إسرائيل قتلت 141 صحافياً ومنعت دخول المراسلين الأجانب إلى القطاع

عيون وآذان العالم في غزة.. حرب إسرائيل الأكثر فتكاً بالصحافيين

فلسطينيون يشيعون جثمان صحافي قتلته غارة إسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة. 3 نوفمبر 2023 - Reuters
فلسطينيون يشيعون جثمان صحافي قتلته غارة إسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة. 3 نوفمبر 2023 - Reuters
دبي-رامي زين الدين

"الصراع في غزة هو الأكثر فتكاً وخطورة للصحافيين.. السترات المطبوع عليها كلمة صحافة، تشعر الصحافيين بالخطر وبأنهم عرضة للاستهداف".. بهذه العبارة وصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحرية الرأي والتعبير تداعيات الحرب في القطاع، إذ قتلت الهجمات الإسرائيلية أكثر من 141 صحافياً، وأصابت عشرات آخرين، بين آلاف الضحايا والجرحى المدنيين، في وقت تزداد القيود الإسرائيلية على دخول المراسلين الأجانب لتغطية مجريات النزاع المتواصل للشهر السابع على التوالي.

منذ أن صبّت إسرائيل نيران أسلحتها الفتاكة على غزة، رداً على هجوم حركة "حماس" يوم 7 أكتوبر الماضي، يواجه الصحافيون والمراسلون تحديات كبيرة خلال أداء مهامهم على الأرض، فمنهم من فقد حياته ثمناً لنقل الحقيقة، وآخرون تعرضوا لإصابات خطيرة، والبعض تعرّض للاعتقال.

وأصبح الصحافيون المحليون عيون وآذان العالم في غزة، إذ وفروا صوراً ومقاطع فيديو وتقارير نقلت للعالم وقائع ما يحدث على الأرض، وأبقوا القصة حية في دورات الأخبار.

ورفضت المحكمة الإسرائيلية العليا في يناير الماضي، السماح لصحافيين أجانب بدخول غزة متذرعة بالأوضاع الأمنية في القطاع، واعتبرت أن دخول الصحافيين بشكل مستقل يُمكن أن "يُعرض الجنود الإسرائيليين للخطر". وأعربت رابطة الصحافة الأجنبية في القدس، والتي تُمثل عشرات المنظمات الإعلامية العالمية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عن "خيبة أملها" إزاء الحكم.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش "إن منع الصحافيين الدوليين من دخول غزة يسمح بازدهار المعلومات المضللة والروايات الكاذبة".

صحافيون يخاطرون بحياتهم

وعلى غرار أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع، يعاني العاملون في الحقل الصحافي من صعوبات تتعلق بالسلامة الشخصية والظروف الإنسانية والاقتصادية، واضطر الكثيرون إلى النزوح لمناطق أقل عنفاً داخل غزة، بينما أودت آلة الحرب الإسرائيلية بحياة صحافيين أو أفراد من عائلاتهم. 

وتُحمّل السلطات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والعديد من المنظمات الدولية إسرائيل المسؤولية عن حياة الصحافيين، وأظهرت تحقيقات سابقة أن عمليات الاستهداف متعمدة. وقبل عامين قدّم الاتحاد الدولي للصحافيين شكوى ضد إسرائيل بالشراكة مع نقابة الصحافيين الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية، تم تعزيزها بعد جريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، إلا أن هذه الخطوة، كغيرها، لم تُفضِ إلى محاسبة الجناة.

وفي بيان عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق 3 مايو من كل عام، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة سقوط 141 صحافياً وإعلامياً، وإصابة أكثر من 70 آخرين جراء القصف الإسرائيلي.

وأعرب المكتب عن إدانته لـ"الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق الصحافيين في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة"، محملاً إسرائيل والولايات المتحدة "كامل المسؤولية عن جرائمها ضد الصحافيين والإعلاميين وقتلهم وإبادتهم".

وبحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة عام 2023، الذي أجرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، جاءت فلسطين في المرتبة 156 من أصل 180، وذكرت المنظمة أن الصحافة في قطاع غزة مُهددة بفعل الهجمات العسكرية الإسرائيلية وسياسات حركة "حماس" قبل الحرب، وكذلك في الضفة الغربية، يشكو الصحافيون من انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى جانب مضايقات من السلطة.

