من هم الخاسرون اقتصادياً في النظام العالمي الجديد؟

المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس التنفيذي لشركة إنتل بات غيلسنجر حدثًا يشهدان توقيع عقد إنشاء مجمع جديد لصناعة الرقائق الإلكترونية، في برلين، ألمانيا. 19 يونيو 2023 - REUTERS
المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس التنفيذي لشركة إنتل بات غيلسنجر حدثًا يشهدان توقيع عقد إنشاء مجمع جديد لصناعة الرقائق الإلكترونية، في برلين، ألمانيا. 19 يونيو 2023 - REUTERS
دبي-الشرق

تتسابق أكبر اقتصادات العالم على التفوق في صناعات المستقبل، وتقدم حزماً ضخمة من الدعم لكبرى الشركات، بينما ستُمنى الدول غير القادرة على ذلك بخسائر اقتصادية، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وقالت الصحيفة، الاثنين، إن الإعفاءات الضريبية الجديدة المُقدمة لتصنيع البطاريات، ومعدات الطاقة الشمسية، وغيرها من التكنولوجيا الخضراء تجذب تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول التحرك في ذات الاتجاه بتنفيذ مجموعة من حزم دعم الطاقة الخضراء.

كما أعلنت اليابان أنها تخطط لاقتراض 150 مليار دولار، لتمويل سلسلة من الاستثمارات في التكنولوجيا الخضراء.

وتعمل جميع هذه الدول على تقليل اعتمادها على الصين، والتي تتمتع بريادة كبيرة في مجالات مثل تصنيع البطاريات والمعادن.

وأضافت "وول ستريت جورنال"، أن بعض الدول التي كانت اقتصاداتها آخذة في النمو خلال عقود من التجارة الحرة، أصبحت الآن في وضع سيء في عصر جديد من "السياسات الصناعية العدوانية".

وتفتقر دول صناعية مثل بريطانيا وسنغافورة، إلى المستوى اللازم لمنافسة أكبر التكتلات الاقتصادية في تقديم الدعم الاقتصادي، كما تواجه الأسواق الناشئة مثل إندونيسيا، التي كانت تأمل في استخدام مواردها الطبيعية لصعود السلم الاقتصادي، مخاطر ذلك التحول في المناخ الاقتصادي الدولي. 

وحصلت شركة "إنتل" الأميركية على دعم بقيمة 11 مليار دولار من الحكومة الألمانية لبناء مصنعين لأشباه الموصلات، الأمر الذي وصفه المستشار الألماني، أولاف شولتز، بأنه أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد.

مجاراة الدول الكبرى

وذكرت الصحيفة أن التمويل الذي تعهدت الحكومة الألمانية بتقديمه يفوق بكثير الميزانية السنوية لوزارة التجارة والصناعة في سنغافورة.

وقال نائب رئيس وزراء سنغافورة، لورانس وونج، لمؤيديه في تجمع سياسي عُقد مؤخراً: "دعوني أخبركم بوضوح: لا يمكننا مجاراة الدول الكبرى".

وبالنسبة للعديد من شركات التكنولوجيا التي نشأت في بريطانيا، يكمن النمو في مكان آخر، وتمكنت شركة "نيكسون"، وهي شركة ناشئة متخصصة في مجال تكنولوجيا البطاريات، من جمع أكثر من 200 مليون دولار العام الماضي.

وستؤسس "نيكسون" أول مصنع لها في كوريا الجنوبية، ويُرجح أن تؤسس مصنعاً آخر في أميركا الشمالية، بحسب "وول ستريت جورنال".

وقال سكوت براون، الرئيس التنفيذي للشركة، إن "نيكسون" لن تؤسس مصنعاً في بريطانيا، وإن موقفها لن يتغير ما لم تقدم الحكومة مزيداً من الدعم لصناعة البطاريات.

وأفادت شركة "إيه إم تي إي باور"، وهي إحدى شركات تصنيع البطاريات القليلة في المملكة المتحدة، بأنها تعيد النظر في خطط لإنشاء مصنع مقترح تزيد قيمته عن 200 مليون دولار في اسكتلندا، نظراً لاختلاف الدعم المعروض في الولايات المتحدة وأوروبا.

حوافز أميركية

وذكرت شركة "أريفال"، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال السيارات الكهربائية، العام الماضي، أنها تريد تركيز عمليات التصنيع في الولايات المتحدة بدلاً من المملكة المتحدة، مستشهدة بالإعفاءات الضريبية.

