"الهيدروجين الأخضر".. هل يقود العالم نحو مستقبل بلا كربون؟

الهيدروجين قد يصبح وقود المستقبل - بلومبرغ
الهيدروجين قد يصبح وقود المستقبل - بلومبرغ
دبي- الشرق

برز "الهيدروجين الأخضر" خلال الأسابيع الأخيرة بوصفه مستقبل الطاقة النظيفة، بالتزامن مع "قمة يوم الأرض" المناخية التي استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أيام، بطرح أفكار جديدة للمساهمة في تعزيز تخفيض الانبعاثات الكربونية.

ويسعى المزيد من دول العالم إلى الاعتماد بشكل أساسي على "الهيدروجين الأخضر"، في العقود الثلاثة المقبلة، كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة، بغرض تحييد أثر الكربون وتقليص الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050.

وخلافاً للغاز الطبيعي، يمكن حرق الهيدروجين من دون ضخ انبعاثات كربونية في الهواء، كما يمكن إدارته من خلال خلايا الوقود اللازمة لتوليد الكهرباء، ولن يتسبب في إهدار شيء سوى الماء.

ويُنتَج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام محطات الطاقة الشمسية أو مزارع الرياح، ومن ثم يصبح وسيلة لتخزين كميات هائلة من الطاقة المتجددة بشكل أكثر مما تستطيع البطاريات الاحتفاظ به.

كما أن نقل الهيدروجين من مكان إلى آخر بكميات كبيرة قد يتطلب البنية التحتية الأساسية نفسها التي تحمل الغاز الطبيعي في الوقت الراهن.

اتجاه عالمي

خلال قمة المناخ الأخيرة، أثارت تصريحات رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، الجدل بشأن الهيدروجين الأخضر اهتماماً واسعاً، إذ اعتبر موريسون في كلمته أن الهيدروجين الأخضر يمثل مستقبل أستراليا.

وكما تمتلك الولايات المتحدة وادي السيليكون، تعمل أستراليا على تصنيع وديان من الهيدروجين، على حد تعبيره.

في المقابل، قالت جينيفر غرانهولم، وزيرة الطاقة الأميركية، في القمة ذاتها إن بلادها تعتزم تقليل كلفة 4 تقنيات خضراء، في مقدمتها الهيدروجين الأخضر، وتقنية حجز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.

وتعهدت الوزيرة بأن تعمل الولايات المتحدة على تقليل كلفة استخدام الهيدروجين كوقود بنحو 80% بحلول عام 2030.

وفي يوليو الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق "استراتيجية الهيدروجين من أجل أوروبا محايدة مناخياً"، كإحدى الخطوات العملية لتأسيس سوق الهيدروجين النظيف في أوروبا، وإنجاز "الصفقة الأوروبية الخضراء".

وفي العالم العربي، تعتبر المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي بدأت التخطيط لإنتاج الهيدروجين وتوظيفه، وذلك في مدينة "نيوم"، كما انضمت مصر مؤخراً إلى مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين. 

رمادي أم أخضر؟

ويعد الهيدروجين أحد أكثر العناصر الكيميائية وفرة في الطبيعة، لكن لا يعثر عليه منفرداً. وفقاً للموقع الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي، تعود محاولات تخليقه بشكل صناعي إلى القرن السادس عشر، وذلك قبل أن يتوصل العالم إلى تقنية التحليل الكهربائي في القرن التاسع عشر، التي بوسعها تيسير إنتاج الهيدروجين.

وتعتبر عملية "إصلاح البخار" الكيميائية العملية الأكثر شيوعاً لإنتاج الهيدروجين حالياً، ولكنها ليست صديقة للبيئة لأنها تنتج الكربون.

"الهيدروجين الأزرق" و"الهيدروجين الرمادي" مصطلحان يُستخدمان لوصف الهيدروجين المستخرج بتعريض أشكال من الوقود الأحفوري للبخار، مع نواتج ثانوية كربونية. 

أما الهيدروجين الأخضر فهو شكل آخر من أشكال الوقود الهيدروجيني، يُنتج من الماء عبر فصل جزيئات الهيدروجين فيه عن جزئيات الأكسجين، من خلال استخدام كهرباء مولّدة من مصادر طاقة متجددة بدلاً من الوقود الأحفوري.

صعوبات لوجيستية

وعلى الرغم من توفر الإطار النظري لتقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر منذ سبعينات القرن الماضي، وفقاً لمدونة "سيمنز"، تأخر التوجه العالمي لتوظيفه والاستفادة منه كمصدر للطاقة النظيفة نظراً لعدة صعوبات.

والصعوبة الأبرز في رحلة إنتاج الهيدروجين الأخضر تتمثل في تطلّب عملية "التحليل الكهربائي" قدراً عملاقاً من الطاقة الكهربائية، وهو ما جعل من الصعب إنتاجه في الماضي؛ غير أن الأمر أصبح ممكناً مؤخراً بتوفر كميات فائضة من الكهرباء في شبكات التوزيع، بحسب تقرير لمجلة "ساينتفيك أمريكان".

محطة الهيدروجين في مرفأ مدينة كوبي اليابانية - 26 أكتوبر 2020  - Bloomberg
محطة لإنتاج الهيدروجين في مرفأ مدينة كوبي اليابانية - 26 أكتوبر 2020 - Bloomberg

ومن ناحية أخرى، يستلزم الاتجاه للهيدروجين الأخضر تأسيس بنية تحتية داعمة له، بدءاً من تطوير آلات للتحليل الكهربائي بتكلفة تضاهي تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي والأزرق، وصولاً إلى تخزينه ونقله. 

مبادرة الصنّاع

وأصبح المستقبل واعداً للهيدروجين الأخضر، بالتزامن مع تسارع الخطى العالمية نحو الاقتصاد الأخضر، إذ شهدت الأشهر الأخيرة مبادرة سبعةٍ من كبار مطوري الهيدروجين الأخضر حول العالم لتدشين تحالف تقني واقتصادي، في ديسمبر الماضي.

وبحسب الموقع الرسمي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي، فإن المبادرة تستهدف تقليل كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى دولارين فقط للكيلوغرام، وزيادة الإنتاج بنحو 50 ضعفاً خلال الأعوام الستة المقبلة.

وتتنوع جنسيات الشركاء المؤسسين لهذه المبادرة، لتضم صنّاعاً من جنسيات سعودية وأسترالية وغيرها، يسعون جميعاً للتوسع في المناطق التي تشهد اتجاهاً وطنياً قوياً للهيدروجين الأخضر، مثل تشيلي وألمانيا والاتحاد الأوروبي واليابان ونيوزيلندا والبرتغال وإسبانيا وكوريا الجنوبية.