الصين تسعى لتلحق بركب شركة إيلون ماسك الفضائية

نموذج أولي لمركبة ستارشيب الفضائية التابعة لسبيس إكس قبل أن يقدم إيلون ماسك من سبيس إكس تحديثًا لصاروخ المريخ التابع للشركة في بوكا تشيكا، تكساس، الولايات المتحدة في 28 سبتمبر 2019 - REUTERS
نموذج أولي لمركبة ستارشيب الفضائية التابعة لسبيس إكس قبل أن يقدم إيلون ماسك من سبيس إكس تحديثًا لصاروخ المريخ التابع للشركة في بوكا تشيكا، تكساس، الولايات المتحدة في 28 سبتمبر 2019 - REUTERS
دبي-بلومبرغ

برزت الشركات الصينية سريعاً كقوّة رائدة عالمياً في شتى مجالات التقنية المتقدمة التي توليها الحكومات أهمية قصوى، مثل المركبات الكهربائية والمسيّرات المدنية وألواح الطاقة الشمسية.

لكن الصين لم تحرز تقدماً في قطاع واحد، فبعد أكثر من عقد على إطلاق الرئيس شي جين بينج حزمة إصلاحات لتحفيز الشركات الناشئة الصينية المتخصصة في مجال الفضاء، ما يزال مصنّعو المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية المحليون بعيدين كل البعد عن منافسة شركة "سبيس إكس"، متصدرة القطاع.

تفوّق "سبيس إكس"

تشغّل شركة إيلون ماسك أكثر من 600 قمر "ستارلينك" اصطناعي وهي توفر خدمات الإنترنت من الأرجنتين إلى زيمبابوي، في حين لا تشغّل الشركات الصينية إلا بضع عشرات الأقمار.

إلى ذلك، فإن "سبيس إكس" رائدة في إعادة استخدام أجزاء صواريخها، ما يمكّنها من تقليص التكاليف إلى حد كبير. وهي اليوم بصدد اختبار صاروخ "ستارشيب" الأكبر القابل لإعادة الاستخدام. في المقابل، ما تزال الشركات الصينية تعتمد على الصواريخ  أحادية الاستخدام المبنية على تقنيات قديمة.

تستقطب شركة ماسك عملاء من حول العالم يرغبون بنقل شحناتهم على متن مركباتها، في المقابل تقتصر الصواريخ الصينية في الغالب عن نقل حمولات محلية. لا عجب إذاً أن تكون "سبيس إكس" قد أطلقت نحو 100 رحلة فضائية في 2023، بواقع ثمانية أضعاف إجمالي ما أطلقته الشركات الصينية الناشئة الخاصة مجتمعة.

وقد توسعت هذه الفجوة أكثر هذا العام، حيث أطلقت الشركات الصينية الناشئة أقل من 10 رحلات فضائية، مقابل أكثر من 90 رحلة قامت بها صواريخ "فالكون" التابعة لماسك. أطلقت الصين نحو 50 رحلة فضائية هذا العام حتى شهر سبتمبر إذا ما احتسبنا المركبات الفضائية التي تملكها الحكومة.

قال هوو ليانج، الرئيس التنفيذي لشركة "ديب بلو إيروسبيس" (Deep Blue Aerospace) الناشئة المتخصصة بتطوير الصواريخ المعززة القابلة لإعادة التدوير حتى تُستخدم في رحلات جوية متعددة، إن "صواريخهم تحلّق بانتظام وتقوم بمهام تجارية، في حين لم تتقن الصين هذه التقنية بعد".

لكن الصين عازمة على تغيير هذا الواقع. على الرغم من أن الشركات الصينية تبلي حسناً مقارنة بنظيراتها في أوروبا والهند واليابان، فإن طموح شي جين بينج ليس منافسة لاعبين من الفئة الثانية أو الثالثة. فهو كان قد أكد في اجتماع مع عدد من علماء الفضاء في 23 سبتمبر في بكين، أنه يسعى "لتحويل الصين إلى قوة عظمى في مجال الفضاء".

دعم شركات الفضاء الخاصة

في غضون ذلك، تحرص حكومة الصين على مدّ قطاع الفضاء بمزيد من الدعم، بما يشمل المساعدة في تطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، تضمّنت مثلاً إنشاء مركز جديد في بكين للمساعدة في تعليم هذه التقنية للشركات.

في سبتمبر، أجرت كل من الشركتين الناشئتين "ديب بلو" (Deep Blue) و"لاند سبيس تكنولوجي" (LandSpace Technology)  اختباري إقلاع عمودي كانا الأكثر طموحاً لهما، وهما ضروريان من أجل تطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام. كما تستعد عدة شركات ناشئة، إلى جانب شركات تملكها الحكومة، لتنفيذ مهام فضائية في 2025 و2026.

في غضون ذلك، سرّع صانعو الأقمار الاصطناعية الصينية عمليات الإنتاج، فيما تعمل الشركات على توسيع شبكات اتصالاتها المدارية. وفي أغسطس، أطلق صاروخ صيني 18 قمراً اصطناعياً من طراز "سبيس سيل" (Spacesail) إلى المدار، كدفعة أولى من كوكبة منتظرة في المدار الأرضي المنخفض هدفها منافسة "ستارلينك".

وكانت شركة "جيسبيس" (Geespace) التابعة لمجموعة "جيجانغ جيلي" الحكومية للسيارات أطلقت 10 أقمار اصطناعية إلى المدار الأرضي المنخفض في سبتمبر، في ثاني عملية إطلاق رحلات فضائية لها هذا العام. وتملك "جيلي" اليوم 30 قمراً اصطناعياً، وتخطط لتكوين كوكبة من 72 قمراً اصطناعياً بحلول نهاية 2025. 

تسعى الحكومة لتسهيل عمليات إطلاق المركبات الفضائية عبر منشأة جديدة ممولة من الدولة مخصصة للمشغلين التجاريين، وتستوعب أكثر من عشرة أنواع من الصواريخ، وتخدم أكثر من ثلاثين إطلاقاً سنوياً، وهي تقع على ساحل مقاطعة هاينان. وأشارت وسائل إعلام حكومية إلى أن المنشأة ستشهد أول رحلة فضائية لصاروخ من صنع القطاع الخاص في 2025.

حتى الآن، كانت الحكومة تحصر استخدام منشآت هاينان بالشركات الحكومية التي لديها ارتباطات عسكرية، ما اضطر الشركات الناشئة لاستخدام منشآت نائية في المناطق الداخلية أو منصات إطلاق عائمة في البحر.

وقال تسيانوي لي، الشريك الإداري في شركة "جنشنغ كابيتال" (Zhencheng Capital) الصينية المتخصصة بالاستثمارات الرأسمالية التي استثمرت في "ديب بلو"، إن "الصين تواجه تحدياً واضحاً مقارنة بالولايات المتحدة في ما يخص مواقع الإطلاق".

التعلم من التجربة الأميركية

على مقربة من المنشأة، يقع مركز "وينتشانج" للحوسبة الفائقة الفضائية الذي اكتمل بناؤه العام الماضي بتكلفة تقارب 1.2 مليار يوان (169 مليون دولار)، وهو مركز الحوسبة الفائقة الوحيد في البلاد الذي يركز على قطاع الفضاء. ويضم المركز 36 جهاز كمبيوتر تم تجهيزها بوحدات معالجة الرسومات (A100) من شركة "إنفيديا" كان قد استحصل عليها قبل حظر واشنطن تصدير مثل هذه الرقاقات المتطورة إلى الصين في 2022.

قال آر. لينكولن هاينس، الأستاذ المساعد في كلية "سام نان" للعلاقات الدولية في معهد جورجيا للتقنية: "يدور حديث بأن الحكومة لم تبذل الجهد الكافي" لدعم القطاع. لكن المنشآت الجديدة في هاينان "تشي بحصول تحوّل على أعلى المستويات من أجل توفير مزيد من الدعم لإنشاء قطاع فضائي تجاري ناجح".

مع ذلك، الصلاحيات التي يمكن لشي جين بينغ أن يتنازل عنها لصالح القطاع الخاص محدودة. فالدعم المالي الذي تلقته الشركات الصينية يكاد لا يُقارن بما حصلت عليه شركة ماسك التي حصدت على مرّ 20 عاماً عقوداً تفوق قيمتها 18 مليار دولار من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) والبنتاغون وغيرهما من المؤسسات الاتحادية. في المقابل، ركزت حكومة شي دعمها المالي بشكل رئيسي على شركات تملكها الدولة وترتبط بجيش التحرير الشعبي.

استبعدت ألانا كروليكوفسكي، أستاذة العلوم السياسية المساعدة في جامعة ميزوري للعلوم والتقنية تكليف الشركات الناشئة ببناء كوكبة الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض نظراً لجسامة هذه المهمة. وقالت: "المرادف الصيني لـ(ستارلينك) ليس مشروعاً تجارياً تقليدياً، بل جزء أساسي من البنية التحتية للدفاع الوطني، وهذا أمر لا نقاش حول بنائه".

لكن حتى لو قادت شركات حكومية هذه المشاريع الفضائية الاستراتيجية، فإن الشركات الناشئة ستلعب دوراً أكبر في السنوات المقبلة، حسب كلايتون سوب، الزميل الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

قال سوب: "صحيح أن الصين متأخرة في السباق من حيث الزمن"، لكن هذا يعني أن بإمكان بكين اتباع خارطة الطريق التي وضعتها الحكومة الأميركية على مرّ الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتلاحقة من أجل دعم "سبيس إكس" فيما كانت تنمو. بإمكان شي أن "يعود عشر سنوات للوراء ليرى كيف كان الأمر بما أنهم يحاكون طريقة الولايات المتحدة في ذلك".

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ

تصنيفات

قصص قد تهمك