كشف معهد ألفريد فيجنر للبحوث القطبية والبحرية عن تقنية مبتكرة، للتعرف على دور تغير المناخ في الأحداث الجوية اليومية والمتطرفة، وباستخدام نماذج جديدة، تمكّن العلماء من قياس "بصمات" الاحترار العالمي في الكوارث الجوية التي تضرب مناطق مختلفة.
وساعدت هذه النماذج في تفسير أحداث جوية مؤثرة، مثل العاصفة بوريس التي جلبت أمطاراً غزيرة وفيضانات مدمرة لأوروبا الوسطى والشرقية في سبتمبر 2024، وأثارت تساؤلات حول دور التغير المناخي في تفاقم الكارثة.
وابتكر الباحثون في المعهد أسلوباً جديداً يُعرف بـ"السيناريوهات الوصفية" الذي يجيب على سؤال: "ماذا لو؟".
وتسمح هذه الطريقة بمقارنة الأحداث الجوية الفعلية مع سيناريوهات مناخية متعددة، بما في ذلك سيناريو عالم خالٍ من التغير المناخي، ومن خلال هذه المقارنة، يمكن بوضوح التعرف على تأثير الاحترار العالمي في هذه الأحداث، سواء كانت أحداثاً متطرفة، أو يومية.
ويمكن أن تقدم "السيناريوهات الوصفية" وسيلة لفهم الكوارث الجوية، ليس فقط من خلال الاحتمالات، بل من خلال تصوير سيناريو واقعي يمكن للجمهور وصناع القرار فهمه بسهولة.
يساهم التغير المناخي في زيادة شدة وتكرار بعض الظواهر الجوية المتطرفة، مثل موجات الحر الشديدة، والعواصف العنيفة، والأمطار الغزيرة.
كما يمكن أن يؤثر التغير المناخي على طول وشدة الفصول، فمثلاً قد تصبح فصول الصيف أطول وأشد حرارة، وقد تتقلص فترات الشتاء أو تصبح أقل برودة في بعض المناطق.
العاصفة بوريس
وأدت العاصفة بوريس في سبتمبر 2024 إلى أمطار غزيرة وفيضانات ضخمة في بولندا، والتشيك، والنمسا، ورومانيا، وكانت الأمطار المسجلة خلال فترة العاصفة من أعلى المعدلات المسجلة في هذه الدول.
ووفقاً للباحثين، فإن الاحترار العالمي تسبب في زيادة تساقط الأمطار بنسبة تقارب 9%، حيث كانت مياه البحر المتوسط والبحر الأسود أكثر دفئاً بمتوسط درجتين مئويتين عن المستويات الصناعية السابقة، ما أدى إلى زيادة تبخر المياه وتكثفها في الهواء، مما زاد من شدة العاصفة.
ويقول الباحثون إن نسبة 9٪ قد لا تبدو كبيرة، لكن في حالات الأمطار الغزيرة، يتوقف حجم الأضرار على كمية المياه ومدى استيعاب الأنظمة المائية لها، مما يجعل الفرق كبيراً في الواقع.
استناداً إلى بيانات الرياح، طوّر الباحثون نظاماً "يوجّه" النماذج المناخية لتتبع الظروف الجوية الحقيقية، حيث يتم إدخال بيانات الرياح المرصودة في النموذج، مثل سرعة التيار، وتوجيهه نحو الطقس الفعلي، ومن ثمَّ تعديل خلفية النموذج لتظهر نسخة مناخية مختلفة، خالية من تأثيرات التغير المناخي.
النموذج المناخي لمعهد ألفريد فيجنر
تم تطوير التقنية الجديدة باستخدام النسخة CMIP6 من النموذج المناخي لمعهد ألفريد فيجنر ، وهي النسخة نفسها التي اعتمد عليها تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، مما يجعل هذه التقنية مبنية على بيانات دقيقة، وموثوقة تساعد في فهم التغيرات المناخية.
ويوفر هذا النموذج المناخي معلومات شاملة، ومحدّثة حول أنماط الطقس الحالية، ومقارنات بالسيناريوهات المناخية المختلفة.
كما أصبحت الأداة الجديدة متاحة للجمهور، مما يسمح للمستخدمين حول العالم بمعرفة تأثيرات التغير المناخي اليومية، من خلال بيانات محدّثة حول "إشارة تغير المناخ اليومية"، والتي توضح مدى ارتباط التغير المناخي بالأحداث الجوية المتطرفة والأحوال الجوية الاعتيادية.
تحليل تفاعلي للمناخ
يتوفر التحليل بشكل تفاعلي، إذ يتم تحديث البيانات يومياً، مع تأخير بسيط لا يتجاوز ثلاثة أيام عن الوقت الفعلي، ما يجعل الأداة قادرة على تقديم معلومات قريبة من الواقع الحالي.
وتشمل الأداة بيانات تفصيلية حول درجة الحرارة، وكميات هطول الأمطار منذ بداية يناير 2024، ما يتيح للمهتمين من باحثين ومختصين ومواطنين عاديين متابعة تطورات الطقس، ومراقبة تأثيرات الاحترار العالمي بشكل تفاعلي، ومباشر على مدار العام.