والخميس، نظّمت نقابة الصحافيين الفلسطينيين وقفتين متزامنتين أمام مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، وأمام مقر النقابة بمدينة البيرة بالضفة الغربية، وسبق الوقفتين مؤتمر صحافي في النقابة للحديث عن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الصحافيين في غزة والضفة الغربية المحتلة.

وقفة نظمتها نقابة الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة- 2 مايو 2024
وقفة نظمتها نقابة الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة- 2 مايو 2024 -

وقائع استهداف 

وقتلت القوات الإسرائيلية 141 صحافياً وإعلامياً على مدار 209 أيام، وجرحت أكثر من 70، كما اعتقلت العشرات، وسقط هؤلاء الصحافيون، في مناطق متفرقة في غزة حسب ما أفادت منظمة مراسلون بلا حدود، سواءً شمال القطاع أو جنوبه، بما في ذلك خان يونس، وهو ما يوضح أنه لا يوجد أي مكان آمن للصحفيين في غزة ككل.

ولقي 22 صحافياً على الأقل من مجموع الصحافيين الذين لقوا حتفهم في غزة، أثناء قيامهم بمهامهم أو بسببها، وفقاً للمعلومات التي وفرتها "مراسلون بلا حدود"، وكان العديد منهم يقومون بتغطية الأحداث بشكل مباشر في الميدان، وكان من الواضح أنهم صحافيون. فيما سقط آخرون في غارات استهدفت منازلهم على وجه التحديد. وقد أحالت مراسلون بلا حدود مرتين الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الصحافيين إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وأصابت الضربات الإسرائيلية وائل الدحدوح مراسل قناة "الجزيرة" في قطاع غزة في ديسمبر، جراء صاروخ أطلق من طائرة مسيرة إسرائيلية على مدرسة في خان يونس.

وفقد الدحدودح زوجته واثنين من أبنائه، وعدد آخر من أفراد عائلته، جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات، في أكتوبر الماضي، استهدف منزلاً نزح إليه عدد كبير من عائلة الدحدوح.

ومع مطلع العام، قتل الجيش الإسرائيلي، في 7 يناير، صحافيَين فلسطينيَين، أحدهما نجل وائل الدحدوح، وأصاب ثالث، بعد استهداف سيارة كانوا يستقلونها في خان يونس بجنوب غزة.

وأفادت مصادر محلية، بأن طائرة مسيَّرة إسرائيلية أطلقت صاروخاً صوب سيارة، كان يستقلها صحافيون في منطقة المواصي غرب خان يونس، وأودى القصف بحياة الصحافي حمزة الدحدوح (29 عاماً)، إضافة إلى الصحافي مصطفى ثريا، فيما أُصيب زميل لهما كان برفقتهما.

واستهدفت القوات الإسرائيلية في أبريل الماضي، منزل مراسل "الشرق" عادل الزعنون في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، وذلك بعد أيام من مغادرته القطاع.

واستهدفت طائرات إسرائيلية المنزل المكون من 4 طوابق بصاروخين، حولا المنزل إلى ركام، كما ألحق القصف دماراً هائلاً في عدد من المنازل المجاورة.

ولم يُصب أحد بأذى من عائلة الزعنون أو الجيران، إذ كانت المنازل خالية من السكان بعد نزوحهم إلى جنوب القطاع.

قيود إسرائيلية

وفي تقرير يُسّلط الضوء على الوضع في غزة، أدان الاتحاد الدولي للصحافيين سقوط أكثر من 100 صحافي وناشط في المجال الإعلامي منذ بدء الحرب، واصفاً ما يجري بأنه يمثّل "هجوماً طويل الأمد على حرية الصحافة وحق العالم في المعرفة"، إلى جانب الاعتقالات التعسفية والترهيب، ودعا الاتحاد الحكومات في جميع أنحاء العالم، وخاصة الحكومة الإسرائيلية، إلى حماية حياة الصحافيين وحرية الصحافة، وفقاً للالتزامات الدولية.

وأشار التقرير إلى أن حصيلة الضحايا من الصحافيين في غزة لم يسبق لها مثيل، معتبراً أن ما يجري "أحد أكثر الصراعات دموية على الإطلاق بالنسبة لوسائل الإعلام، ومع ذلك، هناك ضحية أخرى خطيرة: "حرية الصحافة".

