نقيب الأطباء يحذر من تأثير سلبي على محدودي الدخل.. ورئيس لجنة الصحة: فرصة لتلقي علاج بجودة أعلى

مصر.. قانون تأجير المنشآت الطبية للأجانب "المثير للجدل" يعبر البرلمان وينتظر الرئيس

أعضاء مجلس النواب المصري خلال جلسة عامة في العاصمة القاهرة. 20 يوليو 2020 - AFP
أعضاء مجلس النواب المصري خلال جلسة عامة في العاصمة القاهرة. 20 يوليو 2020 - AFP
القاهرة-محمد العطيفيمحمود أبو بكر

وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون مُقدم من الحكومة، بشأن تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، وذلك وسط رفض نقابة الأطباء التي طالبت الرئيس بإعادته للمناقشات، ونواب المعارضة، الذين اعتبروه بمثابة "تخلٍ من الحكومة عن مسؤوليتها".

ومن المنتظر، أن يعرض القانون على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقراره كـ"قانون"، ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية ليتم العمل به، إذ يمنح حق إدارة وتشغيل المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، وفقاً لعدد من الشروط، من بينها الحفاظ على المنشآت الصحية والأجهزة الطبية، وجعلها صالحة للاستخدام طوال مدة الالتزام بالإدارة والتشغيل.

وترى نقابة الأطباء المصريين أن القانون الجديد سيؤثر في فئة كبيرة من محدودي الدخل الأولى بالرعاية الصحية، وسيتم تقليص عدد الأسٌرة التي كانت متاحة للمواطنين للعلاج بشكل مجاني داخل المستشفيات الحكومية إلى النصف.

ووصفت البرلمانية مها عبد الناصر القانون بأنه سيؤدي إلى الإخلال بمواد الدستور المصري؛ التي تنص على حق المواطنين في الحصول على الصحة والرعاية الصحية المجانية، فيما دافع رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، أشرف حاتم، عن القانون معتبراً أنه سيمنح المواطنين فرصة لتلقي علاج، ورعاية بجودة أعلى.

جذب المستثمرين ونقاط خلافية

ويهدف القانون إلى جذب المستثمرين، والسماح للقطاع الخاص، بمشاركة الحكومة في تطوير، وإدارة المنشآت الصحية الحكومية.

وقال رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي، خلال جلسة مناقشة القانون، إن لجنة الصحة بالمجلس أدخلت بعض التعديلات على مشروع القانون المقدم من الحكومة، بهدف تحقيق التوازن بين مصلحة الدولة في جذب مستثمرين في هذا القطاع، وعدم المساس أو الانتقاص من الخدمات المقدمة للمواطن، سواء الخدمات المجانية المُلزمة بها الدولة، أو خدمات التأمين الصحي، أو غيرها من الخدمات.

وقال وزير الصحة المصري، الدكتور خالد عبد الغفار، إن مشروع قانون المنشآت الصحية، يستهدف تنظيم آلية منح التزام المرافق العامة، لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية الجديدة، أو إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة؛ بما يسمح للقطاعين الخاص والأهلي المشاركة في تقديم خدمات الرعاية الصحية.

وأضاف "عبد الغفار" في تصريحات تليفزيونية، أن القانون ليس لمشاركة القطاع الخاص فقط، بل للقطاع الأهلي أيضاً، مؤكداً أن القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل أكثر كفاءة.

وأوضح الوزير المصري أن المنشأة الصحية العامة التي تنوي الدولة طرحها للقطاع الخاص، تكون من أجل التطوير وتقديم أفضل الخدمات الممكنة، مشيراً إلى أن طرح المنشآت الصحية القائمة للقطاع الخاص يعد إطاراً تحفيزياً على مستوى بيئة الاستثمار، بدلاً من إقامة المنشآت الجديدة والتي تتولى الدولة مسؤوليتها، لافتاً إلى أن مشروع قانون المنشآت الصحية يُعطي للقطاع الخاص مزايا استثمارية للتطوير وتقديم خدمات أفضل.

واعترض معنيون على بعض مواد القانون، خاصة التي تسمح للمستثمر بجلب 25% كحد أقصى من الأجانب للعمل ضمن الأطقم الطبية، وكذلك إمكانية تقسيم المنشأة الصحية المؤجرة لـ50% للعلاج على النفقة الخاصة، و50% للعلاج على نفقة الدولة، بالإضافة إلى المادة التي تمنح المستثمر إمكانية التخلص من 75% من العاملين المصريين بالمنشأة مع الاحتفاظ بـ25% فقط كحد أدنى، كما يسمح القانون بالتعاقد مع خبراء وفنيين أجانب بما لا يزيد عن 25% من إجمالي العاملين بالمنشأة الطبية.

