تقنية ترصد الخلايا أثناء توقف العمليات الحيوية وتمهد لدراسة الإشارات العصبية

علماء يابانيون ينجحون في وقف حركة الخلايا لتصويرها بدقة متناهية

تصوير ثنائي اللون بتقنية التبريد العميق لتوزيع أيونات الكالسيوم في خلايا عضلة القلب لدى الجرذان حديثة الولادة مع تثبيت بالتبريد الدقيق زمنيًا لانتشار موجات أيونات الكالسيوم داخل الخلايا - resou.osaka-u.ac.jp
تصوير ثنائي اللون بتقنية التبريد العميق لتوزيع أيونات الكالسيوم في خلايا عضلة القلب لدى الجرذان حديثة الولادة مع تثبيت بالتبريد الدقيق زمنيًا لانتشار موجات أيونات الكالسيوم داخل الخلايا - resou.osaka-u.ac.jp
القاهرة -محمد منصور

طور باحثون من اليابان تقنية مجهرية جديدة تمكن من وقف حركة الخلايا الحية في لحظة محددة بدقة مللي ثانية، ما يسمح برصد العمليات الخلوية السريعة التي لطالما استعصت على العلماء بسبب سرعتها الفائقة. 

وذكر فريق البحث في الدراسة التي نشرتها دورية "لايت: ساينس أند أبلكيشن"، أن هذه الطريقة تتيح الحصول على صور عالية الدقة للحظات عابرة مثل انتشار موجات أيونات الكالسيوم داخل خلايا القلب.

داخل كل خلية حية، تدور أحداث سريعة للغاية. فالإشارات الكيميائية تنتقل في أجزاء من الثانية، والجزيئات تتحرك كأنها في سباق دائم، فعلى سبيل المثال، أيونات الكالسيوم يمكن أن تنتشر داخل خلية قلب بسرعة مذهلة، أو بروتينات معينة تتحرك من مكان إلى آخر في لمح البصر.

وتجعل هذه السرعة من الصعب على العلماء ملاحظة ما يجري في وقته الحقيقي.

واعتمد فريق البحث على المجاهر البصرية التي تعد الأدوات الأساسية لرؤية ما بداخل الخلايا، فهي قادرة على تكبير البنى الدقيقة وإظهار تفاصيل بالغة الصغر، لكن المشكلة أن التكبير وحده لا يكفي، فالمجهر ربما يكبر المشهد، لكنه لا يستطيع "إبطاء الزمن"؛ إذ يمكن للمجاهر أن ترى الأشياء صغيرة جداً بوضوح، لكن من ينظر إليها لا يستطيع أن يرى كيف تتحرك بسرعة حقيقية.

ولكي يلتقط العلماء صورة واضحة، يحتاج المجهر إلى جمع كمية كافية من الضوء من داخل الخلية، لكن كلما حاولوا التصوير بسرعة أكبر ليلحقوا بالأحداث، يقل الوقت المتاح لالتقاط الضوء؛ فتصبح الصور مظلمة وباهتة ومليئة بالضجيج البصري، وتختفي الكثير من التفاصيل الدقيقة.

وبدلاً من محاولة مطاردة الحدث وهو يتحرك، ابتكر فريق جامعة أوساكا فكرة جريئة وهي تجميد حركة الخلية في لحظة معينة، وعند هذه اللحظة تتوقف كل العمليات الحيوية فجأة، مثل الضغط على زر "إيقاف مؤقت" في فيديو، وهكذا يمكن دراسة تفاصيل دقيقة لم يكن بالإمكان التقاطها من قبل.

وتعتمد التقنية على غرفة خاصة داخل المجهر؛ وعندما يبدأ الباحث حدثاً سريعاً داخل الخلية؛ مثل إطلاق موجة من الكالسيوم، يتولى جهاز خاص ضخ مادة مبردة شديدة البرودة خلال أجزاء من الثانية، ويعمل هذا التبريد المفاجئ على تجميد الخلية بالكامل دون أن يترك وقتا للماء بداخلها كي يتحول إلى بلورات ثلجية قد تفسد البنية وتكون النتيجة لقطة مجمدة للحظة نادرة داخل الخلية.

وعندما تصبح الخلية ثابتة، يمكن للباحثين استخدام طرق تصوير متقدمة تحتاج عادة إلى وقت طويل، مثل المجاهر فائقة الدقة أو تقنيات التحليل الكيميائي، ويستطيعون أيضاً تعريض العينة للضوء لفترة أطول ما يسمح به التصوير الحي، وبالتالي يحصلون على صور أوضح بكثير وأرقام أكثر دقة.

ويقول الباحثون إن الميزة المدهشة هي إمكانية اختيار اللحظة التي يجمدون فيها الخلية بدقة تصل إلى 10 مللي ثانية -جزء من مئة من الثانية- أي أنهم قادرون على الإمساك بلحظة مرور إشارة أو بداية تفاعل، وهي لحظات كان من المستحيل ملاحظتها من قبل.

في أحد التطبيقات، تمكن فريق البحث من تجميد موجة معقدة من أيونات الكالسيوم داخل خلايا قلب حية، ثم رصدها بتقنية التصوير فائق الدقة ثلاثي الأبعاد.

وعادة، يستحيل ملاحقة هذه الموجات بسبب سرعتها، لكن التجميد منح العلماء صورة دقيقة وثابتة للحظة عابرة لا تدوم سوى أجزاء من الثانية.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، كوسوكي تسوجي، الباحث في جامعة أوساكا: "بدلاً من أن نحاول تصوير العملية وهي تتحرك، جمدنا المشهد بالكامل، وهو ما سمح لنا بدمج مزايا المجهر الحي مع المجهر بالتثبيت بالتجميد".

وحسنت التقنية الجديدة دقة القياسات الكمية بشكل غير مسبوق، فبعد التجميد، أصبح بالإمكان استخدام أزمنة تعريض أطول بألف مرة مما هو ممكن في التصوير الحي، ما يرفع مستوى وضوح وموثوقية النتائج.

ولكي تكون السيطرة أكثر إحكاماً، دمج الباحثون نظام حقن مبرد يعمل بإشارات كهربائية مع تحفيز ضوئي فوق بنفسجي لإطلاق موجات الكالسيوم. 

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، كاتسومسا فوجيتا، إن البحث انطلق من فكرة جريئة هي "أن نوقف العمليات الخلوية بدلاً من محاولة ملاحقتها، ونعتقد أن هذه التقنية ستصبح أداة أساسية تكشف عن رؤى جديدة في علوم الحياة والطب".

ويفتح هذا الابتكار الباب أمام دراسة الأحداث السريعة والعابرة داخل الخلايا، مثل الإشارات العصبية، أو استجابات المناعة، أو حتى التغيرات التي تحدث أثناء انقسام الخلية.

ومع القدرة على تجميد الخلايا بدقة مللي ثانية، أصبح بالإمكان لأول مرة التقاط تفاصيل هذه العمليات المعقدة وكأنها مشهد ثابت أمام الكاميرا.

تصنيفات

قصص قد تهمك