اكتشاف علمي "مذهل" لـ3 أجناس بشرية في كهف واحد بسيبيريا

مجسم لرأس ووجه فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً من الجنس البشري في عصور ما قبل التاريخ، دينيسوفان، تم عرضه في مؤتمر صحافي بالقدس، 19 سبتمبر 2019 - REUTERS
مجسم لرأس ووجه فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً من الجنس البشري في عصور ما قبل التاريخ، دينيسوفان، تم عرضه في مؤتمر صحافي بالقدس، 19 سبتمبر 2019 - REUTERS
باريس -أ ف ب

سلطت تحاليل للحمض النووي الضوء على تاريخ موقع أحد كهوف سيبيريا والمسمى كهف "دينيسوفا"، نسبة إلى جنس بشري غامض لم يعد له أثر، وتعاقبت وتقاطعت أحياناً 3 أجناس من البشر في غابر الزمان لفترة تقرب من 300 ألف عام.

واكتُشفت أولى بقايا البشر القدماء من نوع إنسان دينيسوفا، القريب من جنس إنسان نياندرتال، سنة 2010 في كهف بجبال ألتاي الروسية.

تسلسل وراثي

ومن جزء بسيط من سلامية خنصر استخرج العلماء حمضاً نووياً، وتمكنوا من تحديد تسلسل وراثي لجين كامل من هذا الجنس. وباستثناء المتحجرات القليلة من الكهف وفك سفلي عُثر عليه في التيبت، لم يعد لهذا النوع البشري أي أثر.

عرض وجه واقعي للغاية لذكر إنسان نياندرتال في كهف في متحف إنسان نياندرتال الجديد في بلدة كرابينا، كرواتيا. 25 فبراير 2010 - REUTERS
وجه واقعي لذكر إنسان نياندرتال في كهف بمتحف إنسان نياندرتال الجديد ببلدة كرابينا، كرواتيا- 25 فبراير 2010 - REUTERS

ولكن المؤكد هو أن إنسان دينيسوفا تزاوج مع إنسان نياندرتال، إذ عُثر على بقايا متحجرة لطفل مولود من هذا التزاوج. وفيما اختفى إنسان نياندرتال عن سطح الأرض قبل نحو 40 ألف سنة، لا يُعلم بعد تاريخ اندثار إنسان دينيسوفا أو ما كان شكله.

وقد تزاوج هذا الإنسان أيضاً مع أفراد من مجموعة الإنسان العاقل "هومو سابينس"، وهو الإنسان المعاصر، تاركاً جزءاً من جيناته لدى مجموعات سكانية يعيش أفرادها حالياً في شرق آسيا وبابوا-غينيا الجديدة.

ولا تتوفر معلومات دقيقة بشأن متى حصل ذلك، كما أن التواريخ المحددة لذلك لا تزال غامضة. إلا أن دراسة جينية جديدة نشرتها أخيراً مجلة "نيتشر" تقدم بعض الإيضاحات في هذا المجال.

وفي ظل عدم وجود عظام قرر فريق من العلماء تحليل تربة الكهف. وقد جمعوا أكثر من 700 عينة من رواسب في طبقات مختلفة، ونجحوا في استخراج الحمض النووي للميتوكوندريا (الموروث من الأم)، وهي بقايا مجهرية عن الاحتكاك البشري محفوظة بفعل البرد.

3 أجناس من البشر

 وسمحت هذه البيانات، مع ربطها ببحوث مناخية، بوضع تصور علمي لتاريخ العيش في هذا الموقع على مر الزمن.

وكان أول القاطنين في المكان من جنس إنسان دينيسوفا قبل نحو 250 ألف سنة، "في فترة حارة نسبياً"، وفق ما أوضحت إيلينا زافالا، من معهد "ماكس بلانك" للأنثروبولوجيا التطورية، وهي معدة الدراسة. وقبل حوالي 190 ألف سنة، أصبح المناخ أكثر برودة، وظهر إنسان نياندرتال.

أما إنسان دينيسوفا، فقد اختفى مؤقتاً ثم عاد للظهور لاحقاً وتزاوج مع إنسان نياندرتال. وحصل تالياً هذا التمازج بين الجنسين القريبين على مر العصور، على ضوء التغيير في الأنظمة البيئية.

لكن هل تعايش الجنسان حقاً، وإذا كان الأمر قد حصل فعلاً، كم استمر ذلك؟ "الجواب صعب عن هذا السؤال نظراً إلى الفروق الزمنية الكبيرة" بين تواريخ تواجد هذين النوعين، وفق الباحثة.

وتشير الدراسة أيضاً إلى ظهور جنس ثالث هو الإنسان العاقل، قبل نحو 45 ألف سنة. ولم يكن وجود هذا النوع البشري في الموقع سوى فرضية طرحها اكتشاف أدوات معقدة، من دون أي دليل وراثي مرتبط بذلك. ومنذ ذلك الوقت، لم يعد الحمض النووي لإنسان دينيسوفا يظهر في طبقات الرواسب الأحدث عهداً.

كشف علمي كبير

وقالت سيلين بون، وهي عالمة وراثية في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس: "لدينا للمرة الأولى تاريخ لنهاية احتلال كهف إنسان دينيسوفا".

ولفتت بون إلى أن بحوث الحمض النووي في التربة "تبعث الأمل"؛ لأنها لا تؤدي إلى تلف أي شيء، خلافاً للتحليل الجيني للعظام القديمة التي تتسم بهشاشة فائقة.

ويقدم ذلك فكرة عن الفترة التي زال فيها هذا الجنس من كل المناطق التي استوطنها، وفق الباحثة التي لم تشارك في الدراسة.

وقالت أستاذة علم الوراثة في المتحف إيفلين إيير: "إنه اكتشاف مذهل، أشبه بفيلم يظهر من كان موجوداً وفي أي وقت في هذا الموقع العائد إلى 300 ألف سنة".

وأشارت إلى أن "النجاح في رصد كل هذه الجزيئات من الحمض النووي في وسط كومة تراب يشكل بطولة تكنولوجية"، ما يفتح -برأي إيير- آفاقاً بحثية واعدة.