لم تعرف مدينة بورتسودان التي تقع شمال شرقي السودان هذا الكم الكبير من الوافدين، رغم أنها تستقبل سائحين سنوياً للاستجمام بشواطئها المطلة على البحر الأحمر.
لكن مشهد الصراع حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع غيّر تلك الصورة، فالمدينة أصبحت نقطة عبور أساسية للآلاف من رعايا الدول الفارّين من جحيم القتال في البلاد، بحثاً عن فرصة للمغادرة بحراً أو جواً.
وبدأت عمليات إجلاء رعايا الدول الأجنبية عبر ميناء بورتسودان، ولحق بها مطار المدينة في رحلات جوية على مدار اليوم منذ 21 أبريل، وتمضي الأمور بالتنسيق بين القوات المسلحة السودانية وسفارات الدول المختلفة.
وتجاوزت الرحلات الجوية من بورتسودان 40 رحلة منذ بدء عمليات الإجلاء، حملت على متنها نحو 7 آلاف مغادر من جنسيات مختلفة، بينما أبحرت ثلاث وعشرون قطعة بحرية حربية من ميناء بورتسودان أجلت 8 آلاف شخص، فيما تستمر عمليات الإجلاء وترتفع الأرقام بشكل مستمر.
شهادات العالقين
يقول زين الشامي، سوري الجنسية: "وصلنا المدينة بعد رحلة طويلة وشاقه من الخرطوم بالبر مروراً بعدد من الولايات. على طول الطريق كان الجميع يقدم لنا الطعام والشراب حتى وصلنا الى هنا".
وأوضح "الظرف الذي خرجنا فيه من الخرطوم كان حرجاً ولم تتمكن أعداد كبيرة منا من ترتيب أوضاعها، البعض لا يحمل جواز سفر أو أي أوراق ثبوتية والبعض الآخر لا يملك نقوداً لأن مغادرتنا كانت على وجه السرعة، حملنا ما كان أمامنا من أغراض حيث أن مناطقنا كانت ساحة مفتوحة للمواجهات بين الجيش والدعم السريع".
وأضاف الشامي: "حضرنا منذ أيام وننتظر اكتمال إجراءات مغادرتنا المدينة إلى جدة. مندوب السفارة يحضر يومياً إلى مركز الإيواء يستلم جوازات سفر من جاءوا بها إلى هنا ولكن دون وعود في ما يتعلق بموعد مغادرتنا."
يتقاسم السوريون واليمنيون الهموم والأماكن، بانتظار معالجة أوضاع كثير منهم حتى يغادروا السودان، إلّا أن محمد علي وهو يمني الجنسية، بدا أكثر سخطاً على رحلته ويقول: "لم يُقدم لنا شيئاً، ومازلنا هنا عالقون".
ووفق لجنة تنسيق الإجلاء فإن 60 جنسية غادرت عن طريق مدينة بورتسودان، إلّا أن السوريين واليمنيين إلى جانب السودانيين هم الأكثر تواجداً في مركز الإجلاء حالياً بانتظار اكتمال الإجراءات.
مراكز التسجيل
مركز الحصر والتسجيل الذي خصصته السلطات السودانية للراغبين في المغادرة يكتظ بالمئات ممن وضعوا أمتعتهم، في انتظار الانطلاق في رحلة جديدة لا يعرفون متى تبدأ وأين تنتهي. إلّا أن المكان بدا وكأنه معسكر كبير تتكدس فيه الحقائب والمغادرين.
والي البحر الأحمر فتح الله الحاج، زار المركز، وأمر بفتح عدد من الدور لتفريغ المكان من التكدس، إذ حددت الولاية مدارس والسكن الداخلي لجامعة البحر الأحمر، إلّا أن الأغلبية رفضت مغادرة مركز الإجلاء خشية من أن يفقدوا أي فرصة للمغادرة عبر الرحلات البحرية.
يقول باسم عيد، وهو سوري الجنسية ينتظر دوره لمغادرة السودان: "نحن لسنا لاجئين ليتم وضعنا في مراكز غير مركز الحصر، نريد فقط المغادرة من هنا والعودة إلى بلادنا".
في الأثناء، تُحصي لجنة الإجلاء أكثر من ثلاثة آلاف سوري ونحو ألفي يمني، بينما وفد إلى المركز نحو 1800 سوداني يحملون إقامات وزيارات إلى السعودية وانضموا لقائمة المنتظرين.
مبادرات شعبية
محمد أسامة أحد أعضاء مبادرة "الوريفة"، وهي مبادرة شعبية يقودها مجموعة شباب في مدينة بورتسودان، يقول: "نعمل على توفير وجبات غذائية للمنتظرين في مركز الحصر والتسجيل، الأعداد كبيرة والاحتياجات تتضاعف إلّا أننا نسعى لرفع أعداد الوجبات إلى جانب تشغيل عيادة صغيرة للاحتياجات الطبية".
وإلى جانب هذه المبادرة تنشط مبادرات أخرى لتوفير الطعام ومياه الشرب تمولها شركات ورجال أعمال، إذ يتم إحضار المياه والطعام طوال ساعات اليوم وتوزيعها على الحاضرين.
بدورها، وفرت هيئة الموانئ المستضيفة لمركز الحصر والتسجيل، عيادة متحركة تتبع للمستشفى الخاص بها، إضافة الى سيارات إسعاف تابعة لها ولوزارة الصحة، إذ أصبح المركز وجهة لكل متبرع سواء كان جهة حكومية أو شعبية.
للحرب فوائد أخرى
وأنعش توافد الآلاف من الفارّين من جحيم المعارك حركة التسوق في المدينة، وأنعشت بعض القطاعات مثل الضيافة وإن كان بشكل مؤقت.
وفيما ارتفعت أسعار الفنادق والشقق الفندقية ضعفين وثلاثة أضعاف سعرها المعتاد في بعض الأحيان، يرفض فيصل عوض تمديد عقود الإيجار القديمة نسبة لارتفاع الأسعار في موسم غير متوقع لقطاع السياحة في المدينة الساحلية.
ويقول ياسين محمد الذي يملك أحد المقاهي في كورنيش البحر الأحمر: "فوجئنا بهذه الأعداد الكبيرة، لكن وجودهم أنعش عملنا، إذ ندخل في موسم ركود مع دخول فصل الصيف وننتظر الشتاء لزيادة دخلنا المشهد الحالي يذكرني بالشتاء في المدينة وكثرة الزبائن".
وتبعد مدينة بورتسودان نحو 800 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة الخرطوم على شاطئ البحر الأحمر، وتعد المدينة الساحلية وجهة سياحية داخلية في فصل الشتاء، وسهل مطار المدينة وصول السياح من الداخل والخارج.