ويرى نقيب أطباء مصر، أسامة عبدالحي، أن القانون الجديد يؤثر في محدودي الدخل من خلال تقليص عدد الأَسِرَّة الحكومية المخصصة للمواطنين، وقال إنه وجه خطاباً عاجلاً للرئيس المصري، لمطالبته بعدم التوقيع على قانون المنشآت الصحية، وإعادته مرة أخرى للمناقشة تحت قبة البرلمان لتلافي السلبيات الموجودة بالقانون الذي قدمته الحكومة، وحصل على موافقة البرلمان.

وشرح "عبدالحي" خلال حديثه لـ"الشرق"، أن قانون المنشآت الصحية الجديد، لن يأتي بأي إضافة للقطاع الطبي؛ بل سيؤثر في فئة كبيرة من محدودي الدخل الأولى بالرعاية الصحية، خاصة أنه ينص على منح المستثمرين إمكانية تقسيم المنشأة الصحية المؤجرة لـ50% للعلاج على النفقة الخاصة، و50% للعلاج على نفقة الدولة، سواء من خلال قانون التأمين الصحي الشامل أو استخراج قرار علاج على نفقة الدولة، ما يعني أن عدد الأَسِرَّة التي كانت متاحة للمواطنين للعلاج بشكل مجاني داخل المستشفيات الحكومية، سيتم تقليصها إلى النصف.

وقال "عبدالحي" إن تشجيع القطاع الخاص ومنحه فرص استثمارية يجب أن يتم من خلال بناء مستشفيات جديدة، وزيادة عدد الأَسِرَّة الموجودة بتلك المستشفيات، وليس عن طريق تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين، مؤكداً أن مصر تواجه مشكلة خطيرة بشأن نقص عدد الأَسِرَّة  والذي بلغ معدل 1.1 سرير لكل 1000 مواطن، في الوقت الذي يبقى المتوسط العالمي عند مستوى 2.8 سرير لكل 1000 شخص، أي أن مصر بحاجة لزيادة عدد الأَسِرَّة بمعدل مرة ونصف المرة.

إلا أن رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، الدكتور أشرف حاتم، أكد في حديثه لـ"الشرق" أن القانون الجديد يتضمن بند تعاقد وزارة الصحة مع المستثمر على علاج المواطنين على نفقة الدولة، بشكل مجاني ضمن منظومة التأمين الصحي العادي والشامل، بنسبة قد تصل لـ70% من عدد الأسٌرة بالمستشفى المؤجرة.

وبالنسبة للجدل بشأن نسبة مشاركة الأجانب ضمن الأطقم الطبية بالمستشفيات المؤجرة، أكد "حاتم" أن القانون ينص على الاستعانة بخبراء وفنيين أجانب بالمستشفيات القائمة فعلياً بنسبة لا تتجاوز الـ15%، أما المستشفيات التي لم يتم إنشاؤها بعد، فيمكن أن تصل نسبة مشاركة الأجانب لـ25% كحد أقصى.

وشدد "حاتم" على أن قانون المنشآت الصحية لا يعد خصخصة أو بيع، ولكن منح التزام المرافق العامة للمستثمرين لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية القائمة، مشيراً إلى أن القانون يتضمن بنداً يُلزم المطور بالحفاظ على الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين سواء التأمين الصحي، أو على نفقة الدولة.

وفي ما يخص المستشفيات التي سيتم طرحها أمام المستثمرين والمطورين سواء القائمة فعلياً أو التي سيتم إنشاؤها، أوضح أن وزارة الصحة تقوم حالياً بإعداد دراسات لاحتياجاتها من المستشفيات الجديدة في أماكن غير متوافر بها خدمات علاجية، أو تطوير مستشفيات في أماكن معينة تتطلب تطوير ورفع كفاءة للخدمات، على أن يتم بعد ذلك طرح تلك المواقع التي تتطلب إنشاء مستشفى عليها أو المستشفيات التي تحتاج إلى تطوير على مجلس الوزراء، الذي يقوم بدراسة تلك الطلبات وإعداد الشروط والمواصفات في عمليات الطرح والأسعار، ويقوم بالطرح على القطاع الخاص من خلال قانون التعاقدات الحكومية.

