زواج قاصرات بحكم القانون.. ملف شائك في المغرب يبحث عن حل

نساء يرددن هتافات خلال اعتصام أمام المحكمة المحلية في العرائش لمصادقتها على زواج قاصر. 16 مارس 2012 - AFP
نساء يرددن هتافات خلال اعتصام أمام المحكمة المحلية في العرائش لمصادقتها على زواج قاصر. 16 مارس 2012 - AFP
دبي-الشرق

يُثير زواج القاصرات في المغرب جدلاً كبيراً، في ظل دعوات لتعديل القانون المنظم له، مع قبول 13 ألفاً و335 طلب تفويض بزواج قاصرات من أصل 19 ألفاً و966 طلباً تلقتها المحاكم المغربية في عام 2020، بنسبة تبلغ 66.8%.

وقال عبد اللطيف معمري، رئيس "الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة"، المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، إن "موضوع زواج القاصرات من الملفات الشائكة"، مشيراً إلى أن الجمعية "نبهت عدداً من البرلمانيين بشأن خطورة الوضع من أجل العمل مع الحكومة على حلول".

وأضاف لـ"الشرق": "سعت الجمعية العام الماضي إلى تعطيل تشريع يعطي للقضاة الحق في الموافقة على تزويج فتيات دون 18 عاماً، والسماح بتفعيله فقط في بعض الحالات الاستثنائية والشاذة. وأجرت مناظرات مع رجال دين وكوادر طبية في هذا الشأن أظهرت بعض التوافق حول مخاطر زواج القاصرات، سواء على صحة الفتيات أو الصحة الإنجابية".

وأكد معمري أن الحصول على قرار للسماح بزواج فتاة دون سن 18 عاماً في المغرب، وبنسبة 57%، لا يستغرق في أغلب الحالات أكثر من 24 ساعة.

ولفت إلى أنه بحسب دراسة أجريت في هذا الشأن، لم تستغرق 36% من التراخيص الصادرة عن القضاة سوى أسبوع واحد، بينما 7% فقط من تلك التراخيص استغرق استخراجها أكثر من أسبوع.

"تحايل على القانون"

من جانبها، قالت المحامية زهور الحر إن المادة القانونية التي منحت القضاة حق تزويج القاصرات في بعض الحالات الاستثنائية "لم تضع حداً أدنى للعمر المسموح بتزويج الفتاة عند بلوغه"، مضيفة: "هذه النقطة جعلتنا أمام زواج فتيات بعمر 13 أو 14 عاماً مثلاً، وهو ما يسمح بالتحايل على القانون".

وتابعت: "تترتب على هذا النوع من الزواج تبعات وخيمة تعيق نمو الفتيات وفرص بناء مستقبلهن، وتجعلهن أكثر عرضة للعنف البدني والنفسي والاستغلال الاقتصادي والجنسي. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى سقوطهن ضحايا للاتجار بالبشر".

لكن وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي كان قد أكد في جوابه عن سؤال حول زواج القاصرات في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان، مطلع العام، أن "تقدماً ملموساً تحقق في مجال حقوق المرأة منذ اعتماد المغرب مدونة جديدة للأسرة عام 2004".

وقال وهبي إن "مدونة الأسرة أحاطت في المادة الـ20 بالطابع الاستثنائي لزواج القاصرات، من خلال تدابير وضمانات إجرائية. وفي 2017، تم تسجيل 26 ألف حالة زواج قاصرات، وانخفض العدد سنة 2020 إلى 12 ألف حالة، وفي سنة 2021 ارتفع إلى 19 ألفاً".

وأكد الوزير دعمه تجريم زواج القاصرات وإلغاء الإذن الذي يُعطى من طرف القاضي للقاصر من أجل السماح بحالات من هذا الزواج، مشدداً على أن السن المناسبة للزواج هي 18 عاماً فما فوق.

