العراق يُغلق مخيمات كانت الملاذ الأخير لنازحين

طفل ينظر من نافذة حافلة تقل نازحين من مخيم الحبانية غرب العراق - AFP
طفل ينظر من نافذة حافلة تقل نازحين من مخيم الحبانية غرب العراق - AFP
دبي-أ ف ب

تناثرت قطع القماش المقطّع على بقايا أطر حديدية، وهي ما تبقى من خيم كانت في مخيم المدينة السياحية في الحبانية، الذي شكّل لخمس سنوات، مسكناً لنازحين عراقيين، قبل إفراغه وإغلاقه في 48 ساعة.

وأغلق المخيم الواقع في منطقة صحراوية في غربي العراق هذا الأسبوع، في إطار خطة حكومية عاجلة تشمل إغلاق عشرات المخيمات المماثلة قبل نهاية السنة.

جانب من مخيم الحبانية للنازحين غرب الأنبار - AFP
جانب من مخيم المدينة السياحية في الحبانية غربي العراق - AFP

وفي حين تقول السلطات إن حملة الإغلاق هذه تضمن عودة النازحين إلى بيوتهم، تعتبرها منظمات غير حكومية والنازحون، خطوة سابقة لأوانها، وقد تعرض العائلات المعنية للخطر. 

في حافلة تقلّ العشرات من مخيم المدينة السياحية، تقول زينب، وهي إحدى لاجئات المخيم، إنها تترك خلفها مكاناً كان منزلاً لها لخمس سنوات، لتعيش في مخيم آخر. 

وتروي زينب التي تغادر مع أولادها الستة، أن عشيرتها في محافظة الأنبار غربي العراق تتهمها وعائلتها "جزافاً" بالولاء لتنظيم "داعش". 

طفل عراقي يجول بين الخيم الخالية في مخيم الحبانية - AFP
طفل عراقي يجول بين الخيم الخالية في مخيم الحبانية - AFP

وتتابع: "أخاف على أطفالي وزوجي، لذلك لا نستطيع العودة إلى منطقتنا. أخاف أن يعتقلونا ويذبحونا". 

ويقول علي الذي يغادر المخيم أيضاً، إنه سيستأجر شقّة في بلدته القائم، لأن منزله مدمّر. 

من جهته، يؤكد مسؤول وزارة الهجرة في الأنبار مصطفى سرحان، أن النازحين سيعودون إلى بيوتهم، وأن السلطات تنسق مع الجيش والعشائر من أجل ضمان سلامتهم. ويوضح أن "العودة طوعية"، مضيفاً: "كلنا نعلم أن مخيمات الأنبار عمرها خمسة أو ستة أو سبعة أعوام. أين السرعة في الموضوع؟". 

"لا مأوى"

وأُعطي سكان المخيم، إشعاراً لمدة شهر واحد فقط قبل إغلاقه. أما سكان مخيم حمام العليل الواقع في محافظة نينوى الشمالية، فكان أمامهم وقت أقل من ذلك للرحيل.

وتروي سعدى البالغة 36 عاماً، والأم لسبعة أطفال، كانت تقطن في حمام العليل: "تكلمنا مع مدير المخيم، وقال أولاً إن المخيم لن يغلق. ثم قال إنه سيغلق في عام 2021. ثمّ قالوا لنا سيغلق هذا الأسبوع!". 

قوات عراقية تُشرف على عملية نقل النازحين من مخيم الحبانية - AFP
قوات عراقية تُشرف على عملية نقل النازحين من مخيم الحبانية - AFP

ولا تزال قرية سعدى، القاهرة، الواقعة في جبال سنجار، مدمّرة بشكل كبير، وتعاني نقصاً في الخدمات العامة. 

1.3 مليون نازح

وبعد ثلاث سنوات من إعلان العراق هزيمة تنظيم "داعش"، لا يزال هناك 1.3 مليون نازح، مقابل 3.2 مليون في عام 2016. ويقطن خُمس النازحين في مخيمات، فيما تستأجر الأغلبية منازل، رغم قلّة مدخولاتها المالية. 