كما تناول القيود التي تفرضها إسرائيل على المراسلين، مشيراً إلى أنه منذ أن منعت الحكومة الإسرائيلية الوصول إلى قطاع غزة في 7 أكتوبر، أصبحت مهمة نقل الأخبار تقع على عاتق الصحافيين الفلسطينيين المقيمين في القطاع، وإلى حد محدود للغاية، طواقم الإعلام الدولية المرافقة للجيش الإسرائيلي في ظل ظروف خاضعة للرقابة.

ودعا الاتحاد إسرائيل عدة مرات إلى السماح للصحافيين الأجانب بدخول غزة، والتوقف عن إعاقة عملهم وحق الجمهور في حرية التعبير، مؤكداً أن "إطالة أمد الحظر على الدخول إلى القطاع يحرم العالم من الصورة الحقيقية للأحداث في غزة، وينتهك عمداً حرية الصحافة. ولهذا السبب، في اليوم العالمي لحرية الصحافة، ندعو إسرائيل إلى التوقف عن استهداف الصحفيين وانتهاك حرية الصحافة، وهي أفعال لا تتناسب مع الديمقراطية".

واعتبر التقرير أنه "على الرغم من تعرضهم لخسائر فادحة أو تعرضهم للإصابة، أصبح الصحافيون المحليون عيون وآذان العالم، والمصدر الوحيد للمعلومات من غزة إلى العالم".

وقال رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين دومينيك برادالي "منذ اعتماد إعلان ويندهوك عام 1991، لم يتم فعل الكثير لحماية الصحافيين بشكل أفضل في القانون الدولي أو الاتفاقيات الدولية. إن الحرية والأمن اللذين يحتاجهما الصحافيون للقيام بعملهم غائبان في أجزاء كثيرة من العالم".

وتابع "اليوم، تبدو إسرائيل عازمة على إسكات الصحافيين في غزة، بما في ذلك استهدافهم. ويجب ألا تمر الجرائم المرتكبة دون عقاب. ونحن نحثُّ الحكومات في جميع أنحاء العالم على الاعتراف علناً بدعمها لصك دولي ملزم يحمي الصحافيين. ومن خلال اعتماد مثل هذه الاتفاقية ضد الإفلات من العقاب، ستؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل لا لبس فيه أن المجازر ضد الصحافيين، مثل تلك الجارية في غزة، لن تتكرر".

"بيئة قمعية وخطيرة"

مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير أيرين خان قالت في حوار في الأول من مايو، إن "الصراع في غزة هو الأكثر فتكاً وخطورة للصحافيين، إذ يُعد عدد الضحايا أعلى بكثير من أي رقم سجلته الأمم المتحدة في التاريخ الحديث أثناء النزاعات".

ونّبهت الخبيرة الحقوقية إلى أن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو "تدهور خطير للغاية في حرية الإعلام والتعبير وحقوق الصحافيين، كما أن هناك عمليات تصفية وإفلات من العقاب وغياب لأي نوع من العدالة، فضلاً عن ارتفاع حالات الاعتقال والترهيب، وإغلاق الطرق، وقمع تغطية الأخبار الانتقادية".

وأوضحت خان أن بعض الصحافيين الذين تحدثت إليهم قالوا لها إنهم عندما يرتدون ستراتهم التي طُبعت عليها كلمة صحافة، فإنهم يشعرون بالخطر أكثر مما عليه الحال عندما لا يرتدونها. كما تطرقت إلى أوضاع الصحافيين في الضفة الغربية لافتةً إلى أن "هناك أيضاً بيئة قمعية وخطيرة للغاية".

وأضافت: "هناك عدداً من عمليات الاعتقال والاحتجاز التي طالت الصحافيين والمواطنين الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم مؤخراً، لمجرد انتقادهم وأحيانا لمجرد تبادل المعلومات حول ما يحدث في غزة".

ودعت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إسرائيل إلى التحقيق في حوادث استهداف الصحافيين، مجددة التأكيد على أهمية دور وسائل الإعلام أثناء الصراعات المسلحة، وحق الناس في معرفة ما يحدث.

ومنحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، الصحافيين الفلسطينيين الذين يُغطّون الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، جائزة "اليونسكو/جييرمو كانو" العالمية لحرية الصحافة لعام 2024.

ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر الماضي، حرًبا مدمرة على غزة، أودت بحياة قرابة 35 ألف إنسان، معظمهم أطفال ونساء، ما استدعى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بدعوى "إبادة جماعية".

تصنيفات

قصص قد تهمك