تخلّص من الأعباء

بدورها، أشارت أمينة خالد، عضو جمعية "إنصاف"، إلى أن الجمعية أجرت تجربة ميدانية في إحدى مناطق مدينة مراكش، جنوب شرقي العاصمة الرباط، ومناطق جبلية أخرى شبه نائية، أظهرت أن "الفقر أحد أسباب الزواج المبكر".

وقالت: "المنطقة فقيرة، ما يدفع معظم رجالها للعمل في مدينة مراكش بالمجال السياحي، وتبقى النساء مع أطفالهن في البوادي. وبسبب سوء الظروف الاقتصادية، فإن أول ما يفكر فيه الآباء هو التخلص من عبء أطفالهم، إما عن طريق التشغيل أو الزواج".

وأضافت خالد أن "التسرّب من التعليم يكرّس هذا الوضع، في ظل عدم توفر الإمكانيات والظروف الملائمة للدراسة. وهناك بعض دور الطالبات طاقتها الاستيعابية لا تكفي عدد الطالبات".

وتابعت: "لا يمكن إغفال جانب العادات والتقاليد السيئة التي تدفع العائلات إلى تزويج بناتها خوفاً من أن يجلبن لها العار، لدرجة تصبح معها الفتاة بالنسبة لوالديها عبئاً يجب التخلص منه".

"زواج الفاتحة"

وتطرقت أمينة خالد إلى ما يسمّى "زواج الفاتحة" الذي قالت إنه "رائج بشكل لافت في المناطق القروية، وتنجم عنه مشاكل كثيرة، كتملص الأزواج من الزوجات دون أي وثائق زوجية، ما يخلّف أطفالاً خارج إطار الزواج".

وأكدت خالد ضرورة إجراء الدولة تعديلات على قانون الزواج، تمنع تزويج الفتيات الأقل من 18 عاماً، بالإضافة إلى فتح المجال أمامهن لتلقي التعليم عبر فك العزلة عن المناطق النائية.

واعتبرت عضو جمعية "إنصاف" أن المشكلة "اقتصادية بالدرجة الأولى ثم ثقافية"، قائلة: "نحن متشبعون بالثقافة الشعبية، ولسنا متشبعين بالمواثيق الدولية وحقوق الطفل وحقوق الإنسان".

وأضافت أن بعض القضاة يمنحون الموافقة على الزواج بالنظر إلى بنية الطفلة الجسمانية فقط، دون مراعاة نفسيتها، ما يجعلنا أمام طفلة تنجب أطفالاً".

حفظ مصالح الفتاة

غير أن دراسة تشخيصية حول موضوع زواج القاصرات، أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة في المغرب، اعتبرت أن المشرّع المغربي أحاط الزواج لمن هم دون سن الأهلية بضوابط صارمة، رغم إباحته هذا النوع من الزواج، وأن تلك الضوابط تحقق مقصد هذا النص والغاية منه، والمتمثلة أساساً في إبقاء هذا النوع من الزواج في إطاره الاستثنائي"، بما يضمن الحفاظ على مصالح الفتاة.

وذكرت الدراسة أن ارتفاع نسب زواج القاصرات يقترن بارتفاع معدلات الوفاة بين الأمهات والرضّع، وحذّرت أيضاً من إمكانية أن تلحق هذه الممارسة "أضراراً بالغة بصحة الفتيات الجنسية والإنجابية".

وأضافت: "العديد من المواثيق والتقارير الدولية تذهب إلى احتمال أن المضاعفات المرتبطة بالحمل سبب رئيس في الوفيات بين الأطفال، وترفع احتمال وفاة النساء اللواتي بلغن العشرينيات من عمرهن إلى الضعف".

 تناقض صارخ

ويفسر فؤاد بلمير، الباحث في علم الاجتماع، المقاربة الاجتماعية لظاهرة زواج القاصرات استناداً إلى شقين، الأول اجتماعي له ارتباط بالثقافة المغربية السائدة أو البنية الثقافية المغربية، والآخر قانوني طرح عدة مشاكل تصدى لها القانون المغربي اليوم.

