اكتشاف جديد يمهد لعلاج مصابي الحوادث بشكل فوري

عناصر إنقاذ بموقع حادث دهس في سوق لهدايا عيد الميلاد في بلدة ماجديبورج بشرق ألمانيا. 20 ديسمبر 2024 - Reuters
عناصر إنقاذ بموقع حادث دهس في سوق لهدايا عيد الميلاد في بلدة ماجديبورج بشرق ألمانيا. 20 ديسمبر 2024 - Reuters
القاهرة-محمد منصور

كشف دراسة جديدة، أشرف عليها علماء من وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA) التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، عن طريقة رائدة لتحديد مواقع الإصابات الجسدية، واستهدافها بدقة فائقة خلال دقائق معدودة من وقوع الإصابة.

يُمهّد هذا الاكتشاف، الذي نُشر في دورية "سيل" (Cell) الطريق أمام تشخيص فوري وعلاجات مُركّزة يمكن تقديمها في موقع الإصابة نفسه، مما يبشر بعصر جديد في الاستجابة للحالات الطارئة.

وقال الباحثون إن التقنية الجديدة، التي جرى اختبارها بنجاح على نماذج حيوانية، تتيح تشخيص الإصابات وتوصيل العلاج إلى الموقع المصاب فقط، دون المساس بالأنسجة السليمة، وهو ما يعدّ إنجازاً كبيراً في مجالي الإسعافات الأولية، والطب العسكري.

ضحايا الحوادث والصدمات

ويعتبر الباحثون الاكتشاف الجديد طفرة حقيقية في مجال الطب، إذ تُعد الإصابات الناتجة عن الصدمات تحدياً صحياً عالمياً هائلاً، إذ تتسبب في وفاة ما يقرب من 5 إلى 6 ملايين شخص حول العالم سنوياً، وتخلف حوالي 40 مليون إصابة دائمة كل عام، مما يجعلها تتجاوز مجتمعة أعداد الوفيات الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية، والملاريا، والسل، وكورونا المستجد.

وتُشكل حوادث المرور على الطرق السبب الرئيسي لهذه الوفيات، خاصةً بين الشباب، بينما يسهم السقوط والعنف والإصابات المرتبطة بالعمل بنسب كبيرة في هذا العبء الثقيل، الذي يقع حوالي 90% منه على عاتق البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مما يؤكد الحاجة الماسة للحلول العلاجية المبتكرة مثل الاكتشاف الأخير الذي يهدف لتوفير علاج فوري ومُستهدف.

وأوضح الباحثون أن واحدة من أبرز مشكلات الطب الطارئ هي التأثيرات الجانبية غير المرغوبة الناتجة عن العلاجات العامة، خصوصاً تلك التي تُعطى قبل تحديد مكان الإصابة بدقة، ومن أمثلة ذلك المضادات الحيوية، وعوامل التجلط أو حتى أدوات التصوير الطبية.

وفي حالة الإصابات العسكرية أو حوادث السير، قد يؤدي تأخر التشخيص أو إيصال العلاج إلى مضاعفات خطيرة، وقد يُعرض حياة المصاب للخطر.

وعند تعرض الجسم لإصابة حادة، مثل كسر كبير في العظام أو جرح نافذ، تحدث تغييرات سريعة على المستوى الخلوي، وكشفت الدراسة عن ظاهرة دقيقة تحدث في لحظات الإصابة الأولى تتمثل في ارتفاع مستويات الكالسيوم داخل الخلايا المصابة، ما يؤدي إلى تغيّر في شكل بعض البروتينات.

وهذه البروتينات المتحوّلة، التي أُطلق عليها اسم "التروموم" لا تظهر إلا في الأنسجة المصابة، وتشكل ما يشبه البصمة الجزيئية للإصابة.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة "وديع عرب" الباحث في معهد روتجرز للسرطان إنه وفي اللحظة التي تحدث فيها الصدمة "تخضع بروتينات معينة لتغيرات هيكلية، مما يخلق بصمة جزيئية للإصابة.. هذا يفتح باب توصيل التشخيصات أو العلاجات مباشرة إلى الموقع دون التأثير على الأنسجة السليمة".

و"التروموم" بصمة جزيئية فريدة تتكون في الجسم فور وقوع الإصابة؛ فعند تعرض الخلايا للضرر تحدث تغييرات هيكلية كبيرة في الأنسجة المصابة، وتظهر مباشرة بعد الحادث.

وأشار الباحثون إلى أن اكتشاف "التروموم" يُمثل خطوة محورية نحو تطوير علاجات وتشخيصات فائقة الدقة يمكن توجيهها مباشرة إلى موقع الإصابة خلال دقائق معدودة، دون التأثير على الأنسجة السليمة، مما يحمل آمالًا كبيرة في إحداث ثورة في الرعاية الطارئة وطب ساحة المعركة.

ويرى الباحثون أن التقنية الجديدة قادرة على توصيل العلاج بدقة فور حدوث الإصابة باستخدام حقنة واحدة تحمل مادة علاجية أو تصويرية، تنتقل في الجسم وتستقر تلقائياً في موضع الجرح دون تدخل جراحي أو توجيه خارجي.

طب ساحة المعركة

وقالت المؤلفة الأولى للدراسة "ريناتا باسكواليني" الباحثة في معهد روتجرز للسرطان إن فريقها بصدد التخطيط لابتكار حقنة بسيطة تجد وتعالج مواقع الإصابة تلقائياً، "ويمكن أن يكون هذا تحويلياً لطب ساحة المعركة، والرعاية الطارئة للإصابات، حيث كل ثانية تُحدث فرقاً".

وقد أظهرت الاختبارات المتقدمة التي أُجريت على نماذج الخنازير التي تعرضت لإصابات كبيرة، تحديد قطع بروتينية دقيقة تُسمى "الببتيدات".

وتعمل الببتيدات كـ"أدلة" يمكنها إيجاد البروتينات المُتغيرة والالتصاق بها عند حدوث الإصابة، وأحد هذه الببتيدات يبرز بشكل خاص لقدرته على الارتباط ببروتين يتغير شكله عند ارتفاع مستويات الكالسيوم بعد الإصابة ما يتيح استخدام تقنيات المسح المتقدمة، مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني أو التصوير بالرنين المغناطيسي، لتحديد مكان الإصابة بدقة بالغة داخل الجسم.

وأكد الباحثون أن "الببتيد" المُستهدف للصدمة قد أظهر نفس الفعالية في الفئران، مما يشير إلى أن "بصمة الإصابة هذه متشابهة في جميع الثدييات، بما في ذلك البشر".

ورغم أن الدافع الأصلي لهذا البحث كان علاج النزيف غير القابل للضغط في جنود الجبهات- وهو أحد الأسباب الرئيسية للوفاة قبل الوصول إلى المستشفى- فإن آفاق التقنية الجديدة تتعدى الطب العسكري بكثير؛ إذ يمكن استخدامها في غرف الطوارئ بالمستشفيات، وفي الحوادث، وفي الملاعب الرياضية حيث تحدث إصابات مفاجئة، وحتى في غرف العمليات بعد الجراحة.

كما تفتح هذه التكنولوجيا باباً محتملًا أمام علاج الالتهابات ومساعدة الجسم في تجديد الأنسجة، نظراً لأن "التروموم" قد يتداخل مع حالات أخرى غير الصدمات المباشرة.

تصنيفات

قصص قد تهمك