ساهمت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا إلى زيادة الضغط على قطاع الألماس المحلي، إذ شملت الإجراءات، التي أعقبت حرب أوكرانيا في عام 2022، حظراً على الاستيراد من أسواقها، ما اضطر موسكو إلى البحث عن أسواق جديدة لتصريف الكميات الكبيرة من الألماس المتوفرة لديها، والتي تُشكل نصف الإنتاج العالمي.
في نهاية يونيو الماضي، أرجأ الاتحاد الأوروبي لـ6 أشهر، تطبيق نظام لإصدار شهادات الألماس من شأنه فرض حظر على استيراد الأحجار الكريمة من روسيا، وذلك كجزء من الحزمة الـ14 للعقوبات على موسكو، موضحاً أن هذا الحظر لا ينطبق على الأحجار المصدرة قبل فرض القيود.
وكانت منظومة اليورو، حظرت استيراد الألماس الروسي ضمن الحزمة الـ12 من العقوبات، اعتباراً من مطلع يناير 2024.
في المقابل، قالت وزارة المالية الروسية، إن تخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي، وخاصة تأجيل إدخال نظام شهادات الألماس، كان "أمراً لا مفر منه"، معتبرةً أن "هذا تأكيد آخر على أن الفكرة غير قابلة للتحقيق".
وسبق كل هذا، ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر، أن الولايات المتحدة قررت إجراء مراجعة جزئية للقيود المفروضة على استيراد الألماس الروسي، وذلك على خلفية ردود فعل سلبية من المنتجين في إفريقيا، وتجار المجوهرات في الهند ونيويورك.
مصاعب تطوير التجارة
في عام 2022 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صناعة تعدين الألماس في روسيا، بإدراج الشركة الروسية العملاقة لصناعة الألماس "ألروسا" وحظرت أيضاً الواردات المباشرة من الألماس الخام والمصقول، ثم لحقتها القارة العجوز وفرضت قيوداً بحظر بيع وشراء ونقل الألماس الروسي، وأتبعت هذا الحظر بمنع استيراد الألماس الروسي المعالج في دول ثالثة.
وكانت غاية الغرب من تلك الإجراءات، توجيه ضربة موجعة للكرملين، بعد فرض عقوبات على قطاعي النفط والغاز، إلا أن "ألروسا" تمكنت من إعادة بناء أعمالها عبر معالجة الجزء الأكبر من خامها في الهند، حيث توزع من هناك الأحجار الكريمة إلى جميع أنحاء العالم، على شكل ألماس هندي.
ورغم هذا، لم تنفِ وزارة المالية الروسية، تأثير العقوبات على سوقها، معتبرة في الوقت ذاته، أن الغرب عاقب نفسه قبل أن يُعاقب موسكو، وفي تصريحات لـ"الشرق"، أكد نائب وزير المالية الروسي ألكسي مويسييف، أن هذه القيود "تضع مصاعب أمام تطوير التجارة"، لافتاً إلى أن "العمل بشكل منفتح كما كان عليه قبل 2022، لم يعد بالسهل".
وأضاف مويسييف: "من الواضح أن المشتريين من مجموعة السبع، رفضوا العمل مع روسيا، لكنهم في الوقت نفسه عاقبوا أنفسهم، لا سيما أن روسيا تنتج نصف ألماس العالم كما هو معروف، وبالتالي، عدم إقبال الغرب على شراء ألماسنا، يُفقدهم فرصة الحصول على مستوى مواد عالية الجودة".
وأوضح المسؤول الروسي في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "موسكو تنظر بإيجابية إلى مسألة تأجيل موعد فرض المرحلة الأكثر قسوة من العقوبات من 1 سبتمبر هذا العام إلى 1 مارس 2025، ولذلك سيستمر العمل بشكل طبيعي نسبياً حتى ذلك الوقت"، وفق قوله.
من جانبها، رأت الخبيرة في سوق الألماس كسينيا كوستينا، أن كل الأطراف تضررت من القيود الغربية على الألماس الروسي، لكن بدرجات متفاوتة.
وفي حديثها مع "الشرق"، أوضحت كوستينا، أنه "عندما بدأت المناقشات بشأن فرض العقوبات أصبح من الواضح أن الجميع سيتأثر منها، لكن ربما روسيا ستكون الأقل ضرراً، نظراً إلى أنها مصدر إنتاج الألماس والألماس المعالج، وهذا يعني أن التكاليف ستزداد على المنتجين والبائعين، ستُصبح الأعمال أكثر تكلفة وتعقيداً".
تستحوذ روسيا على ثلث إنتاج الألماس عالمياً، فيما تمثل شركة "ألروسا" 95% من الألماس في روسيا.
وبحلول نهاية 2023، أعلنت الشركة، صافي أرباح بقيمة 925 مليون دولار، ما يمثل أقل بنحو 15% عما كان عليه في 2022، في حين، سجلت الأرباح بحلول نهاية 2021، أكثر من 91 مليار روبل (أي ما يعادل اليوم أكثر من مليار دولار). وفي هذا السياق، اعتبر المستثمر الروسي والخبير الاقتصادي أناتولي شباكوف، أنه رغم القيود، إلا أن "قوة العملة الروسية تساعد على التقليل من تراجع أرباح الشركة".
وفي حديث لـ"الشرق"، قال شباكوف: "لو نظرنا إلى البيانات المالية لشركة (ألروسا) خلال السنوات الماضية، نجد أن قيمىة إنتاجها قدرت بـ300 مليار روبل، في 2023 بقيمة 325 مليار روبل".