ويرى بلمير أن القاضي "لا يمكنه السماح بتزويج الطفلة القاصر بسهولة"، مؤكداً أن عليه الاستجابة لمجموعة من الشروط، منها ما هو بيولوجي ونفسي، وهو ما قلّص حتى السماح بالتزويج، خاصة في القرى.

وقال: "رغم أن الدولة حاولت جاهدة محاربة هذه الظاهرة، لكن ما زال تزويج القاصر شائعاً في بعض المناطق. ولكي تتحقق مسألة الحد من الظاهرة  على أرض الواقع، فالأمر أصبح صعباً جداً ويخضع لشروط قانونية صارمة".

وأشار بلمير إلى أن هناك ملايين الفتيات اللاتي بلغن سن الزواج ولم يتزوجن، بينما هناك قاصرات يتزوجن، قائلاً إن "هذا التناقض أصبح صارخاً، ولا يحسن صورة المغرب الذي يسعى جاهداً للبحث عن التطور ... نسعى في السنوات المقبلة لكي نكون من بين أقوى 20 اقتصاداً في العالم، وهذه المشكلة الاجتماعية تسيء نوعاً ما إلى المغرب".

ويرى بلمير أن القانون وحده غير كاف للقضاء على الظاهرة، قائلاً: "هناك استراتيجيتان للتصدي للظاهرة، الاستراتيجية الأولى تقوم على التربية والتوعية، وهناك بطبيعة الحال المقاربة القانونية التي تكون آنية وتتخد قرارات حاسمة في الموضوع".

إلزامية التعليم

كحل جذري وفعال للظاهرة، اقترح بلمير أن يصبح التعليم إجبارياً حتى سن معيّنة، كخطوة أولى لمحاربة زواج القاصرات، قائلاً إن هذا "لن يحد فقط من هذه الظاهرة بل من ظواهر أخرى".

من جانبه، يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي عادل غزالي أن الظاهرة ما زالت قائمة، رغم الجهود المبذولة على المستوى التشريعي، مؤكداً ضرورة "تبني مقاربة شمولية يتم من خلالها العمل على ما هو تشريعي قانوني"، قائلاً: "الفتاة ما زال يُنظر إليها في هذه المجتمعات على أنها سلعة أو بضاعة من طرف الزوج والأسرة وتُعامل بشكل سيئ وبشع".

ومن وجهة نظر أستاذ علم النفس الاجتماعي، فإن السن القانونية للزواج، والبالغة 18 عاماً، "تبقى نسبية".

وقال غزالي: "في بعض الأسر ومع أشكال تربية معيّنة، حتى في سن العشرين لا تكون الفتاة أحياناً مؤهلة للزواج ... أعتقد أن المقاربة يجب أن تكون صارمة، ليس فقط على مستوى المواكبة، بل لابد أن يكون هناك نوع من الزجر، أي ضرورة الانتقال من مستوى المواكبة القانونية إلى مستوى تجريم الظاهرة".

وتحدّث المتخصص النفسي عن أن المشرعين والقضاة يجدون أنفسهم أحياناً أمام خطاب فيه نوع من التعارض أو التناقضات الغريبة التي لا يستطيعون تفسيرها، عندها يجدون أن الفتاة التي تعتبر "ضحية" تدافع عن زوجها وعن الأسرة.

وتؤمن عدة شرائح في المجتمع المغربي بأهمية الزواج المبكر، خصوصاً زواج الفتيات، كما تعتقد بعض المجتمعات أن تأخير الزواج يؤدي إلى أضرار كبيرة، اجتماعية واقتصادية، في حين يؤكد خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس أن تزويج الفتيان والفتيات مبكراً يؤدي إلى تحميلهم أعباء أكبر من قدراتهم الجسمانية والعقلية، ويكون في كثير من الحالات السبب الرئيسي في فشل الزواج.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات