طوَّر فريق من الباحثين طريقة جديدة تتيح تحضير هياكل نانوية متجانسة مباشرة من البوليمرات الكتلية بسرعة غير مسبوقة، والتي تدخل في تطبيقات واسعة النطاق، من بينها الطب والتكنولوجيا وغيرهما.
وتقلل هذه التقنية وقت المعالجة من أسبوع كامل إلى بضع دقائق فقط، مما يسمح بالإنتاج السريع، والمتطور للمواد النانوية البوليمرية بدقة عالية.
تُمثّل هذه التقنية الجديدة نهجاً قوياً وقابلاً للتطوير، يتيح إنتاج جزيئات نانوية معقَّدة، ومتنوعة بكفاءة غير مسبوقة، مما يمهد الطريق لتطبيقات واسعة النطاق في الهندسة الطبية الحيوية، والتحفيز الكيميائي، ونقل الطاقة.
والهياكل النانوية مواد، أو مكونات صغيرة جداً، يتراوح حجمها بين 1 و100 نانومتر، أي أصغر بنحو 1000 مرة من عرض شعرة الإنسان.
خواص فريدة
وتتميز هذه الهياكل بخواص فيزيائية وكيميائية فريدة، مثل زيادة المساحة السطحية، وتحسين التوصيل الكهربائي والحراري، وخصائص ميكانيكية محسَّنة، مما يجعلها مثالية لتطبيقات متقدمة في مجالات متعددة.
بفضل خصائصها الفريدة، تُستخدم الهياكل النانوية في العديد من المجالات، حيث تلعب دوراً مهماً في الطب، والعلاج الدوائي من خلال أنظمة توصيل الأدوية التي تستهدف الخلايا بدقة، مثل الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية، ويزيد من كفاءة العلاج، كما تُستخدم في تصنيع المواد الحيوية لتعزيز زراعة الأنسجة والعظام.
الهياكل النانوية وتكرير النفط
وفي مجال الطاقة والبيئة، تسهم في تحسين أداء بطاريات الليثيوم-أيون، وتطوير الخلايا الشمسية النانوية التي تزيد من كفاءة امتصاص الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى استخدامها في تنقية المياه عبر مرشحات نانوية تزيل الملوثات بكفاءة عالية.
أما في الإلكترونيات والتكنولوجيا، فتُستخدم في تصنيع الدوائر الإلكترونية النانوية التي تجعل الأجهزة أسرع وأصغر حجماً، كما تسهم في تطوير الشاشات عالية الدقة.
وفي الصناعات الكيميائية والمواد، تُستخدم في الطلاءات المقاومة للماء والخدوش، وفي تحفيز التفاعلات الكيميائية مثل تكرير النفط.
ومن أبرز أمثلة الهياكل النانوية النقاط الكمية المستخدمة في شاشات التلفزيون، والأنابيب النانوية الكربونية التي تعزز أداء الإلكترونيات والمواد خفيفة الوزن، والجسيمات النانوية الذهبية التي تُستخدم في الطب الحيوي للكشف عن الأمراض، والأغشية النانوية التي تساهم في تنقية المياه.
مشكلة رئيسية
تتمثل المشكلة الرئيسية في إنتاج الهياكل النانوية في صعوبة تحقيق الدقة والتجانس على نطاق واسع، حيث تتطلب الطرق التقليدية فترات زمنية طويلة قد تمتد لأيام، مما يحد من إمكانية الإنتاج بكميات كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات المستخدمة غالباً ما تكون معقَّدة ومكلفة، وتتطلب ظروفاً بيئية دقيقة للحفاظ على استقرار وتناسق الجسيمات النانوية.
كما أن التحدي يكمن في السيطرة على حجم وشكل الهياكل النانوية، حيث إن أي اختلاف طفيف قد يؤدي إلى تغيير في خصائصها، مما يؤثر على فاعليتها في التطبيقات الطبية، والإلكترونية، والطاقية.
وتعتمد التقنية على إذابة البوليمرات في سائل داخل نظام تدفق مستمر، مما يسمح بتكوين بذور نانوية دقيقة ومتجانسة، ثم يتم دمج عملية تحضير هذه البذور مع تقنية التبلور الذاتي المحفَّز بالتحكم الحي، مما يقلل وقت الإنتاج من أيام إلى ثلاث دقائق فقط، وهو أمر يجعل تصنيع المواد النانوية أكثر سرعة وكفاءة.
وأكدت المؤلفة المشاركة في الدراسة، راشيل أورايلي، أن هذه الطريقة المبتكرة تقلل وقت التصنيع بشكل كبير، مما يتيح إنتاج هياكل نانوية عالية الجودة على نطاق واسع، وهو ما كان صعباً تحقيقه سابقاً.
من جانبه، قال المؤلف المشارك، أندرو بي دوف، إن دمج تحضير البذور مع التبلور الذاتي المحفَّز في نظام تدفق مستمر يُعد تغييراً جذرياً، حيث لا يعزز الكفاءة فقط، بل يضمن التناسق وإمكانية التكرار، وهما عنصران أساسيان في التطبيقات العملية.
فيما أشار المؤلف الرئيسي للدراسة، لايهو شياو، إلى أن استراتيجية التجميد السريع التي تم تطويرها كانت العامل الأساسي في تحقيق تكوين البذور بسرعة وانتظام، مما يفتح آفاقاً جديدة لتصنيع المواد النانوية الدقيقة على نطاق واسع.
المحاليل البوليمرية
المحاليل البوليمرية سوائل تحتوي على سلاسل طويلة من الجزيئات المعروفة باسم البوليمرات، والتي تُستخدم في تصنيع العديد من المواد مثل البلاستيك والمطاط، وعندما يتم "تشبّع" هذه المحاليل، فهذا يعني إذابة كميات كبيرة جداً من البوليمرات في سائل معين حتى تصل إلى الحد الأقصى الممكن من الذوبان.
ولتحسين هذه العملية، يُستخدم "نظام التدفق المستمر"، وهو تقنية حديثة تعتمد على تمرير السائل البوليمري داخل أنابيب، أو قنوات متحركة، بدلاً من إبقائه في وعاء ساكن كما في الطرق التقليدية ما يوفر تحكماً دقيقاً في التفاعل، ويجعل العملية أكثر كفاءة وسرعة، ويساعد في إنتاج مواد نانوية متجانسة بجودة عالية.
كما تعتمد هذه التقنية على تكوين المذيلات، وهي جزيئات صغيرة تشبه الكرات تتشكل عند خلط بعض المواد مع الماء، وتُستخدم بشكل واسع في الصناعات الدوائية والكيميائية، فعند تشبع المحاليل البوليمرية داخل نظام التدفق المستمر، تتشكل هذه المذيلات بطريقة متجانسة، أي أن جميع الجزيئات تتخذ نفس الحجم والشكل بدقة عالية، وهو أمر ضروري لضمان فعالية الهياكل النانوية في التطبيقات الطبية والطاقة.
ولتحقيق ذلك، يتم دمج تحضير البذور المتكومة مع التبلور الذاتي المحفَّز بالتحكم المستمر وهي عملية تسمح بترتيب الجزيئات البوليمرية تلقائياً في أنماط دقيقة أثناء التبريد، أو التركيز، مع تحكم دقيق في شكل وحجم الجسيمات الناتجة.
تطور كبير
وبعكس الطرق التقليدية التي تتطلب أياماً لإنتاج هذه الهياكل النانوية، فإن هذه التقنية الجديدة تدمج جميع المراحل في خطوة واحدة داخل نظام التدفق المستمر، مما يقلل زمن الإنتاج إلى ثلاث دقائق فقط.
ويجعل هذا التطور الكبير إنتاج المواد النانوية أسرع وأكثر كفاءة، مما يفتح الباب أمام استخدامها على نطاق واسع في التطبيقات الطبية والصناعية، مثل تطوير العقاقير المتقدمة وتحسين تقنيات تخزين ونقل الطاقة.
وتُمثّل هذه التقنية الجديدة نقلة نوعية في مجال إنتاج الجزيئات النانوية، حيث توفر نهجاً قوياً وقابلاً للتطوير، يتيح تصنيع هياكل نانوية معقَّدة ومتنوعة بكفاءة غير مسبوقة، مما يمهّد الطريق لتطبيقات واسعة النطاق في الهندسة الطبية الحيوية، والتحفيز الكيميائي، ونقل الطاقة.