يقتات سرب من البط المهاجر في سبخة السيجومي بتونس، بالقرب من نفايات منزلية، ومنفذ لمياه صرف على موقع مصنّف ضمن معاهدة دولية للحماية والاستخدام، في وقت يندّد عدد كبير من محبّي الطبيعة بعدم حمايته من التلوث والعمران المتزايد من حوله.
وتُعتبر سبخة السيجومي (أكبر تجمع للطيور المائية القارة والمهاجرة) إحدى أهم المناطق الرطبة في تونس، ويشكّل التلوث والفيضانات خطراً على الطيور التي تتخذ منها سكناً في فصل الشتاء.
وتمثل البحيرة خزاناً لمياه أمطار الفيضانات الموسمية، وتُصنف ثروة طبيعية هامّة وملاذاً للكثير من أصناف الطيور المهاجرة التي تصل تونس في فصل الشتاء للتعشيش والتكاثر على غرار النحام الوردي والبط وطيور أخرى.
ورغم جمال الموقع، فهو لا يستقطب التونسيين الذين يعتبرونه نقطة سوداء جرّاء التلوث المحيط به، وقد أصبح أشبه بـ"مصب للنفايات".
وتسعى الحكومة إلى القيام ببعض الأعمال في المكان بينها وضع أسمنت في جزء منه، الأمر الذي يُثير قلق جمعية بيئية تخشى عدم مراعاة نظام التأقلم الخاص بأسراب الطيور المهاجرة التي تتخذ من الموقع مكاناً للتكاثر.
وتمتد سبخة السيجومي على 2600 هكتار، وكانت تصل مساحتها إلى 3500 هكتار، لكنها تقلصت بسبب تكديس بقايا عمليات البناء والردم، وبسبب التمدد العمراني وتوسّع الأحياء السكانية المتاخمة.
كثافة سكانية
وتتركز كثافة سكانية عالية حول سواحل البحيرة حيث يقيم حوالى 50% من مجموع سكان العاصمة بمعدل 2800 شخص في الكيلومتر المربع.
وتنقسم البحيرة إلى جزئين، قسمها الشمالي تتكدس فيه أكوام من النفايات الصلبة وأسراب البعوض التي تمنع أياً كان من الوقوف مطوّلاً في المكان.
بينما لا يزال النصف الجنوبي محافظاً على طابعه الطبيعي، حيث يفرد النحام الوردي أجنحته الوردية في مجموعات ويضفي على المكان جمالاً.
ولم تعد البحيرة قادرة على استيعاب كل مياه الأمطار بسبب ارتفاع منسوب الترسبات فضلاً عن مواد صلبة تُلقى عشوائياً فيها منذ 2009، وبلغت 1.8 مليون متر مكعب، حسب الدراسات الحكومية الأوليّة.
ويصب حوالى 223 مجرى مياه غالبيتها منزلية وصناعية غير مراقبة في السبخة إلى جانب ضفافها، وتوجد مجمّعات للخردة تحتوي على ملايين الأطنان من هياكل سيارات وشاحنات وبقايا أجهزة منزلية.
ويقول "حمدي"، وهو صاحب محل تجاري بمنطقة سيدي حسين المجاورة للبحيرة، وحيث الكثافة السكانية عالية: "في الشتاء تُغمر كل هذه الأحياء بمياه الأمطار وتتعطّل الحياة وحتى المدارس تقفل أبوابها"، أما البعوض في فصل الصيف، فـ"حدّث ولا حرج".
دراسة للبحيرة
وتؤكد الخبيرة في مكتب شمال إفريقيا بمنظمة "الصندوق العالمي للطبيعة" إيمان الرايس، أن السبخة "تحمي السكان من الفيضانات، ولكن عندما نقوم ببناءات عشوائية من حولها، فهذا يتحوّل إلى تهديد للسكان، إذ أن مياه الفيضانات لن تجد مسالك للوصول للسبخة".
وإزاء تدهور الوضع البيئي للموقع، بدأت الحكومة التونسية في 2015 إعداد دراسة للبحيرة لحمايتها من التلوث، وإعادة هيكلة قنوات تجميع مياه الأمطار وتطهيرها، والاستفادة اقتصادياً من الموقع عبر تجهيز مساحات للبناء.
كما أن المشروع الذي تبحث الدولة عن تمويله يتجاوز الـ150 مليون دولار لإنجازه، وسينقذ رئة العاصمة ويحافظ عليها بشكل مُستدام، وفقاً لنادية قويدر، المسؤولة عن مشروع التهيئة في وزارة التجهيز، لكن أعضاء في منظمة "أحباء الطيور" يعترضون.
وكان 3 من أحباء الطيور يتفقدون السبخة، وحملوا مناظرهم على أكتافهم ونزلوا منحدراً بالقرب من مرصد من خشب شيّدوه على ضفاف البحيرة لمراقبة أعداد النحام الوردي ومختلف الطيور التي تأتي من شمال البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن الغذاء والأمان.
ويشيرون إلى أن الموقع حاصل على تصنيف "رامسار" في عام 2007، وهي معاهدة دولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة.
أهم منطقة رطبة
وأكد المنسق العلمي لجمعية "أحباء الطيور"، هشام أزفزف لوكالة "فرانس برس"، أن سبخة السيجومي هي رابع أهم منطقة رطبة في شمال إفريقيا، نظراً للتنوع الحيوي الفريد الذي تحويه، إذ وصل إليها أكثر من 126 ألف طائر مائي هذا الشتاء.
ولفت "أزفزف" إلى أن المنظمة ليست ضد المشروع الحكومي برمته، ولكن من بين النقاط السلبية التي يتضمنها حفر السبخة وتعميقها، وهذا "سيحرم العديد من الطيور مثل أنواع من البط والنحام الوردي من الغذاء لأنهم لا يستطيعون الغوص عميقاً وسيهجرون المنطقة".
وأضاف: "هذا المشروع إن لم يأخذ بالاعتبار خصوصية المنطقة البيئية، سيقلب النظام البيئي فيها".
من جانبها، شددت المسؤولة عن مشروع التهيئة في وزارة التجهيز على أن "حوالى ثلث مساحة البحيرة فقط سيتم تعميقها بحوالى متر إضافي، وستترك مساحات للطيور"، وتابعت: "في حال لن نتدخل، سنخسر أكثر من مساحتها بسبب الردم".
ولفتت الرايس إلى أن تونس من بين دول البحر الأبيض المتوسط التي تهددها التغيرات المناخية مع تسارع ظاهرة التغييرات المناخية مثل" الفيضانات والتصحّر".
وتعتبر المنظمات أن "الصراع صعب" من أجل حماية الطبيعة، وجعل المجتمع يكون أقرب لها، لكن حمدي لا يعلق آمالا كبيرة على المشروع في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد، ويقول: "من الصعب أن تنجز هكذا مشاريع وحال البلاد الاقتصادي معطلّ".