ومنذ سنوات، يعلن العراق نيته إغلاق المخيمات، لكن السلطات سرّعت العملية بشكل كبير خلال الشهر الماضي، كما يؤكد عاملون في منظمات غير حكومية فضّلوا عدم كشف هويتهم، في وقت قال مسؤول حكومي لوكالة "فرانس برس"، إنه جرى تسريع جهود إعادة النازحين بناء على أمر مباشر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. 

حافلة تنقل النازحين من مخيم الحبانية غرب العرااق - AFP
حافلة تنقل النازحين من مخيم الحبانية غرب العراق - AFP

وبين الـ18 والـ30 من أكتوبر، أغلق العراق ثلاثة مخيمات بمحيط بغداد، ومخيماً في كربلاء إلى جنوب العاصمة، كما أغلق مخيماً في ديالى شرقاً. 

ولم يعد نحو نصف سكان تلك المخيمات إلى المناطق التي يتحدرون منها، وفق منظمة الهجرة الدولية. 

وبين الـ5 والـ11 من نوفمبر، غادر أكثر من سبعة آلاف من سكان مخيم حمام العليل الثمانية آلاف إلى مخيمات أخرى ستغلق أيضاً أو منازل شبه مهدّمة، كما يؤكد مسؤولون رسميون في المخيم، في وقت يجد 100 ألف عراقي أنفسهم في حالة من عدم اليقين بعد عمليات الإغلاق المتسرعة، وفق المجلس النرويجي للاجئين. 

وتأمل السلطات في أن يشجع ذلك المنظمات غير الحكومية والدول المانحة على توجيه تمويلاتها إلى المناطق التي لا تزال تحتاج إلى إعادة إعمار، كما يقول عامل في منظمة إنسانية ومسؤولان حكوميان. 

ضغط وتخويف

ويشير عاملون في المجال الإنساني إلى تجارب سابقة مقلقة. فالعام الماضي، تعرض مئات نقلوا من المخيمات وأغلبيتهم من الذين فروا خلال المعارك ضد تنظيم "داعش"، ويشتبه السكان في قراهم بأنهم تعاملوا مع عناصر التنظيم، إلى تهديدات وحتى هجمات بالقنابل.

وبيّنت دراسة نشرت حديثاً، أن 60% من النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم، يصفون عودتهم بغير الطوعية، و44% منهم نزحوا مرة أخرى. 

وبالنسبة لعامل في منظمة غير حكومية، فقد "وقّع العراق على مبادئ العودة، وهي أن تكون عودة مبلّغاً عنها مسبقاً، وبشكل يحفظ كرامة الأشخاص، ومستدامة، إلا أن ما يجري الآن فيه خرق لكل هذه الشروط". 

طفلة عراقية في حافلة تقل نازحين من مخيم الحبانية - AFP
طفلة عراقية في حافلة تقل نازحين من مخيم الحبانية - AFP

من جهتها، أعربت بلقيس ويلله من منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن تفهمها لرغبة السلطات بإعادة دمج المواطنين النازحين في المجتمع، "لكن ذلك لا يكون عبر إرغام الناس على العودة ضدّ إرادتهم، وإلى أماكن قد يكونون فيها أكثر عرضة للخطر". 

وقالت منظمات غير حكومية في العراق، إنها تخشى من أن يكون انتقادها العلني لعمليات إعادة النازحين سبباً في منع دخولها إلى المخيمات أو في التوقف عن منح تأشيرات دخول للعاملين فيها.

وقال مسؤول في إحداها: "ارتفع مستوى الضغط والترهيب بشكل كبير، وكذلك خطر التعرض لإجراءات عقابية من الحكومة". 

وعند بدء حملة إعادة النازحين، قالت مسؤولة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في العراق إيرينا فوحاكوفا سولورانو في بيان، إن التدابير اتخذت "بشكل مستقل عن الأمم المتحدة". 

وبعد موافقتها على التحدث مع فرانس برس، ألغى مكتبها المقابلة التي كانت مقررة، قائلاً: "ليس للأمم المتحدة أي تعليق إضافي على هذا الموضوع في الوقت الحالي".