ومؤخراً، أعلنت شركة "ألروسا" في بيان، امتلاكها 1.067 مليار قيراط من الألماس، مشيرةً إلى أنه بالنظر إلى المستوى الحالي لإنتاج الألماس، ستتمكن الشركة من العمل لمدة 30 عاماً على الأقل.
وبحسب نظام "كيمبرلي" الدولي الذي يُنظم تجارة الألماس الخام، تعمل روسيا للعام الثاني على التوالي، على خفض صادراتها من الألماس، وسط العقوبات وضعف الطلب العالمي، إذ انخفضت صادرات الألماس الخام من الاتحاد الروسي في نهاية العام الماضي بنسبة 12%، إلى 32.4 مليون قيراط، كما انخفضت تكلفة الإمدادات بنسبة 7.7%، إلى 3.7 مليار دولار.
ويهدف نظام "كيمبرلي" إلى حماية التجارة المشروعة في الألماس الخام، ويوجز إصدار شهادات المنشأ.
أسواق جديدة
كشفت وزارة المالية الروسية مؤخراً، أنها تعمل مع بلدان أخرى منتجة للألماس، وخاصة في إفريقيا، للتوسع في أسواق جديدة.
وفي شأن ذي صلة، أحجم مسؤولون تواصلت معهم "الشرق" عن الإدلاء بالوجهات والأرقام المتعلقة بتصدير الألماس الروسي، وذلك "خشية أن تتسبب بمشكلات لنفسها، وللشركاء الذين تتعامل معهم"، كون المعلومات الرسمية غير متوفرة.
في الوقت نفسه خفّضت الهند واردات الألماس من روسيا في مايو الماضي بنسبة 13% على أساس سنوي، وبلغت 352 ألف قيراط. وقُدر قيمة الواردات بمبلغ 43 مليون دولار، وهو أقل بنسبة 51% على أساس سنوي. كما استوردت في أبريل الماضي 440 ألف قيراط، وهو أقل بنسبة 57% عن بيانات العام الماضي.
من جانبها، اشترت هونج كونج وخلال الأشهر الخمس الأولى من العام الجاري كمية من الألماس الروسي، أضخم بـ18 مرة، بقيمة إجمالية 657.3 مليون دولار. وفي العام الماضي، بلغ القيمة 36.5 مليون دولار، وأصبحت روسيا المورد الرئيسي الثالث للألماس إلى آسيا، حيث بلغت حصتها 12% من إجمالي الواردات، بينما كانت العام الفائت 1% فقط.
وقالت كوستينا إن الألماس الروسي لا يزال مطلوباً، مشيرة إلى أن "هناك عدداً كبيراً من البلدان التي ترغب في شراء الألماس الروسي وتصديره".
في عام 2021، أصبحت مدينة أنتويرب البلجيكية أكبر مركز تجاري في العالم لبيع الماس الخام والمصقول. وقد كانت شركة "ألروسا" ترسل موادها مباشرة إلى بلجيكا، لكن تفوق مدينة في الشرق الأوسط واستحوذت على القيمة الأكبر من حجم المعاملات، وهي دبي، حيث منذ 2014 بدأت الشركة الروسية تتعاون مع بورصة دبي للألماس.
وأشار الخبراء الروس، إلى أن الصين والهند والدول العربية أصبحت من أكثر المناطق المستهلكة للألماس والمجوهرات، وأشاروا إلى أن مركز أنتويرب العالمي بدأ مطلع عام 2000 يفقد مكانته رويداً رويداً، مقابل صعود أسهم دبي.
ولفتت كوستينا إلى أن دبي نالت عام 2023 صفة مركز الألماس الأكبر في العالم، حيث بلغت حصة المدينة من التصدير 30%، في حين احتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثانية بنسبة بلغت 17%.
وتُعد الولايات المتحدة من أكبر مستوردي الأماس في العالم، وتضم القائمة أيضاً الهند، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي، واليابان، وهونج كونج، ودول الشرق الأوسط.
واعتبر نائب وزير المالية الروسي ألكسي مويسييف، أن الدول الإفريقية لا تسعى للتوجه إلى بلجيكا المغلقة أمام روسيا جراء العقوبات.
وأوضح "لم نكن نُصدر الكثير من الألماس إلى بلجكيا، التي كانت مركزاً لهذه التجارة قبل أن تُغلق أمامنا، ونحن نرى أن الدول الإفريقية لا تسعى بالتوجه إلى هناك، وذلك لوجود مراكز أخرى مثل في إفريقيا والدول العربية وجنوب آسيا. ونحن نرى العديد من الدول تتصدر القائمة وتبيع الألماس الروسي".
تحركات داخلية
بدورها، لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام الضغوط الغربية على تجارة الألماس، إذ أبرمت المالية الروسية اتفاقية مع شركة "ألروسا" لإعادة شراء جزء من الألماس الخام المنتج في العام الحالي، وبموازاة ذلك، تعمل على تطوير زيادة الطلب المحلي وتطوير معالجته داخلياً، وهو ما أكده لـ"الشرق" مويسييف.
وأضاف "نقوم بتطوير الطلب على الألماس الروسي محلياً، كما نُطور مجال معالجة الألماس، وقد رصدنا بالفعل زيادة في مستوى الشراء على الصعيد الداخلي. كما تم إزالة الضريبة على شراء الألماس، والتي كانت تُعيق زيادة الطلب. وهذا الأمر بطبيعة الحال مرتبط فقط عند شراء الألماس بهدف الاستثمار".