بحسب رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، استبعد القانون مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة وعمليات الدم وتجميع البلازما من عمليات التطوير أو رفع الكفاءة، حتى إن كانت تتطلب تطوير أو تقديم خدمات علاجية إضافية، مؤكداً أن تلك الأماكن هي مسؤولية الدولة في التطوير ولها بعد استراتيجي، ولا يمكن طرحها أمام المطورين.

وبدوره، استنكر "عبد الحي" في حديثه لـ"الشرق" منح المستثمر إمكانية التخلص من 75% من العاملين بالمنشأة مع الاحتفاظ بـ25% فقط كحد أدنى، متسائلا عن مصير العاملين الذين سيتم التخلص منهم، وكيف سيتم إعادة توزيعهم من جديد بالقطاع الصحي، في الوقت الذي تواجه مصر أزمة هجرة الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي.

التأمين الصحي الشامل

ويتخوف كُثر من تأثير القانون على مشروع التأمين الصحي الشامل الذي تعمل عليه الحكومة المصرية حالياً، بهدف تأمين حصول المواطنين على رعاية صحية شاملة.

من جانبه، قال شريف سامي، عضو هيئة التأمين الصحي الشامل في حديثه لـ"الشرق"، إن الهيئة مستمرة في تحمل تكاليف العلاج للمواطنين بكافة المستشفيات الحكومية التي سيتم تأجيرها لمستثمرين، وذلك وفقاً للأسعار التي تتماشى مع متوسط تكلفة الخدمة الصحية.

وتطبق مصر قانون التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات فقط هي: "بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية، جنوب سيناء، أسوان، السويس"، فيما كشفت وزارة الصحة المصرية في وقت سابق، عن استعدادها لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في مرحلته الثانية بـ5 محافظات جديدة هي: "كفر الشيخ، ودمياط، والمنيا، ومطروح، وشمال سيناء".

واعتبر "سامي" أن المستشفيات التي سيتم إسناد إدارتها وتشغيلها للقطاع الخاص، لا بد أن تستوفي شروط هيئة التأمين الصحي الشامل، وتحصل على اعتماد الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، ومن ثم سيتم التعامل معها بنظام تحمل جزء محدد من تكلفة الخدمة الصحية التي سيحصل عليها المواطن، يتم تسعيرها وفقا للجنة متخصصة ولمتوسط الأسعار بالسوق.

إلى ذلك، اعتبرت الدكتورة مها عبد الناصر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن تطبيق قانون المنشآت الصحية الجديد سيؤدي إلى الإخلال بمواد الدستور المصري التي تنص على حق المواطنين في الحصول على الصحة والرعاية الصحية المجانية، خاصة مع تحول جزء من المنشآت الصحية الحكومية للعمل كقطاع استثماري بتكاليف مرتفعة تستهدف الربحية بالأساس، وليس علاج المواطنين.

واستنكرت النائبة البرلمانية في حديثها لـ"الشرق" تأجير المستشفيات الحكومية، موضحة أن تلك المستشفيات لم تكن تغطي احتياجات القطاع الصحي بمصر، والقانون الجديد سيزيد معاناة فئة محدودي ومتوسطي الدخل التي كانت تعتمد على المستشفيات الحكومية بشكل أساسي في العلاج، مؤكدة أن الأولى منح المستثمرين امتيازات لبناء مستشفيات جديدة تزيد عدد الأسرّة، وتساهم في حل مشكلات القطاع الصحي، بدلاً من تأجير مستشفيات موجودة وتحويل جزء منها للعمل كقطاع استثماري.

ورداً على الانتقادات التي وجهها البعض بأن مشروع القانون الجديد يتعارض مع نص الدستور المصري الذي يكفل الرعاية الصحية المجانية للمواطنين، قال أشرف حاتم، إن القانون الجديد لا يتعارض مع نص الدستور، موضحاً أنه يتيح للمواطنين إمكانية الحصول على رعاية صحية جيدة وبجودة عالية، إضافة إلى أن المادة 30 من الدستور المصري تتيح إمكانية مشاركة القطاع الخاص والأهلي في الاستثمار بالمرافق العامة بما يرفع من كفاءتها، وهو ما يطبقه القانون الجديد.

ويكفل الدستور المصري، للمواطنين الحق في الصحة مع تكفل الدولة بالحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.

تصنيفات

قصص قد تهمك