"نوكيم" شركة نووية روسية لا يستطيع الغرب الاستغناء عنها

مقر شركة "نوكيم" الروسية في ألمانيا. 8 أغسطس 2017 - facebook/NUKEMTechnologies
مقر شركة "نوكيم" الروسية في ألمانيا. 8 أغسطس 2017 - facebook/NUKEMTechnologies
دبي- الشرق

يسعى الاتحاد الأوروبي لحل إشكالية التعامل مع قطاع الطاقة النووية الذي لا يزال حلقة وصل مع روسيا، وأصبح بمثابة "خط الصدع" الذي يشق التكتل المعتمد "تقريباً" في كثير من مستلزمات القطاع على دول أخرى ومنها موسكو الخاضعة للعقوبات الغربية، وفق "بلومبرغ".

ومن أهم حلقات قطاع الطاقة النووي الروسي الذي لا يمكن للغرب الاستغناء عنها، هي شركة "نوكيم" لتفكيك ووقف تشغيل المفاعلات النووية.

وأشارت "بلومبرغ" في هذا الصدد، إلى أن عملية إخراج محطة نووية من الخدمة هو إجراء بالغ الدقة ولا يوجد سوى عدد قليل من المتخصصين المجهزين للتعامل معه.

وخلف الكواليس، يراقب عشرات المهندسين النوويين وخبراء السلامة الإشعاعية والهيئات التنظيمية الحكومية هذه العملية، التي يمكن أن تكلف ما يزيد عن مليار دولار وتستغرق سنوات للتخطيط والتنفيذ.

وقال مايكل بيشلر، من شركة "يونيبر إس إي"، والذي يشرف على تفكيك محطة "بارشبيك" للطاقة النووية في السويد، إن الخبرة اللازمة لتحقيق ذلك دون أخطاء هي السبب في أنه "لا يوجد سوى عدد قليل من المختصين" في أعمال إيقاف التشغيل عالية الإشعاع.

وتعد شركة "نوكيم" (Nukem) ومقرها ألمانيا، من بين الأكثر خبرة في هذا المجال، وقد قدمت على مدار عقود خدماتها الفريدة في آسيا، وإفريقيا، وعبر أوروبا، وساعدت في احتواء الإشعاع من المفاعلات المدمرة في تشيرنوبيل بأوكرانيا، وفوكوشيما في اليابان، إضافة إلى قيادة عملية تطهير مصنع للوقود الذري في بلجيكا. 

وفي فرنسا، ابتكرت الشركة طرقاً لمعالجة النفايات من المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي.

ويتوقع الباحثون أن تتطور عمليات التطهير التي تعقب عملية تفكيك محطات الطاقة النووية القديمة إلى أعمال عالمية بقيمة 125 مليار دولار في المستقبل القريب، مشددين على وجوب أن تكون شركة "نوكيم" في وضع مثالي للاستفادة من ذلك.

سيطرة روسية

وأشارت "بلومبرغ" إلى وجود عقبة واحدة، وهي أن الشركة مملوكة بالكامل لشركة "روساتوم كورب" (Rosatom Corp)، العملاق النووي الذي يسيطر عليه الكرملين، مما يضعها في قلب مواجهة غير مريحة.

وفي حين أن ألمانيا كانت صريحة في حث دول الاتحاد الأوروبي على وقف استيراد الوقود النووي من "روساتوم"، والذي يعتبر سلعة عالية التخصص تستخدم في محطات الطاقة، تعد "روساتوم" أكبر مُصدّر لها في العالم، لا ترغب السلطات في هذا البلد منع "نوكيم" من ممارسة الأعمال التجارية في ألمانيا، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن 3 مسؤولين حكوميين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم مقابل مناقشة المداولات الخاصة.

وتعتبر "نوكيم" التي تقع في شرق مدينة فرانكفورت الألمانية، طرفاً فاعلاً ومتخصصاً في إمبراطورية "روساتوم" العالمية، لكن ذلك يكشف عن "خط الصدع" الذي يشق نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الطاقة النووية، بحسب وكالة "بلومبرغ"

تصاعد الضغوط

وخلافاً لروسيا، التي اكتسبت الخبرة في جميع العمليات الصناعية اللازمة لتحويل وتخصيب ذرات اليورانيوم إلى أشكال قابلة للاستخدام لتوليد الطاقة، فإن طريقة أوروبا في تطوير التكنولوجيا النووية عبر الاعتماد على خليط من المزودين، أدى لاعتماد دولها على مقدمي الخدمات الخارجيين لسد الفجوات في الإنتاج والخدمات.

