أذرع مرفوعة عالياً، ولافتات تدين الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وحشود تغني بصوت واحد يلتحفون الكوفيات، وهي أوشحة ذات مربعات سوداء وبيضاء أصبحت رمزاً للهوية الفلسطينية.
ربما يعتقد كثيرون أن هذه مشاهد من أي مظاهرة مناهضة للحرب على القطاع الفلسطيني، لكن الواقع أن هؤلاء الآلاف من المتظاهرين كانوا مشجعين بإحدى مباريات دوري كرة القدم في تشيلي.
ورغم أن هؤلاء اللاعبين الذين يركضون في الملعب يحملون أسماءً مثل خوسيه وأنطونيو، ونشأوا في دولة ناطقة بالإسبانية في أميركا الجنوبية، فإن حماسهم وشغفهم للقضية الفلسطينية وقمصانهم ذات الألوان الأحمر والأبيض والأسود والأخضر، يبرز إلى أي مدى يمثل نادي كرة قدم شهير في تشيلي منفذاً لأكبر مجتمع فلسطيني خارج الشرق الأوسط للتواصل مع موطن أجدادهم الذي يبعد آلاف الأميال، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ونقلت الوكالة عن بريان كاراسكو، قائد نادي "ديبورتيفو بالستينو" التشيلي، قوله: "إنه أكثر من مجرد نادٍ، فهو يأخذك إلى تاريخ الفلسطينيين".
بينما قال مدير الجالية الفلسطينية في تشيلي، دييجو خميس: "نحن متحدون في مواجهة الحرب. إنها معاناة يومية".
وفي رياضة يُعاقب فيها الرياضيون إذا عبروا عن مواقف سياسية، لا سيما في قضايا حساسة مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يُعتبر نادي بالستينو استثناءً بارزاً، إذ يُظهر بوضوح سياساته المؤيدة لفلسطين، سواء على قمصانه أو مقاعد الاستاد، أو في أي مكان آخر يمكن أن يظهر فيه.
وذكرت "أسوشيتد برس" أن التصرفات "الجريئة" للنادي تسببت في إثارة شعور سابق بالاستياء، حيث فرض اتحاد كرة القدم التشيلي غرامة على النادي في عام 2014، بسبب تصميم الرقم "1" على ظهر قمصان الفريق على شكل خريطة فلسطين قبل تأسيس إسرائيل في عام 1948.
وأضافت الوكالة أن فخر اللاعبين الشديد بهويتهم الفلسطينية لم يحدث جدلاً كبيراً في تشيلي، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، ويعيش فيه 500 ألف شخص من أصل فلسطيني.
وقال جيمي بركات، وهو أحد مشجعي نادي بالستينو، ويعمل بائع شاورما: "إنها أصولنا، وتشعرنا كأننا في وطننا".
رئيس تشيلي: إسرائيل "دولة إبادة"
وانتقد الرئيس التشيلي اليساري جابرييل بوريك، الذي وصف إسرائيل بأنها "دولة إبادة جماعية وقاتلة" خلال حملته الانتخابية في عام 2021، بشدة الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة.
كما استدعت حكومته السفير الإسرائيلي، وساندت دعوى جنوب إفريقيا التي تقاضي إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب جريمة "إبادة جماعية" في غزة، والتي تنفيها تل أبيب، بحسب "أسوشيتد برس".
وردت إسرائيل على ذلك، منتقدة تشيلي لما تعتبره رداً غير كافٍ على الهجوم "الوحشي" الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، على جنوب إسرائيل.
وأعربت الجالية اليهودية الصغيرة في تشيلي، التي تضم 16 ألف فرد، عن قلقها. وقالت في بيان: "(الرئيس) بوريك، الذي يتحدث كثيراً عن السلام، جلب الصراع الدائر في الشرق الأوسط إلى تشيلي".
في المقابل، يقول فلسطينيون في تشيلي إن الصراع في الشرق الأوسط نُقل إلى البلاد قبل عقود من تولي بوريك، ما أدى إلى موجات من النزوح شكلت التاريخ "المذهل" للهجرة العربية إلى هذا البلد الواقع على ساحل المحيط الهادئ منذ أواخر القرن الـ19، مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، وترسخ الحركة الصهيونية.
وفي عام 1920، وافقت عصبة الأمم التي سبقت الأمم المتحدة على الانتداب البريطاني على فلسطين، ما أشعل توتراً بشأن إعلان "بلفور" البريطاني، الذي وعد بفلسطين التاريخية كوطن للشعب اليهودي.
وعبر المزيد من الفلسطينيين المحيط الأطلسي، وخاضوا رحلات شاقة عبر جبال "الإنديز" على ظهور البغال للوصول إلى تشيلي البعيدة. وفي نفس العام، أسست مجموعة من عشاق كرة القدم الفلسطينيين نادي "بالستينو" في مدينة أوسورنو الجنوبية.
وتوسعت الجالية الفلسطينية في تشيلي بشكل كبير بعد حرب 1948 التي صاحبت إنشاء دولة إسرائيل، حيث فرّ أو تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم فيما يُعرف بـ"النكبة"، ليتشتتوا في مختلف أرجاء العالم.
وفي عام 1947، تحوّل النادي الكروي المتواضع إلى نادٍ محترف، ليصبح مصدر فخر للجالية الفلسطينية. وسريعاً ارتقى إلى دوري الدرجة الأولى في تشيلي وفاز بخمسة ألقاب رسمية، ما زاد من شعبيته حتى وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط.
وجذبت الرسالة السياسية للفريق مشجعين من جميع أنحاء تشيلي، وهي دولة مولعة بكرة القدم تتميز بروحها النشطة في العمل الاجتماعي، ويقودها رئيس كان ناشطاً سابقاً في الاحتجاجات، ما أكسبه دعماً حتى خارج حدود البلاد، وفقاً للوكالة.
وعلى الرغم من كونه نادياً صغيراً لكرة القدم، بمتوسط حضور لا يتجاوز 2000 مشجع لكل مباراة، يعد نادي "ديبورتيفو بالستينو"، المشارك الدائم في البطولات القارية، ثالث أكثر الأندية التشيلية متابعة على إنستجرام، إذ يتابعه أكثر من 741 ألف شخص.
ويأتي في هذا الترتيب بعد منافسيه التقليديين "يونيفرسيداد دي تشيلي" (791 ألف متابع) و"كولو-كولو" (2.3 مليون متابع).