أحلام الكوكب الأحمر.. لماذا فتن المريخ البشر على مر القرون؟

رسم تخيلي يظهر مستعمري المريخ في المستقبل يلاعبون أطفالهم على الكوكب الأحمر  - Getty Images/Stocktrek Images
رسم تخيلي يظهر مستعمري المريخ في المستقبل يلاعبون أطفالهم على الكوكب الأحمر - Getty Images/Stocktrek Images
القاهرة -محمد منصور

لم يحظ كوكب على مر التاريخ بالاهتمام الذي حظي به كوكب المريخ. فمنذ المرة الأولى التي لاحظ فيها البشر الكوكب الأحمر في السماء، فتنهم بلونه المختلف الغريب، وأسر لمعانه القلوب.

وكما يدور حول الشمس، دار الكوكب في فلك الثقافات المختلفة. أطلق عليه الرومان اسم إله الحرب "مارس". وسماه البابليون "نيرجال" على اسم إله الحرب والدمار. كما أطلق الإغريق عليه لفظ "آريس".. وسماه المصريون القدماء "حورس الأفق".

في الأزمنة الحديثة، ومع بداية عصر استكشاف الفضاء، زادت تطلعات البشر للكوكب الأحمر. كونه الأكثر تشابهاً مع كوكب الأرض من ناحية الحجم أو وجود جليد يُغطى قطبيه، أو حتى في حركة دورانه المتطابقة تماماً مع دوران الأرض، ومروره بالفصول الأرضية نفسها، وحتى تلقيه الكميات نفسها من الأشعة الشمسية.

ومع عشرت الأفلام السينمائية التي تتحدث عن المريخ، ترسخ في أذهان البشر بقوة احتمالية وجود حياة سابقة أو حتى حالية على سطح الكوكب أو في جوفه. كما أن الكوكب قريب نسبياً من الأرض، وهذا يعني أنه يُمكننا يوماً ما أن نذهب إلى هناك ونستعمر المريخ.

حياة مزعومة 

قبل 60 عاماً، كان معظم العلماء مقتنعين بوجود حياة على المريخ. فقبل تحليق مهمة "مارينر" حوله كان الباحثون يقولون بوجود نباتات على سطح الكوكب الأحمر. فطيف المريخ -لونه في الأشعة تحت الحمراء- يُحاكي لون الغطاء النباتي. وهو ما جعل العلماء يستنتجون وجود مادة "الكلوروفيل" على سطحه. وبالتالي وجود نباتات حية.

وإذا كانت هناك نباتات، فلم يكن من الصعب أن ينسج الخيال وجود "بشر من نوع ما على سطحه". حضارة ذكية قادرة على غزو الأرض. كائنات تمتلك عقلاً يستطيع التخطيط لغزو كوكبنا الأزرق، والقضاء علينا نحن البشر.

لكن مع الهبوط المتتالي لمسابير الفضاء، ودوران المركبات حوله، وابتكار تقنيات جديدة للتصوير، لم يجد البشر إلا الصحراء. ذابت الأحلام وتبخرت الأماني والمخاوف. فالكوكب الأحمر مجرد صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.. ولا حياة.

وعلى الرغم من ذلك، استمرت محاولات استكشاف المريخ، وآخرها مسبار الأمل الإماراتي، الذي سيصل في غضون 7 أشهر لمدار الكوكب الأحمر. لدراسة سطحه وسبر أغواره.

ولكن في غياب "الرجال الخضر الصغار" كما تصورهم أفلام الخيار العلمي، ما الذي يدفعنا للافتتان بالمريخ؟

AFP
حقائق أساسية عن كوكب المريخ - AFP

في كتاب "تخيل المريخ: تاريخ أدبي  Imagining Mars: A Literary history يقول الباحث في جامعة ماساتشوستس، بوب كروسلي، إن مجرد وجود احتمالية للحياة على كوكب المريخ "جعل الجماهير تتهافت على أخباره، كما أكسبهم توقاً إلى شيء ما خارج أنفسنا.. شيء خارج عالمنا".

المريخ والسياسة

تقول الأساطير إن البشر الأوائل كانوا ينامون تحت المريخ طلباً للشفاء. يومه الممتد -الذي يبلغ طوله 24.6 ساعة- جعله يبدو واعداً للحياة، سواء كانت الحياة "فضائية" أو كموقع مستدام للبشر. في العصر الحديث استخدم الكوكب في إطار الدعاية السياسية، إذ تزامن نهج الاهتمام به مع مخاوف الأميركان من تنامي الشيوعية.

فخلال الخمسينيات، ومع اجتياح "جنون العظمة" لأميركا وتنامي مخاوفها ضد الشيوعية، والتي أثارها السيناتور "جوزيف مكارثي" ولجنة مجلس النواب حول الأنشطة غير الأميركية التي يُمكن أن تطال الكوكب، زاد الاهتمام بالمريخ كوسيلة لإثبات التفوق الأميركي على السوفيت.

قبل أسبوع، انطلقت مهمة مسبار الأمل الإماراتي لاستكشاف الكوكب. وستلحقها خلال الشهر الحالي ثلاث مهمات أخرى. فما هو تاريخ استكشاف ذلك الكوكب؟

13 مهمة خلال ستينيات القرن الماضي

كان الاتحاد السوفيتي أول من حاول الوصول للمريخ، فما بين عامي 1960 و1965 أطلق السوفيت 5 مركبات بهدف الوصول للكوكب. فشلت المهمات الثلاثة الأولى فشلًا ذريعاً. فـ"مارسينك 1" و"مارسينك 2" لم تنجحا في مغادرة مدار الكوكب، فيما انفجر "سبوتنيك 22" بعد إقلاعه بشكل مباشر.

بعدها نجح المسبار "مارس 1" في الإفلات من الجاذبية الأرضية وقطع مسافة غير معروفة في الفضاء. إلا أن العلماء السوفيت فشلوا في الاتصال به بعد مرور 3 أشهر من الرحلة. واقتربت "زوند 2" المركبة الروسية التي أطلقت عام 1964 من المريخ بالفعل، إلا أنها لم ترسل أيّ بيانات.

سجلت المهمة الأميركية "مارينر" إنجازاً تاريخياً حين حلقت المركبة "مارينر 4" فوق الكوكب الأحمر بنجاح. لترسل الصورة الأولى للكوكب، التي دمرت أمال البشر، إذ أظهرت مساحات من الصحاري القاحلة تتخللها أودية جافة.

وفي عام 1969، نجحت المهمة نفسها التي كلفت أكثر من نصف مليار دولار، في الاقتراب مرة أخرى بمسبارين "مارينر 6" و "مارينر7" من الكوكب الأحمر. ليرسلا مئات من الصور من مختلف الزوايا للمريخ.

حقائق عن كوكب المريخ - AFP
أبرز المهمات إلى المريخ - AFP

11 مهمة للمريخ في السبعينيات

كما أصبح "مارينر 9" أول قمر صناعي يدور حول المريخ في عام 1971.

وفي عام 1976 حققت الولايات المتحدة الأميركية إنجازاً هائلاً، بعد أن نجح المسباران "فايكينج 1" و"فايكينج 2" في الهبوط بأمان على سطح الكوكب والعمل على متنه وإرسال آلاف الصور التي تؤكد خلو المريخ من أي أثر للحياة.

إطلاق مركبة VIKING 1 الأميركية لاستكشاف المريخ. 20 أغسطس 1975. - AFP
إطلاق مسبار VIKING 1 الأميركي لاستكشاف المريخ. 20 أغسطس 1975. - AFP

مهمتان في الثمانينيات

في عام 1988 أرسل الاتحاد السوفيتي مهمتي "فوبوس 1" و "فوبوس 2" بهدف دراسة المريخ وأقماره. فُقد الاتصال مع أولهما، فيما نجح الثاني في إرسال مجموعة من الصور وفشل في الهبوط على سطح الكوكب.

8 مهمات في التسعينيات 

شهدت تسعينيات القرن الماضي فشل 7 مسبارات في الوصول للمريخ. إلا أن الولايات المتحدة سجلت نجاحاً باهراً بعد أن تمكنت مركبة الفضاء "باثفايندر" من إلقاء أول إنسان آلي على سطح المريخ والمعروف باسم "سوجورنر" عام 1997.

