينية.

محاولات أميركية

وتبذل الإدارة الأميركية جهوداً مع إسرائيل لحل المشكلات المالية العالقة مع السلطة الفلسطينية، ومنها رسوم المعابر التي تقول السلطة إن إسرائيل تحتجز، منذ سنوات عدة، الحصة الفلسطينية المتفق عليها من هذه الرسوم والتي بلغت قيمتها التراكمية 800 مليون دولار.

ووافق الوفد الإسرائيلي، في اللقاء الخماسي الذي عقد في مدينة العقبة الأردنية، في السادس والعشرين من فبراير الماضي، على استئناف دفع مستحقات السلطة الفلسطينية من هذه الرسوم، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت إقرار الاتفاق.

تراجع الدعم الدولي

وتفاقمت الأزمة بصورة أكبر بعد تراجع الدعم المالي الدولي للسلطة الفلسطينية.

وقال شكري بشارة، إن الدعم المالي الخارجي للموازنة المتوقع هذا العام لن يزيد عن 120 مليون دولار.

وكانت السلطة الفلسطينية تتلقى دعماً خارجياً يزيد عن مليار دولار سنوياً، لكن هذا الدعم تراجع بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة.

ودفعت الأزمة المالية الحكومة إلى صرف 80% من رواتب موظفيها منذ حوالي العام ونصف العام.

وأدى ذلك، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إلى سلسلة من إضرابات الموظفين هذا العام مثل المعلمين، والأطباء، والمحامين، والمهندسين العاملين في المؤسسات الحكومية.

تضخم الجهاز الحكومي

وتواجه المؤسسات الحكومية انتقادات بشأن إدارتها للمال العام في وقت الأزمة. واعترف الوزير بشارة بأن تضخم الجهاز الحكومي يشكل أحد أسباب الأزمة. وقال إن الحكومة تدرس عدة خيارات لتقليص أعداد العاملين في هذا الجهاز.

وقدمت الحكومة للمانحين العام الماضي خطة إصلاح تضمنت تحسين الإيرادات، والتقاعد المبكر، وإجراءات تقشف واسعة، وخفض صافي الإقراض (وهو مبلغ تقتطعه إسرائيل من إيرادات السلطة مقابل خدمات تقدمها للبلديات، وتصل قيمته إلى 300 مليون دولار سنوياً).

تردد في الإصلاح

لكن العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين يقولون إن الحكومة لم تنفذ شيئاً مهماً من هذه الخطة.

وقال الخبير المالي الدكتور نصر عبد الكريم لـ"الشرق": "لأول مرة تتجاوز الموازنة 6 مليارات دولار، فأين التقشف؟" مضيفاً بأن "السلوك الإداري والتشغيلي للسلطة لم يتغير".

وقال إن هناك فرصة أمام الحكومة لخفض الإنفاق بصورة كبيرة من خلال حمل البلديات على تحمل تكاليف خدماتها، ووقف الأعداد الكبيرة من الموظفين الذين ليسوا على رأس عملهم، أو إحالتهم إلى التقاعد، والعمل على تطبيق برنامج للتقاعد المبكر يشمل، بالدرجة الأولى، أصحاب مراكز عليا يتلقون رواتب عالية، وخفض النفقات التشغيلية في العديد من الأوجه، وتحسين الايرادات من خلال معالجة التهرب الضريبي.

وأضاف أن ما أعاق تطبيق ذلك هو "تجنب الاصطدام مع مركز النفوذ في السلطة".

أما وزير المال، فيرى أن الحل يمكن في "إصلاح الملفات المالية العالقة مع الجانب الإسرائيلي، واستعادة الدعم الخارجي والعمل على تحسين الإيرادات"، وهي ملفات لا يبدو في الأفق ما يشير إلى قرب حلحلتها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات