أمل جديد لعلاج أورام الدماغ دون التأثير على وظائف الحركة والإدراك

صورة أشعة تكشف الورم الأرومي النخاعي في مؤخرة رأس مريض - الشرق
صورة أشعة تكشف الورم الأرومي النخاعي في مؤخرة رأس مريض - الشرق
القاهرة-محمد منصور

كشفت دراسة جديدة نُشرت نتائجها في دورية "علم الأورام السريرية" عن طريقة جديدة لعلاج الورم الأرومي النخاعي؛ أحد أكثر السرطانات فتكاً بالأطفال.

ويعد الورم الأرومي النخاعي سرطاناً نادراً يحدث في الدماغ، ورغم ندرته إلا أنه غالباً ما يكون قاتلاً في مرحلة الطفولة، إذ يمكن أن ينتشر هذا السرطان من خلال السائل النخاعي مُكوناً ورماً في مكان آخر في الدماغ أو العمود الفقري. 

وفي الغالب، يتكون بروتوكول العلاج من جرعات من الإشعاع للدماغ والعمود الفقري بالكامل متبوعاً بجرعة إشعاعية إضافية إلى الجزء الخلفي من الدماغ تمنع هذا الانتشار، إلا إن الإشعاع المستخدم في علاج مثل هذه الأورام يؤثر سلباً على الدماغ، ويدمر الوظيفة الإدراكية، خاصة في المرضى الأصغر سناً الذين بدأت أدمغتهم للتو في التطور.

أعراض جانبية أقل

وأشارت الدراسة الأميركية الجديدة التي قادها علماء من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس ومستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال إلى أن الأطفال الذين يعانون من "الورم الأرومي النخاعي المتوسط الخطورة" يمكن أن يتلقوا "دفعة" إشعاعية مُسلطة على حجم أصغر من الدماغ في نهاية دورة علاج إشعاعي مدتها ستة أسابيع.

وقال الباحثون إن تلك الدفعة على منطقة أصغر لا تزال تحافظ على السيطرة نفسها على المرض مثل أولئك الذين يتلقون الإشعاع في منطقة أكبر لكن مع أعراض جانبية إدراكية أقل.

لكن الباحثين وجدوا أيضاً أن جرعة العلاجات الإشعاعية الوقائية التي تُعطى للمخ والعمود الفقري بالكامل على مدار نظام الستة أسابيع لا يمكن تقليلها دون تقليل معدل بقاء الأطفال على قيد الحياة. 

استجابة مختلفة

وأظهر الباحثون في الدراسة نفسها أن سرطانات المرضى تستجيب بشكل مختلف للعلاج اعتماداً على بيولوجيا الأورام، ما يعني أن كل طفل "حالة مخصصة" يجب أن تتلقى جرعات إشعاعية مختلفة تعتمد على شكل الورم وتركيبته وطريقة انتشاره.

ويمهد ذلك الاكتشاف الطريق أمام تجارب سريرية مستقبلية من أجل المزيد من العلاجات المستهدفة لمكافحة السرطان.

ولدى الأطفال الذين يعانون من الورم الأرومي النخاعي متوسط الخطورة، معدلات بقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات في 75% إلى 90% من الحالات. في المقابل، تبقى نسبة 50% من الأطفال الذين يعانون من "الورم الأرومي النخاعي عالي الخطورة" على قيد الحياة لمدة خمس سنوات. وتساعد العوامل الأخرى -مثل عمر الطفل وما إذا كان الورم قد انتشر- في تحديد فئة الخطر. 

وفي هذه الدراسة، ركز الباحثون على المرضى الذين يعانون من ورم أرومي نخاعي متوسط الخطورة. ووصف أستاذ علاج الأورام جيف ميشالسكي، وهو مؤلف الدراسة الأول الورم الأرومي النخاعي بـ"المدمر" مشيراً إلى أن تطوره في منطقة المخيخ والجزء الأسفل من الدماغ.

وأوضح ميشالسكي، أن هاتين المنطقتين تحديداً (المخيخ والجزء الأسفل من الدماغ)، مناطق مسؤولة عن الحركة والكلام والتوازن، ما يصعب من إجراءات العلاج، خاصةً عند الأطفال الأصغر سناً الذين تكون أدمغتهم نشطة ولا تزال تتطور، وبالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين العلاج الفعال للورم دون الإضرار بقدرة الأطفال على الحركة والتفكير والتعلم.

مواءمة علاجية

عادةً ما يخضع الأطفال المصابون بالورم الأرومي النخاعي المتوسط الخطورة لعملية جراحية لإزالة أكبر قدر ممكن من الورم. كما يتلقون العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي لمنع انتشار الورم إلى أجزاء أخرى من الدماغ والعمود الفقري من خلال السائل النخاعي.

وفي تلك الدراسة، أراد الباحثون التحقيق فيما إذا كان بالإمكان تقليل كمية الإشعاع التي يتلقاها هؤلاء المرضى بأمان، مع تجنيب الأجزاء الطبيعية من الدماغ تلقي جرعات الإشعاع وتقليل الآثار الجانبية للأطفال المصابين بهذا النوع من سرطان الدماغ مع الحفاظ أيضاً على فعالية العلاج. 

ووجد الباحثون أن تقليل جرعة الإشعاع المتلقاة على مدار 6 أسابيع من العلاج كان له تأثير سلبي على البقاء على قيد الحياة. ولكنهم وجدوا في الوقت ذاته أن يُمكن تقليل حجم المنطقة الدماغية التي تتلقى دفعة إشعاعية دون فقدان هدف العلاج، ودون أن يتسبب ذلك الأمر في انتشار الورم لمناطق أخرى.

وقام الباحثون بالتعاون مع مستشفيات الأطفال في جميع أنحاء الولايات المتحدة ودولياً، بتقييم 464 مريضاً تم علاجهم من ورم أرومي نخاعي متوسط الخطورة تم تشخيصه بين سن 3 و21 عاماً. 

في تلك التجربة، تلقى بعض المرضى جرعة قياسية حجمها 23.4 جراي (وحدة قياس الجرعة الإشعاعية) أو جرعة منخفضة (18 جراي) من الإشعاع على منطقة الرأس والعمود الفقري في كل 30 جلسة علاجية على مدى 6 أسابيع. وتلقى جميع المرضى الأكبر سناً الجرعة القياسية، لأن نمو دماغهم يجعلها أقل عرضة للإشعاع. 

"الحفرة الخلفية"

بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين جميع المرضى بشكل عشوائي لتلقي دفعتين مختلفين من الإشعاع في نهاية الأسابيع الستة من العلاج. 

ومن أجل تعزيز العلاج، تلقى جميع المرضى جرعة إشعاع تراكمية قدرها 54 جراي إما للمنطقة بأكملها من الدماغ المسماة "الحفرة الخلفية" والتي تشمل المخيخ أو إلى منطقة أصغر من الدماغ تتضمن المخطط الأصلي للورم بالإضافة إلى هامش إضافي يصل إلى حوالي 2 سم خارج حدود الورم الأصلية.

وأوضح الباحثون أن المرضى الذين عولجوا بدفعات إشعاع على منطقة ذات حجم أقل من الدماغ حصلوا تماماً على الفوائد العلاجية مثل أولئك الذين تلقوا دفعة الحفرة الخلفية بأكملها.

بالنسبة للمرضى الذين يتلقون علاجاً إشعاعياً على منطقة ذات حجم أصغر من الدماغ. فقد عاش 82.5% منهم لمدة خمس سنوات دون تفاقم السرطان. 

وبالنسبة لأولئك الذين يتلقون حجماً أكبر من التعزيز للحفرة الخلفية بأكملها، نجا 80.5% منهم لمدة خمس سنوات دون تفاقم المرض. وهذا يعني أن المرضى الذين تلقوا إشعاعاً على منطقة دماغية ذات حجم أصغر تحسنت لديهم مستويات البقاء على قيد الحياة.

ولكن بالنسبة للأطفال الأصغر سناً، فإن الجرعة الأقل من الإشعاع على مدى 6 أسابيع لم تسفر عن أرقام بقاء مماثلة. 

أورام فرعية

وكشف الفريق البحثي أنه من بين أولئك الذين يتلقون الجرعة القياسية من الإشعاع نجا حوالي 83% من خمس سنوات دون تفاقم السرطان، أما أولئك الذين تلقوا جرعة أقل، نجا حوالي 71% من خمس سنوات دون تفاقم السرطان، وهو اختلاف في معدلات بقاء له دلالة إحصائية.

ولفت الباحثون إلى أنه وبشكل عام، ليس من الآمن خفض جرعة الإشعاع لدى الأطفال المصابين بالورم الأرومي النخاعي، حتى لو كانت الجرعة الأقل قد تحافظ على وظائفهم الإدراكية. 

ومع ذلك، فإن مجموعة فرعية معينة من المرضى - أولئك الذين لديهم طفرات في جين يسمى WNT - تحسنت لديهم معدلات البقاء، لذا يعمل الباحثون الآن على دراسة ما إذا كان خفض مستويات الإشعاع في فئة مُحددة من المرضى يُمكن أن يسفر عن نتائج أفضل.

ويتم تصنيف الورم الأرومي النخاعي إلى أربع مجموعات فرعية جزيئية بناءً على تعبيرها الجيني، فأورام المجموعة الأولى لها طفرات في مسارات إشارات WNT، الثاني لديه طفرات في جين يسمى SHH، وأورام المجموعتين الثالثة والرابعة لها أنماط مختلفة وأكثر تعقيداً من الطفرات الجينية. 

ووجد الباحثون اختلافات في استجابات الأورام للعلاج بناءً على بيولوجيا الورم التي يمكن أن توجه تصميم التجارب السريرية المستقبلية.

وأكد الباحثون أن نتائج الدراسة التي أجريت على مدار 15 عاماً، ستلعب دوراً كبيراً في تصميم الجيل التالي من التجارب السريرية، كما ستلقي الضوء على مزيد من المعلومات حول الاختلافات المهمة في الكيفية التي تستجيب بها أورام الأطفال الأرومية.