مخزونات السدود تنخفض إلى 24% فقط من سعتها

وسط نقص الأمطار وارتفاع الحرارة.. المغرب ينتظر موسماً جديداً من الجفاف

جفاف أحد الحقول بالقرب من مدينة مراكش المغربية. 2 فبراير 2022 - REUTERS
جفاف أحد الحقول بالقرب من مدينة مراكش المغربية. 2 فبراير 2022 - REUTERS
الرباط -AWP

يتجه المغرب نحو موسم جفاف جديد، للعام السادس على التوالي، ما يثير قلقاً بسبب الآثار السلبية المتوقعة على الزراعة، والأمن الغذائي، والاقتصاد عموماً، وسط انتقادات لاتباع سياسة "الحلول الآنية" في التعامل مع المشكلة، واستنزاف مخزون المياه الجوفية.

وزير التجهيز والماء المغربي، نزار بركة، كان من الأصوات التي حذَّرت من الوضع الحالي لمخزون المياه، وقال، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للحكومة، الخميس الماضي، إن حجم الأمطار لم يتجاوز 21 ملليمتراً في المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الموسم الزراعي، وهو ما يشكل انخفاضاً بنسبة 67% مقارنة بالفترة نفسها خلال سنة عادية.

وأضاف: "دخلنا مرحلة دقيقة، بعد فترة استمرت 5 سنوات من الجفاف المتواصل، وهذه تجربة لم نشهدها من قبل، إذ أظهرت الأشهر الثلاثة الأولى الماضية، أننا نتجه نحو موسم جفاف جديد، ووصلنا إلى وضعية خطيرة للغاية في ما يتعلق بمخزون السدود من الماء".

وأوضح بركة أن نسبة ملء السدود حالياً لا تتجاوز 24% مقابل 31% في نفس الفترة من العام الماضي، لافتاً إلى أنه لم يصل إلى السدود في الشهور الثلاثة الماضية، سوى 519 مليون متر مكعب من المياه، بانخفاض بواقع الثلثين تقريباً مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق حينما بلغت واردات السدود حوالي 1.5 مليار متر مكعب.

وأشار إلى ارتفاع درجات الحرارة في البلاد عن المستوى المعتاد، ما ساهم في عملية التبخر، وأثَّر في مستوى المياه في السدود. 

مشكلة هيكلية وحلول مؤقتة

وأمام هذا التحدي المتزايد، يعمل المغرب على تطوير استراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد المائية، وتحسين فعالية الري، والاستثمار في تقنيات توفير المياه.

وقال خبير الموارد المائية، محمد بازة، إن تصريحات الوزير جادة "إذا تم أخذ ما قاله على أنه يهدف إلى تحذير المواطنين من خطر أزمة مائية حادة تهدد الوطن"، لكن كلامه عن توقع الجفاف "يبقى مجرد تخمين"، مشيراً إلى أن هطول الأمطار خلال الفترة المقبلة، يظل احتمالاً قائماً حتى وإن كانت التوقعات ترجح الجفاف، معتبراً أن حصر المشكلة في جفاف موسم واحد "تقصيراً كبيراً في تدبير الموارد المائية؛ لأن ندرة المياه أصبحت هيكلية، حتى وإن كانت بعض المواسم ممطرة". 

وأضاف، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي AWP: "لسوء الحظ، النهج المتبع من قبل الحكومة ينحصر في الحلول الآنية بعد وقوع الأزمة، وهذا النهج لا يسمح بتكوين القدرة اللازمة من أجل مواجهة ندرة المياه، حتى وإٕن توفرت القدرة على مواجهة جفاف السنة الجديدة".

وعن الحلول التي يقترحها، شدد على ضرورة تنفيذ التوجيهات الملكية التي وردت في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي، في أكتوبر 2022، حين تطرق الملك محمد السادس إلى مسألة الجفاف والموارد المائية قائلاً: "إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة منذ أكثر من 3 عقود".

ونوّه الملك إلى خطوات اتخذتها الدولة لمواجهة الأمر قائلاً: "بادرنا، منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للمزارعين، والحفاظ على الماشية... كما حرصنا على مواصلة بناء السدود، حيث أنجزنا أكثر من 50 سدَّاً كبرى ومتوسطة، إضافة إلى 20 سدَّاً في طور الإنجاز".

