تراجع أعداد الطلاب الأجانب.. "قوانين الهجرة" تهدد جاذبية الجامعات البريطانية

صورة جوية لمباني في جامعة أكسفورد ببريطانيا. 16 يونيو 2023. - REUTERS
صورة جوية لمباني في جامعة أكسفورد ببريطانيا. 16 يونيو 2023. - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

شهدت الجامعات البريطانية انخفاضاً في طلبات التحاق الطلبة الدوليين خلال العام الحالي، بسبب تقييد إصدار التأشيرات لعائلاتهم وسط تحذّيرات الخبراء من أن هذا التراجع ربما يخلق تحديات مالية أمام مؤسسات التعليم العالي، إذ تسهم في نسبة مهمة من دخلها، في حين أن محاولة تعويض ذلك من خلال مصادر أخرى أو دعم حكومي لا يبدو ممكناً.

وكانت الحكومة البريطانية السابقة برئاسة ريشي سوناك شددت القيود على تأشيرات الطلبة الأجانب، ضمن جملة إجراءات، قالت إنها تهدف لخفض صافي الهجرة إلى الدولة، ورغم أن حكومة حزب العمال التي أطاحت بحكومة "المحافظين" العمالية في يوليو الماضي، أكدت أنها سترحب بالراغبين في استكمال دراستهم، إلا أن القيود لا زالت قائمة.

وبحسب استطلاعات عدة للرأي، فإن البدائل بالنسبة للطلبة الأجانب، تتمثّل بالدراسة في كندا وأستراليا وألمانيا ودول أخرى، وهذا يختلف وفقاً لجنسية الباحثين عن التحصيل العلمي، لكن أياً كان الخيار فهو ينتقص من حصة المملكة المتحدة التي لطالما كانت الوجهة المفضلة في محركات البحث عن فرص التعليم العالي.

حاجة الجامعات

أوضح تحليل أجرته شبكة ITV التلفزيونية المستقلة، أن الجامعات البريطانية يمكن أن تحصل على أكثر من 22 ألف جنيه كرسوم دراسية من الطالب الأجنبي الراغب بالدراسة أو التخصص فيها، ومثل هذا الفارق يؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لفئة كبيرة من هذه المؤسسات في ظل شح مصادر الدخل الأخرى، وضعف الدعم الحكومي للتعليم العالي.

ووفقاً للأرقام، فمن أصل 184 جامعة بريطانية، هناك 25 مؤسسة منها تعتمد على الطلبة الأجانب لحصد أكثر من ثلث دخلها السنوي، و14 منها ترتفع النسبة فيها إلى 40%.

وبشكل عام يضخ هؤلاء الطلبة أكثر من 42 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني، وبالتالي يستحق تراجع حضورهم في البلاد بحثاً أكبر من قبل الجهات المختصة.

ولا تفرض المملكة المتحدة سقفاً على الجامعات بشأن رسوم تسجيل أو دراسة الطلبة الأجانب، بعكس نظرائهم المحليين الذين تمنع تجاوز رسوم دراستهم السنوية مبلغ 9 آلاف و80 جنيهاً إسترلينياً، ومع مراعاة معدل التضخم وارتفاع كلفة الإنتاج والحياة تتراجع قيمة هذا الرقم إلى 7 آلاف و131 جنيهاً فقط، وفق تقديرات المختصين.

وقال نائب رئيس جامعة "ويلز" بيتر سيلي، لقناة ITV، إنه يتفهم التحفظ المرتبط بعائلات الطلبة الأجانب في ميزان تقليص الهجرة، لكن ذلك لا يعني تجاهل الأهمية الاقتصادية لهم بالنسبة للجامعات والدولة عموماً، وبالتالي يتوجب على وزارة الداخلية إعادة النظر في القيود التي فرضتها الحكومة السابقة على تأشيرات الطلبة الدوليين.

ورأى سيلي أن التأثير الإيجابي للطلبة الأجانب على الاقتصاد البريطاني ودورهم الكبير فيما يصفه بـ"القوة الناعمة" للمملكة المتحدة، أشياء تستحق الحفاظ عليها والعمل على تطويرها جيداً، لكنه تساءل، ما إذا كانت الحكومة الجديدة تنوي الأخذ بهذه النصيحة، والبحث عن حلول لتراجع جاذبية جامعات بريطانيا؟

الخيارات والدعم

وبحسب منصة Enterly التي تُستخدم لإدارة التسجيل الدولي في الجامعات البريطانية، حدث تراجع بنسبة 35% في ودائع الأجانب لضمان أماكن في تلك المؤسسات خلال أغسطس الجاري، مقارنة بالشهر ذاته عام 2023، ولكن بشكل منفصل يعد ذلك تحسناً بالنظر إلى انخفاض بلغ 50% بين يوليو 2023 و2024.

بدوره، أكد أيضاً موقع Erudera المتخصص بالتعليم العالي، وجود انخفاض في عدد الطلبة الدوليين المسجلين في جامعات المملكة المتحدة هذا العام، ويعتقد بول كيت، كبير مستشاري التعليم في شركة BWC للخدمات البحثية، أن حجم هذا التراجع يختلف من جامعة لأخرى، وفقاً لجاذبيتها في سوق التعليم البريطاني والدولي عموماً.

وقال كيت لـ"الشرق"، إن حصة الأجانب في عدد من الجامعات البريطانية باتت تزيد على 50% من إجمالي الطلاب، وأحياناً تصل إلى 60%، وبالتالي تراجع أعداد هؤلاء لأسباب لا ترتبط بالعملية الدراسية ومستوى المناهج، يُهدد مستقبل المؤسسات التعليمية، ويخلق تساؤلاً كبيراً بشأن الحاجة إلى دعمها مالياً بطريقة ما.

وأشار إلى أن زيادة الرسوم على الطلبة المحليين لمساعدة الجامعات ليست ضمن خطط الحكومة خلال الوقت الراهن على ما يبدو.

وأضاف كيت: "إذا كان تخفيف القيود على تأشيرات عائلات الطلبة الأجانب ليس في الحسبان أيضاً، فهناك حاجة إلى البحث عن بدائل لتمويل مؤسسات التعليم العالي سواء في المجال الأكاديمي أو البحثي في مختلف الأصعدة".

ترحيب رسمي

وفي مقطع فيديو نشرته وزارة التعليم حديثاً، رحبت الوزيرة بريدجيت فيليبسون بالطلبة الأجانب، قائلة إن "الدراسة في المملكة المتحدة فرصة لتحصيل علمي مميز، كما أن الطلبة الدوليين يُتيحون مد جسور التواصل بين الدول، وتُقدر لندن مساهمتهم الكبيرة في مجالات البحث العلمي، ودعم الاقتصاد، وتعزيز المشهد الثقافي".

وأشاد رئيس وحدة تحليل البيانات في "منصة الدراسة" كارل بالدكينو، برسالة فيليبسون الإيجابية، معتبراً أنها "تساعد في تشجيع الطلاب الدوليين على القدوم لمكان يشعرون فيه أنهم محط تقدير واهتمام، لكن الغائب في كلام الوزيرة هو خطط الحكومة لتسهيل وصول هؤلاء وعائلاتهم إلى البلاد، كي لا يضطروا للبحث عن أماكن أخرى".

وقال بالدكينو لـ"الشرق"، إن "محركات البحث تدلل بوضوح على أن الطلبة الأجانب بدأوا، منذ نهاية العام الماضي، البحث عن بدائل تعليمية لهم في دول أخرى، مثل كندا وألمانيا وأستراليا وإيطاليا والولايات المتحدة، والمفاضلة بين هذه الدول تختلف بحسب جنسيات الباحثين على نحو ملحوظ أو كما تدلل بيانات تلك المحركات".

وأضاف أن وصول حكومة جديدة إلى السلطة في لندن أنعش اهتمام الطلبة الأجانب بالدراسة في المملكة المتحدة، لكن الأمر، وفق رأيه، يحتاج إلى إبداء مرونة واهتمام من الجهات الرسمية المختصة في البلاد إزاء تشجيع هؤلاء على المضي في خططهم والقدوم للالتحاق بالمؤسسات التعليمية البريطانية مع مطلع العام المقبل على أقصى تقدير.

تراجع الطلبات

وبحسب الصحافية المختصة في شؤون التعليم، جابريل وايتهيد، أظهرت أرقام وزارة الداخلية انخفاضاً حاداً في عدد الطلبة الدوليين المتقدمين للدورات الدراسية في جامعات بريطانيا منذ يوليو الماضي، وقد برز التراجع الواضح في تقدم الطلاب للحصول على تأشيرات إلى بريطانيا هذا العام، مقارنة بسابقه في دولة عدة وليس واحدة.

وتُظهر بيانات الوزارة أنه خلال النصف الأول من 2024، انخفض العدد الإجمالي لطلبات تأشيرة الدراسة بنسبة 16%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وتستعد بعض الجامعات لانخفاض أكثر حدة قد يصل إلى 50% في عدد الملتحقين الأجانب بدورات الدراسات العليا في بريطانيا، وخاصة تلك الممتدة على عام واحد.

كما وجد بحث أجراه "اتحاد جامعات بريطانيا" أن 9 من كل 10 مؤسسات تعليم عالي استطلعت آراءها، تلقت عدداً أقل من الطلبات الخارجية للدورات التي تبدأ في الخريف مقارنة بعام 2023، إلا أن ذلك ليس فقط بسبب قيود التأشيرات، إنما أيضاً بسبب التضخم، وكلفة المعيشة، الذين دفعا الجامعات إلى زيادة رسوم الدراسة على الطلبة الأجانب.

ورأى وايتهيد أن الحكومة تحتاج إلى حوار شامل مع الجامعات بشأن الطلبة المحليين والدوليين على حد السواء، وقالت في مقال نشرته على موقع "ليفت فوود فورود" إن مؤسسات التعليم العالي في المملكة المتحدة تحتاج إلى تطوير أدواتها العلمية والبحثية لتعزز من جاذبيتها، في حين يتوجب على الحكومة دعمها مالياً أو مساعدتها لوجستياً.

وفي العام الدراسي 2021/2022، كان هناك نحو 680 ألف طالب أجنبي يدرسون في جامعات المملكة المتحدة، أكثر من 140 ألفاً بينهم من الاتحاد الأوروبي، والبقية من دول مختلفة على رأسها الصين بنحو 100 ألف طالب، ثم الهند 87 ألفاً، تليها نيجيريا بأكثر من 32 ألفاً، أما عربياً فتتصدر السعودية بأكثر من 14 ألف طالب مسجلين في ذلك العام.

تصنيفات

قصص قد تهمك