دول "بريكس".. كتلة أسواق ناشئة تحاول تغيير نظام عالمي

مركز ساندتون للمؤتمرات الذي سيستضيف قمة بريكس القادمة في جوهانسبرج، جنوب إفريقيا. 19 أغسطس 2023 - REUTERS
مركز ساندتون للمؤتمرات الذي سيستضيف قمة بريكس القادمة في جوهانسبرج، جنوب إفريقيا. 19 أغسطس 2023 - REUTERS
دبي-بلومبرغ

على مدى أعوام، تذمرت قوى الأسواق الناشئة الرائدة من تهميش الدول الغنية لها. بدأوا  في الوقت الراهن يُصعّدون من تحديهم الأكثر طموحاً إلى حد الآن، في مواجهة الوضع العالمي القائم.

من المنتظر أن يستغل تكتل "بريكس" الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، قمة الزعماء السنوية في جوهانسبرج الأسبوع الحالي، لإطلاق عملية إضافة مزيد من البلدان لعضويته لتقوية ثقله العالمي، في حملة يقودها بصفة أساسية الرئيس الصيني شي جين بينج، وتدعمها روسيا وجنوب إفريقيا أيضاً.

ستنعقد هناك أيضاً محادثات بشأن سبل تسريع عملية التحول بعيداً عن الدولار الأميركي، وذلك بطريقة جزئية، بواسطة تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة الآخذة في التنامي بين الأعضاء، بحسب مسودة جدول أعمال اطلعت عليها "بلومبرغ".

نفوذ سياسي

أخفق التكتل في تحويل قوته الاقتصادية المتنامية إلى نفوذ سياسي ضخم منذ أن بدأ بعقد قمم الزعماء قبل 15 سنة.

لكن حالة التشرذم الراهنة في النظام العالمي، مع تفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، والانقسامات إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، تعطيه فرصة جديدة ليصبح صوتاً أعلى لمنطقة جنوب الكرة الأرضية، وربما ينافس الولايات المتحدة وحلفاءها.

أوضح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: "نريد جعل مجموعة بريكس قوية للغاية سياسياً ومالياً".

قد تشهد قمة الزعماء، أول توسع للتكتل منذ انضمام جنوب إفريقيا عام 2010. يأتي في صدارة قائمة المرشحين المحتملين للانضمام: إندونيسيا والسعودية، وكذلك الإمارات والجزائر ومصر، لكن الهند تريد أن تسير هذه العملية بطريقة تدريجية.

تكتل أوسع

كمجموعة أوسع، سيشكل التكتل نصف الإنتاج العالمي بحلول 2040، بحسب تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، ما يُعد ضعف حصة مجموعة السبع الصناعية الكبرى، ويقلب الموقف بالمقارنة مع مطلع القرن الحالي.

وستضم مجموعة "بريكس" الموسعة نصف سكان العالم تقريباً، مرتفعة من 42% بالوقت الحالي، بحسب أنيل سوكلال، سفير جنوب إفريقيا لدى التكتل.

وقالت كارين فاسكويز، الأستاذة المشاركة المتخصصة بالممارسات الدبلوماسية بجامعة "أو. بي. جيندال جلوبال" الهندية والمقيمة في شنغهاي: "حققت هذه البلدان نهضة اقتصادية، وطرحت مخاوفها، وهي حالياً قادرة على توفير بدائل، إذا لم تُسمع شكواها".

حتى وقتنا هذا، قيّدت الانقسامات الشديدة بين الأعضاء من قدرة التكتل، الذي تصدر قراراته بإجماع الآراء، على تعظيم نفوذه في مؤسسات على غرار "صندوق النقد الدولي" أو "البنك الدولي" أو "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة.

أقرض بنك التنمية الذي أسسته دول "بريكس" 32.8 مليار دولار فقط خلال 8 أعوام من بدء عمله، ما يشكل جزءاً ضئيلاً بالنسبة للمبالغ التي يقدمها "صندوق النقد" و"البنك الدولي" خلال هذه المدة. ولم تحرز مقترحات تدشين التكتل لعملة مشتركة أي تقدم.

صعوبات

عانت اقتصادات البرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا من ضعف الأداء، وبدأ النمو الصيني في التباطؤ. وصعد مقياس القيمة السوقية لأسهم بلدان الـ"بريكس" الخمس، 81% منذ 2009، بالمقارنة مع زيادة 379% لمؤشر "ستاندرد أند بوزر 500"، مع الوضع في الاعتبار، ضعف عملاتها خلال هذه المدة الزمنية وعائداتها المقومة بالدولار التي تبدو أسوأ بدرجة كبيرة.

يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قمة العام الحالي، بسبب صدور مذكرة توقيف ضده لاتهامه بارتكاب جرائم حرب مزعومة من قبل "المحكمة الجنائية الدولية"، التي تندرج جنوب إفريقيا المستضيفة للقمة تحت مظلتها، ومن المقرر أن يشارك عن بعد.

ويوفر الاجتماع لبوتين فرصة أخرى لطرح روايته الخاصة عن غزو أوكرانيا على زعماء من نصف الكرة الأرضية الجنوبي بطريقة مباشرة، حيث تعاطف الكثير منهم مع رواياته في الماضي.

والتزمت البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، الحذر إزاء الانحياز لروسيا بطريقة علنية على صعيد الحرب، لكنها لم تكن مستعدة أيضاً للتحالف مع الغرب في معارضته لموسكو.

وأوضح مسؤول في الاتحاد الأوروبي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مصرح له بالتعليق علانية: "بينما ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مجموعة بريكس على أنها بالأساس منتدى خطابي بلا تأثير، يمكن أن يسفر توسعه عن إضعافه بدلاً من تقويته، فإن قدرة بوتين على استخدام المجموعة بوصفها منصة دولية، تمثل مصدراً للقلق".

الصين والهند

أشار جيم أونيل، كبير خبراء الاقتصاد السابق في مصرف "جولدمان ساكس"، والذي صاغ الاسم المختصر "بريكس" أو (BRIC) خلال 2001 لإبراز ثقل المجموعة العالمي المتنامي، إلى أن التكتل كان "مخيباً للآمال للغاية".

نادراً ما تتفق الصين والهند على أي أمر، وهي مشكلة جوهرية. إذ يخوض البلدان الأكثر كثافة سكانية، نزاعاً حدودياً منذ أعوام.

ووافق قادة جيشيهما الأسبوع الماضي على العمل سريعاً للتخفيف من حدة الخلافات، ما يمهد لإحراز تقدم في المفاوضات بين شي جين بينج، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

يساور الهند القلق من أن توسيع "بريكس" سيحوّل المجموعة إلى منصة للدفاع عن وجهة نظر الصين، بينما تشعر البرازيل بالقلق أيضاً إزاء حالة الاستعداء الغربي، بحسب مسؤولين مطلعين على المفاوضات الداخلية للتكتل، لكنهم أذعنوا لفكرة قبول أعضاء جدد، حتى مع سعيهم للتوصل لاتفاق بشأن القواعد والمعايير.

بينت كاثرين هادا، وهي دبلوماسية أميركية كبيرة سابقة، تترأس حالياً دراسات السياسة الأميركية الهندية في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن، أنه "منذ تأسيس مجموعة بريكس، لم تعد الصين أكثر قوة على المستوى الإقليمي، أو حتى على طول الحدود مع الهند فقط، ولكنها أيضاً ترغب في تولي دفة القيادة بمنطقة جنوب الكرة الأرضية، وهو ما لا تريده الهند".

سياسة القبول

سيمثل الاجتماع الذي يستضيفه رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أول قمة حضورية لمجموعة الـ"بريكس" منذ وباء كورونا الذي اجتاح العالم، حيث أكد لولا وشي ومودي حضورهم القمة.

وسيجلس رؤساء حكومات من أكثر من 30 دولة إفريقية، بجانب آخرين من النصف الجنوبي للكرة الأرضية، بوصفهم مراقبين. وأبدت 20 دولة وأكثر رسمياً اهتمامها بالانضمام لعضوية التكتل.

زعماء دول التكتل الخمسة سيحددون من يمكنه الانضمام، وتوقيت ذلك، في ظل التوصل لتوافق كبير بشأن سياسة قبول العضوية، بحسب سوكلال سفير جنوب إفريقيا لدى التكتل.

وأوضح روبرت شراير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "كيب تاون": "تتمثل جاذبية بريكس بقيادتها لبلدان الجنوب، ومن ثم يُنظر لها باعتبارها وسيلة رمزية لرفض الزعامة الغربية، وهذه الرمزية، وليست أي مكاسب اقتصادية متوقعة، هي الدافع وراء رغبة أولئك الذين يودون الانضمام للتكتل".

اقرأ أيضاً:


 

تصنيفات