وتشهد الولايات المتحدة التي تقدم حوافز وتمويلات للطاقة النظيفة بقيمة 369 مليار دولار في إطار قانون مكافحة التضخم الأميركي، استثمارات أجنبية استثنائية، إذ بدأت شركة السيارات الألمانية "بي إم دبليو" في إنشاء مصنع جديد للبطاريات في ولاية ساوث كارولينا.

وأعلنت شركتا "هيونداي" و"إل جي" الكوريتان الجنوبيتان عن إنشاء مصنع بطاريات بقيمة 4.3 مليار دولار في ولاية جورجيا، بينما تبني شركة "باناسونيك" اليابانية مصنعاً بولاية كانساس.

ويمثل سباق الدعم خطوة في الابتعاد عن التكامل الاقتصادي، الذي أزال الحواجز التي تعترض التجارة والاستثمار في الدول على مدى عقود.

وحولت العولمة دولاً كانت فقيرة سابقاً، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، إلى اقتصادات متقدمة ومتطورة تكنولوجياً، وانتشلت مئات الملايين من الناس من الفقر، كما ساعدت المستهلكين الغربيين في الحصول على الكثير من السلع الاستهلاكية بأسعار معقولة، وتحقيق مستوى معيشي أعلى.

وساهمت العولمة أيضاً في انتقال التقدم التكنولوجي، والأفكار الإدارية الجديدة، والسلع، والموارد المالية بحرية أكبر بين الدول، حسبما ذكرت "وول ستريت جورنال".

ومع ذلك، يفرض هذا النموذج تكاليف باهظة، إذ أدى إلى تفريغ المجتمعات التي كانت مزدهرة سابقاً في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، مع انتقال الوظائف الصناعية إلى آسيا أو دول الاتحاد السوفيتي السابق.

علاوة على ذلك، ازدادت المخاوف البيئية مع تزايد استهلاك الاقتصاد العالمي للموارد الطبيعية، وتواجه بعض الاقتصادات موجات هروب رؤوس أموال مزعزعة للاستقرار، مع تدفق الأموال الأجنبية داخل وخارج البلاد.

خطر على الاقتصادات النامية

ويرى خبراء اقتصاديون أن تفكيك هذا التكامل العالمي، سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بالأمن القومي، أو التنافس الجيوسياسي، أو مخاوف تتعلق بسلاسل التوريد، سيؤدي إلى مشكلات أخرى.

وقالوا إن الاقتصادات النامية الأصغر حجماً التي تحتاج للوصول إلى الأسواق العالمية، معرضة للخطر بصفة خاصة.

وأكد ديفيد لوفينجر، المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأميركية، أن العالم بأسره أصبح ينظر إلى الداخل على نحو متزايد، ويبتعد عن التجارة والاستثمار.

وأضاف لوفينجر: "أوروبا، والولايات المتحدة، والصين، تتنافس على تقديم الإعانات، والخاسرون في تلك المنافسة هم الاقتصادات الأفقر التي تمتلك موارد مالية أقل".

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن تبني الغرب للسياسات الصناعية قد يكون له آثاراً سلبية، بشكل خاص على الدول التي كانت تأمل في استغلال تبني التكنولوجيا الخضراء لتعزيز تنميتها الاقتصادية.

وتطمح إندونيسيا إلى الاستفادة من مواردها الوفيرة من النيكل لإنشاء صناعة بطاريات رائدة على مستوى العالم. ولكن القواعد الأميركية تمنع تقديم الدعم لتصنيع بطاريات المركبات الكهربائية، التي تحتوي على كميات كبيرة من المعادن من الدول غير الشريكة في اتفاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وتُعد إندونيسيا إحدى هذه الدول.

وقال أرشد رشيد، رئيس غرفة التجارة والصناعة الإندونيسية، للصحيفة: "لدينا كل الموارد الطبيعية، ولدينا الموارد البشرية. ونحن دولة ديمقراطية. أرجوكم، لا تمنعونا".

وشهدت الولايات المتحدة العام الماضي طفرة في الاستثمارات، إذ استحوذت على نحو 22% من الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً، ما جعلها أكبر دولة متلقية للاستثمارات في العالم، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.

ويقل ذلك بقليل عن حجم الاستثمارات التي تلقتها الولايات المتحدة في عام 2021، عندما استحوذت على 26% من الاستثمارات العالمية.

وفي عام 2010، بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة 13% من إجمالي الاستثمارات العالمية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات