أظهرت دراسة حديثة، نُشرت في دورية "بلوس بيولوجي" أن بيانات تصوير الدماغ التي جُمعت من الأجنَّة والرضَّع كشفت عن زيادة كبيرة وسريعة في الترابط الوظيفي بين مناطق الدماغ على مستوى عالمي عند الولادة.
وعند الولادة، يواجه المولود عالماً جديداً مليئاً بالمحفزات الخارجية التي لم يكن يتعرض لها داخل الرحم، مثل الضوء، والأصوات، واللمس.
وتبدأ هذه التغيرات العصبية في الأسابيع الأخيرة من الحمل وتستمر بعد الولادة، مع تركيز خاص على الشبكات العصبية الأساسية مثل الشبكة تحت القشرية، وشبكة الحركة الحسية، والشبكة الجبهية العلوية، وتعد هذه الشبكات محورية في استقبال المعلومات الخارجية ومعالجتها.
ولاحظ العلماء وجود تغييرات كبيرة وسريعة في كيفية تواصل وتفاعل مناطق مختلفة في الدماغ مع بعضها البعض عند الولادة.
ويشير الترابط الوظيفي إلى تحسين قدرة الدماغ على تنظيم وتنسيق المعلومات بين أجزائه المختلفة، وهو أمر ضروري للتكيف مع البيئة الخارجية بعد الخروج من الرحم.
كما تسلط الضوء على المراحل الأولى من تطور الدماغ البشري، وتُساهم في فهم أعمق للعمليات العصبية الحاسمة التي تُمهد للتكيف مع البيئة الخارجية، مما يفتح آفاقاً جديدة لدراسة تأثير العوامل البيئية والاجتماعية على هذه العمليات.
شبكات الدماغ الوظيفية
وقال الباحثون إن الدراسة توثّق لأول مرة التغيرات المهمة في شبكات الدماغ الوظيفية خلال الانتقال من الرحم إلى العالم الخارجي.
وأوضح الباحثون أن الأطفال يولدون مع دماغ مجهز للانتقال من بيئة محمية وثابتة (داخل الرحم) إلى بيئة معقدة ومتغيرة (العالم الخارجي) ويُعتبر التغير العصبي السريع جزءاً من العملية الطبيعية التي تجعل الدماغ قادراً على استقبال وتحليل المحفزات الخارجية، مثل الأصوات والضوء والتفاعل مع البيئة المحيطة.
وذكر الباحثون أن معرفة تسلسل وتوقيت تطور شبكات الدماغ الوظيفية في بداية الحياة البشرية أمر بالغ الأهمية، ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة كثيرة بشأن كيفية ظهور هذه الشبكات وتطورها خلال الانتقال من الحياة داخل الرحم إلى الحياة الخارجية.
وللإجابة على هذه التساؤلات، استعان الباحثون ببيانات واسعة من التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لدراسة المسارات التطورية لشبكات الدماغ الوظيفية من عمر 25 إلى 55 أسبوعاً بعد الحمل، وشملت العينة النهائية للدراسة 126 مسحاً لأجنّة و58 مسحاً لرضَّع بمجموع 140 مشاركاً.
نمو مناطق الدماغ
وكشفت الدراسة عن أنماط نمو متميزة في مناطق مختلفة من الدماغ، إذ لم تكن التغيرات العصبية متساوية في جميع أنحاء الدماغ.
وأظهرت الدراسة أن بعض المناطق شهدت تغيرات طفيفة في الترابط الوظيفي في حالة الراحة، وهو مقياس يُعبّر عن الترابط بين إشارات الأكسجين في الدم بين مناطق الدماغ أثناء عدم القيام بأي مهمة محددة.
في المقابل، أظهرت مناطق أخرى تغييرات جذرية في هذا الترابط عند الولادة، مثل الشبكة تحت القشرية، وشبكة الحركة الحسية، والشبكة الجبهية العلوية.
وتحدّث الباحثون عن أن الشبكة تحت القشرية تتميز بزيادة كبيرة في كفاءة الاتصال بين العقد المجاورة، مما يعكس دورها كمحور مركزي في نقل المعلومات بين القشرة الدماغية والمناطق الأخرى.
ووجد الباحثون أيضاً زيادة تدريجية في الكفاءة العامة في الشبكات الحسية الحركية والمناطق الجبهية الجدارية، خلال الفترة الممتدة من الجنين إلى حديث الولادة، مما يشير إلى إنشاء أو تعزيز الروابط العصبية مع التخلص من الروابط الزائدة.
ويمكن أن تمهد النتائج الطريق لأبحاث مستقبلية حول تأثير العوامل البيئية على تطور الدماغ، وقد تكشف الدراسات المستقبلية عن تأثيرات الجنس، والولادة المبكرة، والضغوط أثناء الحمل على توقيت ونمط نمو شبكات الدماغ لدى الأطفال.