ودعا الملك إلى الحفاظ على الموارد المائية و"القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، ومضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء".

استغلال عشوائي للمياه

وقال بازة إن كل الحلول المقترحة يجب أن ترتكز على اعتبار ندرة المياه "هيكلية"، وينبغي أن تهدف إلى استدامة الموارد المائية على المدى المتوسط، والطويل، لضمان الأمن المائي للمملكة، وتفادي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه. وضرورة "تعظيم الموارد المتاحة، والحفاظ على البيئة، خاصة النظم البيئية المائية".

ويرى بازة أن "الإخفاق الكبير في مواجهة المشكلة" يكمن في عدم التحكم في المياه الجوفية، وضعف القدرة على ضبط استغلالها"، مشدداً على أهميتها القصوى في الأمن المائي والغذائي.

وتابع: "أكبر أزمة مائية في البلد ستقع عندما تنفد تلك المياه، وهو الشيء الذي قد يقع في السنوات العشر المقبلة على الأكثر".

وعن الأسباب الجذرية لمشكلة المياه، أشار إلى ارتفاع درجات الحرارة، وتقلبات الطقس، وموجات الجفاف المتكررة التي تقلل من تدفق الأنهار، وتزيد الطلب على المياه، فضلاً عن النمو السكاني، وتوسع القطاعات الاقتصادية، ونقص التخطيط، والإدارة الفعالة للموارد المائية.

"تجاوزات وتبذير"

وقال المهندس الزراعي، محمد بنعطا، إن الخبراء طالما تحدثوا عن مشكلة نقص المياه، "قلنا إن المغرب في حالة خطيرة من ناحية الماء؛ لأن السدود فارغة، والمياه الجوفية استُنزفت لدرجة أن المخزون الاستراتيجي للبلاد استُهلك؛ لكن مع الأسف لم ينتبه أحد لتوضيحاتنا، ومع سقوط بعض الأمطار اطمأن المغاربة".

وأضاف: "السدود فارغة منذ مدة، ولم تصل حتى إلى 25% من الطاقة الاستيعابية، والخطير أكثر هو استنزاف المياه الجوفية للفرشة المائية... حتى وإن تساقطت بعض الأمطار، فلا يمكنها استرجاع المخزون الاستراتيجي الكافي للمغرب".

وحذَّر، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي، من أن الزراعة، والصناعة، والعديد من القطاعات ستتأثر بنقص الماء، مشيراً إلى قلة حملات التوعية في وسائل الإعلام بضرورة الحفاظ على الماء، وخطورة الوضع الذي وصلت إليه البلاد.

وتابع بنعطا: "المغرب لا يزال في هذه الظروف يسجل أرقاماً قياسية في تصدير بعض الخضر، خاصة الطماطم وبعض الحمضيات والأفوكادو، في حين أنه ليس قادراً حتى على توفير استهلاكه الذاتي. وبالتالي، فوتيرة الجفاف سترتفع لأكثر من 5 سنوات، وقد تصل إلى ما بين 7 و 11 سنة من الجفاف".

واعتبر أن هناك "تجاوزات في السياسة الزراعية، منها تزايد الأراضي المسقية، ومسابح الفنادق الكبرى، ما يشير إلى تبذير في الماء في وقت يعرف فيه المغرب أزمة جفاف".

وشهد المغرب، في الآونة الأخيرة، ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الخضر الأساسية في أسواق البيع بالتجزئة، وكذلك في أسواق الجملة، الأمر الذي عزاه البعض إلى سنوات الجفاف المتتالية.

ونسب موقع "هسبريس" الإخباري المغربي إلى محمد الزمراني، رئيس الجمعية المغربية لمنتجي ومصدري مختلف المنتجات إلى إفريقيا والخارج، قوله إن سعر صندوق الطماطم في سوق الجملة وصل إلى 330 درهماً (نحو 33 دولاراً)، أي أكثر من 10 دراهم للكيلو، في حين بلغ سعر صندوق البطاطس 150 درهماً، أي ما بين 4 و 5 دراهم للكيلوجرام.

وعزا الغلاء إلى سنوات الجفاف المتتالية التي تسبب فيها التلوث البيئي، والتغير المناخي، ونقص الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الفلاحة بصورة عامة".

تصنيفات

قصص قد تهمك