حمل المسبار معه مجموعة من الأجهزة بهدف قياس وتحليل الغلاف الجوي للمريخ وجيولوجيته الفريدة.

وفي عام 1998، فشلت اليابان في إرسال المسبار "نوزومي" إلى مدار المريخ.

8 مهام ما بين 2000 إلى 2010 

شهد العقد الأول من القرن الحالي دخول لاعب جديد للمريخ، وهو الاتحاد الأوروبي. إذ أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية مهمة "إكسبرس" التي لا تزال تدور حول المريخ حتى وقتنا الحالي. كما نجحت الولايات المتحدة في إرسال روبوتين لدراسة الجيولوجيا المريخية. ونجحت المركبة فينيكس في الوصول لمنطقة المريخ القطبية الشمالية في 25 مايو 2008، وكانت المركبة الأولى في التاريخ التي تحفر ذراعها الآلية في تربة المريخ. حققت الولايات المتحدة إنجازاً ضخماً حين تأكدت من وجود جليد الماء في 20 يونيو 2008 عبر المهمة نفسها.

نجحت الولايات المتحدة أيضاً في إرسال المسبار "أبورتيونيتي" الذي حط على كوكب المريخ في مهمة بحث عن المياه على سطحه ودراسة صخوره وتربته، ليسجل نفسه ثانياً بعد نظيره المسبار سبيريت، الذي أرسلته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إلى المريخ قبل "أبورتيونيتي" بأسبوعين، حيث هبط على الجانب الآخر للمريخ.

6 مهام في العقد الثاني من الألفية

في عام 2012 نجح المسبار الأميركي "كيوريوسيتي" في الهبوط على سطح المريخ دون أدنى مشكلة. يُعد ذلك المسبار هو الوحيد الذي لا يزال في الخدمة حتى الآن.

يعمل ذلك المسبار بالطاقة النووية، وهو جزء من مشروع مختبر علوم المريخ التابع لوكالة الفضاء الأميركية. كان الهدف الرئيسي من المهمة دراسة كيمياء المريخ، والبحث عن وجود الكربون وغاز الميثان وبعض المركبات العضوية الأخرى.

مركبة ناسا الفضائية كيوريوسيتي في مهمة على سطح المريخ   - AFP
مركبة ناسا الفضائية كيوريوسيتي في مهمة على سطح المريخ - AFP

في ذلك العقد انضمت الهند إلى نادي المحاولات بعد أن نجحت في وضع مركبة زهيدة الثمن في مدار المريخ عام 2014. كما نجح الاتحاد الأوروبي في مهمة وضع مسبار "تي جي تو" في مدار المريخ.

مستقبل المريخ

في الشهر الحالي فُتحت "نافذة" بين كوكب الأرض والمريخ تحدث مرة واحدة كل 26 شهراً لبضعة أسابيع، وفيها يقترب المريخ من الأرض لدرجة كبيرة بما يكفي لإطلاق بعثات الاستكشاف إليه. من المقرر أن ينطلق المسبار الأميركي "روفر مارس" الذي يقارب حجمه سيارة صغيرة. ثم سيتبعه المسبار الأوروبي الروسي "أكسو مارس".

وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فسيتجه كلا المسبارين إلى الكوكب ليصلا عام 2021 في مهمة تهدف هي الأخرى للبحث عن علامات الحياة في المريخ.

قامت الصين أيضاً بإطلاق مشروعها "استشعار المريخ" والذي سيضم مركبة ومسباراً محملين بـ13 أداة علمية، بهدف قياس مستويات الكربون والميثان وتحليل تربة المريخ.

وستكون نقطة الهبوط المستهدفة للبعثة الصينية سهلاً مسطحاً يقع داخل حوض يعرف باسم "يوتوبيا" شمال خط استواء المريخ. وستدرس المركبة جيولوجيا المنطقة، من على السطح وما تحت السطح.

وانطلقت بالفعل قبل أيام مهمة "مسبار الأمل" الإماراتي. وهي أول محاولة عربية لـ"غزو الكوكب الأحمر". وتهدف إلى دراسة الطقس والمناخ والغلاف الجوي في المريخ.

بيانات المهمة الفضائية لـ
"مسبار الأمل" الإماراتي أول مهمة فضائية عربية إلى المريخ - AFP