تحذيرات من تهجير 1.2 مليار في 2050 بسبب الكوارث الطبيعية

عددهم 376 مليون إنسان.. من هم لاجئو المناخ؟

امرأة تمشي في الوحل وسط الدمار الذي سببته الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة في هونوريو بيكالو بالبرازيل. 12 يناير 2022 - AFP
امرأة تمشي في الوحل وسط الدمار الذي سببته الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة في هونوريو بيكالو بالبرازيل. 12 يناير 2022 - AFP
دبي-محمد منصور

تسبب التأثير المتصاعد للكوارث الطبيعية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ في زيادة عمليات النزوح الداخلي لتشمل 376 مليون إنسان حول العالم؛ بسبب الفيضانات والعواصف والزلازل والجفاف منذ عام 2008، بينهم 32.6 مليون في عام 2022 وحده، بحسب إحصائيات حديثة نشرها مركز رصد النزوح الداخلي.

منذ عام 2020، شهد العدد الإجمالي للنازحين زيادة سنوية بنسبة 41% في المتوسط مقارنة بالعقد السابق، فالحوادث المأساوية، مثل الفيضانات المدمرة في ليبيا وباكستان، والدمار الشديد الذي خلفه إعصار نورو في الفلبين، تجسد الخسائر البشرية الفادحة الناجمة عن هذه الكوارث، ومع اشتداد تغير المناخ، تتفاقم هذه المخاطر الطبيعية ومدتها وشدتها، ما يؤدي إلى تفاقم محنة الملايين.

وحذر البنك الدولي من أنه دون اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة بشأن المناخ، يمكن أن يرتفع عدد المهاجرين الداخليين بسبب المناخ -المعروفين باسم لاجئي المناخ- إلى رقم مذهل يبلغ 216 مليون بحلول عام 2050 فيما يشير موقع الاقتصاد والسلام إلى أنه في أسوأ السيناريوهات، ربما يتم تهجير 1.2 مليار شخص بحلول العام نفسه.

من هو لاجئ المناخ؟

لاجئ المناخ هو الشخص الذي يضطر إلى مغادرة منزله أو منطقته بسبب آثار تغير المناخ، مثل ارتفاع منسوب سطح البحر، أو الأحداث الجوية القاسية، أو الجفاف، أو غيرها من الكوارث البيئية. 

ولا تشمل اتفاقية اللاجئين الموقعة عام 1951 لاجئي المناخ، وتغطي فقط من يتعرضون للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو السياسة، وهذا يعني حالياً أنه لا يُمكن ذكر المناخ كسبب لطلب اللجوء، على الرغم من أن الاتفاق العالمي للهجرة لعام 2018 يشير إلى المناخ كسبب محتمل للهجرة.

وعلى عكس اللاجئين التقليديين الذين يفرون بسبب الاضطهاد أو الصراع، يضطر لاجئو المناخ إلى الهجرة؛ لأن منازلهم أو أماكن عيشهم لم تعد صالحة للسكن أو مستدامة بسبب التغيرات المرتبطة بالمناخ.

وغالباً ما يتم تهجير هؤلاء الأفراد داخلياً داخل بلدانهم، أو يصبحون مهاجرين عبر الحدود باحثين عن ملجأ في دول أخرى، ومع ذلك، فإن التمييز بين "لاجئي المناخ" يفتقر إلى الاعتراف الدولي الرسمي بموجب القوانين الحالية التي تؤطر عملية اللجوء، ما يشكل تحديات لهؤلاء الأفراد من حيث الاعتراف القانوني والحماية والحصول على المساعدة.

تاريخ المناقشات

بدأت أولى المناقشات الجدية لوضع لاجئي المناخ في سبتمبر 2016، حين اعتمدت الجمعية العامة للأم المتحدة إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين، والذي ناقش وضع "المهاجرين الآخرين" في إشارة إلى الذين يضطرون للنزوح جراء الكوارث البيئية.

وفي العام نفسه؛ وخلال مؤتمر الأطراف "كوب 24" بدأ المجتمع الدولي وضع الهجرة جراء المناخ على أجندته الدولية. وفي النسخة التالية من المؤتمر نفسه دعت العديد من الدول إلى حماية النازحين جراء الأحداث المناخية المتطرفة دولياً.

ومع تصاعد المناقشات؛ تناول التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ مشكلات التصحر وندرة الغذاء كناتج من نواتج تغير المناخ.

وخلال مؤتمر الأطراف "كوب 26" فشل العالم في وضع أهداف ملزمة قانوناً لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة لمستوى أقل من 1.5 درجة مئوية؛ كما فشل أيضاً في توفير الحماية للضعفاء.

وفي مؤتمر "كوب 27" الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، تم إحراز بعض التقدم ومناقشة مسألة تعويضات الخسائر والأضرار، والتي قد تصب في مصلحة لاجئي المناخ.

وانتهى الأمر في "كوب 28" بإقرار ترتيبات تشغيل الصندوق، ونال بعض المساهمات الدولية التي لم تحظ بقبول المجتمع الدولي نظراً لتواضعها، مقارنة بما هو مطلوب.

لكن حتى الآن، لم يكتسب لاجئ المناخ وضعاً قانونياً يُمكنه من طلب اللجوء إلى الدول المتقدمة الآمنة نسبياً من تأثيرات تغير المناخ.

نزوح كارثي

خلال العام الجاري وحده، تأثر مئات الآلاف من الأشخاص بمجموعة ضخمة من الكوارث ذات العلاقة بالتغير المناخي، ففي سبتمبر، أودت العاصفة "دانيال" بحياة أكثر من 12 ألف شخص في ليبيا؛ وأجبرت حوالي 40 ألف شخص على مغادرة منازلهم.

وفي الصيف الماضي، ارتفعت درجات الحرارة في منطقة البحر المتوسط والولايات المتحدة الأميركية إلى مستويات قياسية، وتسببت الفيضانات في منطقة "أميليا رومانيا" الإيطالية في وفاة 14 وتشريد 50 ألف شخص.

وفي عام 2022، تسببت الفيضانات في باكستان في نزوح أكثر من 10 ملايين شخص، كما شهد القرن الإفريقي أسوأ موجة جفاف على الإطلاق؛ ما أدى إلى انتشار المجاعات ووفاة الآلاف.

وكبدت الكوارث ذات العلاقة بالمناخ في عام 2022، الولايات المتحدة الأميركية أضراراً بلغت قيمتها 165 مليار دولار، كما توفي العشرات في الفيضانات التي ضربت أجزاء من غرب ألمانيا وفرنسا وشرق بلجيكا وشرق هولندا.

كيف يُمكن حل أزمة اللاجئين؟

وفقاً لمركز رصد النزوح الداخلي، هناك العديد من الخطوات التي يُمكن أن تساهم في حل أزمة لاجئي المناخ أو التخفيف عنهم.

أحد تلك الوسائل هي البيانات، والتي تُعد حاسمة في فهم النزوح، إذ تسلط الضوء على من، وأين، وإلى متى، والمحفزات، لكن يظل الحصول على بيانات شاملة تحدياً في بعض السياقات، وغالباً ما يفتقر إلى تفاصيل محددة مثل العمر أو الجنس أو الاتجاهات طويلة المدى.

ويقول مركز رصد النزوح الداخلي إن مراقبة البيانات المبتكرة، واستخدام الأقمار الصناعية وأدوات رسم الخرائط الرقمية يُمكن أن تساهم في فهم أفضل لعملية النزوح.

وتشكل الأحداث بطيئة الحدوث، مثل الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر، المرتبطة بشكل متزايد بتغير المناخ، تهديداً متزايداً للسكان. وتظهر تجربة الصومال عام 2018، حين ارتبطت 249 ألف حالة نزوح بالجفاف من بين عوامل أخرى مختلفة، مدى التعقيد. وبالتالي فإن فهم الأسباب المترابطة أمر بالغ الأهمية لجهود الوقاية والتخفيف الفعالة قبل الوصول إلى مراحل لا رجعة فيها.

في حين أن الكوارث الكبرى تلفت الانتباه، فإن الأحداث المحلية الأصغر غالباً ما تمر دون أن يلاحظها أحد على الرغم من تسببها في نزوح أعداد كبيرة. 

ويظهر تحليل مركز رصد النزوح الداخلي أن 54% من أحداث عام 2019 أدت إلى نزوح أقل من 100 شخص، وعادة ما تكون غائبة عن قواعد البيانات المستخدمة على نطاق واسع.

ويعتبر المركز أن استخدام النماذج التنبؤية أمر ذو فعالية كبيرة للغاية في حل أزمة اللاجئين، لأن توقع الكوارث ومنعها قبل وقوعها أمر بالغ الأهمية.

وتُظهر نماذج تقييم المخاطر والتنبؤ، احتمال تضاعف النزوح المستقبلي المرتبط بالفيضانات بحلول عام 2090، ما يؤثر بشكل خاص على البلدان منخفضة الدخل في مناطق محددة. 

وهذا النوع من النماذج يمكن أن يوجه الحكومات في عملية تعزيز البنية التحتية، وتحديد مناطق الاستيطان المناسبة، وتخطيط قدرات الإخلاء، وتوفير الدعم اللازم للسكان النازحين، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تتصدى للادعاءات المبالغ فيها بشأن الهجرة الجماعية عبر الحدود بسبب تغير المناخ، وتؤكد انتشار النزوح الداخلي.

وعلى الرغم من أن الكوارث الطبيعية تبدو حتمية، إلا أنه من الممكن تقليل آثارها، وتوفر القواعد التنظيمية المتعلقة باستخدام الأراضي، والحفاظ على الموارد البيئية، والحماية الاجتماعية، سبلاً للحد من تعرض الناس للخطر وضعفهم، لذا يجب إعطاء الأولوية لاستراتيجيات تخفيف المخاطر. 

ويمكن لندرة الموارد الناجمة عن الأحداث بطيئة الظهور مثل الجفاف، أن تؤدي إلى تفاقم التوتر، ما يؤدي إلى الصراع. وفي الوقت نفسه، يمكن للعنف أن يؤدي إلى تضخيم الضعف من خلال الإضرار بالبنية التحتية وإبعاد السكان الضروريين للزراعة.

ويعد فهم هذه الروابط ومعالجتها أمراً محورياً في التخفيف من حدة النزوح، كما حدث في اليمن عام 2020، حين أدت الفيضانات إلى نزوح الآلاف المتضررين بالفعل من النزاع، لذا يقول المركز إن هناك ضرورة للاعتراف بتقاطع المناخ مع الصراعات.

تصنيفات

قصص قد تهمك