وقدّر الخبراء أن يستغرق تغيير هذا الوضع، 4 أو 5 سنوات على الأقل قبل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من مضاهاة قدرة "روساتوم" على تصنيع الوقود، لكن حتى لو تم تسريع هذه العملية، فإنها ستتطلب مزيداً من الوقت لمضاهاة انتشارها العالمي والوصول للنطاق الكامل لخدماتها.

وتصاعدت الضغوط لاستبعاد "روساتوم" من سلاسل التوريد الأوروبية منذ أن استولت القوات الروسية على أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا خارج مدينة زابوروجيا الأوكرانية وأرسلت مهندسين من "روساتوم" لتشغيلها.

وقالت الباحثة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ومقره لندن، داريا دولزيكوفا إن "حقيقة عدم خضوع شركة (نوكيم) للعقوبات يجب أن تثير بعض الأسئلة الخطيرة".

وبعد مرور أكثر من عام على الغزو الروسي، لا يزال الأمر متروكاً للشركات الفردية لتقرر ما إذا كانت ستستمر في التعامل مع عملاق الطاقة الروسي الذي زادت صادراته بأكثر من 20% في العام الذي أعقب الغزو.

وذكرت "بلومبرغ" أنه على عكس تأميم ألمانيا أصول التخزين والتكرير الروسية بعد الحرب، ليس لدى "نوكيم" الكثير من البنية التحتية الثابتة للاستحواذ عليها. وإذا تم فرض عقوبات، فقد تغلق "روساتوم" ببساطة مقرها أو تنقله إلى ولاية قضائية أكثر ودية.

وقد ترك هذا "نوكيم" عالقة في نوع غريب من السجال، حيث يواجه العملاء المهتمون بالاستفادة من خبرتها الآن خيار ما إذا كانوا سيعملون مع شركة يسيطر عليها الكرملين.

وفي الوقت نفسه، فإن خبرتها قيمة بشكل خاص حيث يمكن لمهندسيها البالغ عددهم 120 مهندساً معظمهم من الألمان العمل عبر سلسلة التوريد النووية، وهي ميزة كبيرة في ضوء حقيقة أن المزيد من المهندسين النوويين الشباب يدرسون لبناء منشآت جديدة أكثر من هدم المنشآت القائمة.

عمال تفكيك المنشآت

وحذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا من نقص حاد في عمال تفكيك المنشآت النووية.

وقال مارك هيبس، المحلل في مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" الذي يتتبع نشاط الشركة منذ أكثر من 3 عقود: "تتربع (نوكيم) على رأس مجموعة كبيرة من الخبرة المعرفية في أوروبا".

ولكن حتى بدون عقوبات، توقفت الأسواق التقليدية مثل ليتوانيا وفنلندا عن العمل مع "نوكيم"، و"روساتوم"، كما قامت التشيك، وسلوفاكيا، وبلغاريا، ودول أخرى بالتنويع بعيداً عن الموردين الروس. 

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "نوكيم" توماس سيبولت: "أصبح من الصعب القيام بالأعمال التجارية اليومية منذ بداية الغزو الروسي، فالتحويلات المالية تستغرق وقتاً أطول، وكذلك تأمين التراخيص اللازمة لشحن التقنيات عبر الحدود، كما أن بعض العملاء مترددين في توقيع العقود".

بيع الشركة

وبسبب الوضع السياسي، أشار سيبولت إلى أن "التطوير الإضافي للشركة أصبح غير مؤكد"، لافتاً إلى أنه لتجنب استمرار التراجع "تحاول الشركة المالكة بيع (نوكيم) إلى مستثمر استراتيجي بحلول منتصف العام تقريباً".

وأضاف: "نجري بالفعل محادثات مع الأطراف المعنية" دون أن يوضح كيف يمكن للمشتري الالتفاف على العقوبات المالية للاتحاد الأوروبي للحصول على حصة في الشركة.

ومع ذلك، إذا لم يحدث ذلك، فقد يكمن مستقبل الشركة خارج أوروبا.

وفي حين أن العقوبات ضد "روساتوم" و"نوكيم" يمكن أن تخنق الإمداد الفوري للوقود والخدمات داخل تكتل الاتحاد الأوروبي، إلا أنه سيكون من الصعب فرضها في أكبر أسواق النمو للشركة.

وتقوم "روساتوم" بالفعل ببناء محطات نووية جديدة في بنجلاديش والصين ومصر في تركيا، مع عشرات عقود التوريد الأخرى قيد التفاوض. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الصفقات إلى تأمين التدفقات النقدية والنفوذ السياسي للشركة لعقود قادمة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات