نموذج جديد يعتمد على الضوء بدلاً من الإشارات الكهربائية التقليدية

ابتكار تقنية تجعل الذكاء الاصطناعي "صديقاً للبيئة"

شعار الذكاء الاصطناعي خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي (WAIC) في شنغهاي الصين. 6 يوليو 2023 - REUTERS
شعار الذكاء الاصطناعي خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي (WAIC) في شنغهاي الصين. 6 يوليو 2023 - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

كشف باحثون من كلية سامويلي للهندسة في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس عن تقنية جديدة قد تطلق العنان لعصر جديد من الذكاء الاصطناعي التوليدي المستدام.

تقدم التقنية الجديدة، التي نشرت في دورية Nature، نموذجاً جديداً يعتمد على البصريات، وهي شكل من أشكال الحوسبة يعتمد على الضوء بدلاً من الإشارات الكهربائية التقليدية. 

وتمكن الفريق من إنشاء نماذج قادرة على إنتاج صور جديدة باستخدام هذا النظام البصري، مما يعد بتقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير وتسهيل عملية توسيع نطاق أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية الأداء.

وتمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تجمع بين السرعة الفائقة والكفاءة الطاقية، مع إمكانات مستقبلية قد تغيّر ملامح التكنولوجيا كما نعرفها.

النموذج الجديد ليس مجرد تطوير تقني، بل خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر استدامة

المؤلف الرئيسي للدراسة إيدوغان أوزكان

لطالما اعتمدت الحواسيب على حركة الإلكترونات في الدوائر الكهربائية لإنجاز العمليات الحسابية، لكن هذه الطريقة، رغم قوتها، تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتولد حرارة تتطلب تبريداً كثيفاً، ما يرفع التكلفة ويزيد من الأثر البيئي.

أما الحوسبة الضوئية، فتعتمد على الفوتونات – جزيئات الضوء – التي تتميز بسرعة هائلة وقدرة على نقل المعلومات بشكل متواز عبر أطوال موجية مختلفة، مما يجعلها أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة.

وبدلاً من الاعتماد على الحوسبة الرقمية التي تتطلب مئات إلى آلاف الخطوات التكرارية كما في النماذج التقليدية، يقوم نظام جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بإجراء العملية التوليدية بصرياً، مستغلاً سرعة الضوء وميزته في المعالجة المتوازية لإنتاج الصور في تمريرة واحدة.

كيف تعمل التقنية الجديدة؟

  •  تعتمد على الفوتونات (الضوء) بدلًا من الإلكترونات التقليدية، ما يقلل استهلاك الطاقة والحرارة الناتجة.
  • تنفذ العملية التوليدية بصريًا في خطوة واحدة فقط، بدل مئات أو آلاف العمليات الحسابية المتكررة في النماذج الرقمية.
  • تقوم على مرحلتين أساسيتين:

الترميز الرقمي: تحويل البيانات إلى صيغة قابلة للمعالجة الضوئية.

التفكيك الضوئي: استخدام خصائص الموجات الضوئية لإنتاج المخرجات (مثل الصور) مباشرة.

  • تستغل الضوء بسرعته الهائلة (300 ألف كيلومتر/ثانية) لتحقيق سرعة شبه لحظية في المعالجة.
  • تتيح المعالجة المتوازية عبر استخدام أطوال موجية متعددة لإنجاز مهام مختلفة في وقت واحد.
  • تمتاز بكفاءة طاقية عالية، ما يخفض التكاليف ويقلل البصمة الكربونية.
  • توفر آليات أمان مدمجة عبر ترميز البيانات بأطوال موجية لا يمكن فكها إلا بأسطح مطابقة (مفتاح/قفل بصري).
  • يمكن دمجها في أجهزة محمولة وقابلة للارتداء مثل النظارات الذكية وسماعات الواقع المعزز، ما يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي في الزمن الحقيقي وأثناء التنقل

يقوم النموذج الضوئي الجديد على مرحلتين أساسيتين مترابطتين. تبدأ العملية بمرحلة الترميز الرقمي، حيث تترجم البيانات المراد معالجتها إلى صيغة خاصة قابلة للتعامل مع الضوء وبعدها تأتي مرحلة التفكيك الضوئي، التي تعتمد على خصائص الموجات الضوئية لإنتاج المخرجات مثل الصور في خطوة واحدة فقط، بدلا من آلاف العمليات الحسابية المتتابعة التي تتطلبها النماذج التقليدية.

ولا يختصر هذا النهج الوقت بشكل هائل فحسب، بل يقلل أيضا من التكاليف مع المحافظة على جودة النتائج.

ويمتاز هذا النظام بعدة خصائص غير مسبوقة. ففي جانب السرعة، يتحرك الضوء بسرعة تقارب 300 ألف كيلومتر في الثانية، ما يجعل زمن التنفيذ شبه لحظي.

أما من حيث الكفاءة الطاقية، فإن تقليل استهلاك الطاقة يعني تقليل الانبعاثات الكربونية والآثار البيئية. كذلك، يتيح النظام المعالجة المتوازية، حيث يمكن استغلال أطوال موجية مختلفة من الضوء لإنجاز مهام متزامنة في وقت واحد. 

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، "أيدوغان أوزكان"، أستاذ الابتكار الهندسي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "عملنا يظهر إمكانية تسخير البصريات لأداء مهام الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاق واسع". وأضاف أن النماذج البصرية "تفتح الباب أمام أنظمة ذكاء اصطناعي تعمل بـ كفاءة عالية للطاقة، ويمكن أن تحدث تحولاً في التقنيات اليومية".

وأظهرت الاختبارات أن النموذج البصري يتميز بكفاءة استثنائية، إذ يستطيع توليد أعمال فنية مستوحاة من أسلوب "فنسنت فان جوخ" في خطوة واحدة فقط لكل طول موجي من الإضاءة، مقارنة بنحو ألف خطوة حوسبية مطلوبة في النماذج التقليدية القائمة على الانتشار الرقمي ورغم هذا الاختصار الهائل في زمن المعالجة، جاءت النتائج البصرية على مستوى مقارن من الجودة والدقة.

وعلى صعيد الأمان، يتمتع النظام بآليات خصوصية مدمجة، حيث يمكن ترميز أنماط أو صور متعددة باستخدام أطوال موجية مختلفة من الضوء، ولا يمكن فك تشفيرها إلا عبر أسطح مادية مطابقة تعمل بمبدأ "المفتاح والقفل" وتفتح هذه الميزة الباب أمام فرص جديدة لتأمين الاتصالات الرقمية بطريقة يصعب اختراقها أو نسخها بالوسائل التقليدية.

أما فيما يخص التكامل، فقد أشار الباحثون إلى إمكانية إدماج هذه النماذج البصرية التوليدية في الأجهزة المحمولة والقابلة للارتداء مثل النظارات الذكية أو سماعات الواقع المعزز والافتراضي.

ومن شأن هذا التطور أن يتيح تفعيل الذكاء الاصطناعي التوليدي في الزمن الحقيقي وأثناء التنقل، ما يعزز من تطبيقاته العملية في الحياة اليومية ويقربه أكثر من الاستخدام المباشر لدى الأفراد.

ويقول "أوزكان" إن النموذج الجديد ليس مجرد تطوير تقني، بل خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر استدامة، فهو يقدم حلاً لتحدي التوازن بين تقدم الذكاء الاصطناعي وحماية البيئة، ويطرح في الوقت نفسه أسئلة جديدة عن مدى استعداد العالم لاعتماد هذه القفزة التكنولوجية.

وفي كل الأحوال، يبدو أن الضوء قد يصبح قريبًا لغة الحوسبة في القرن الحادي والعشرين.

تصنيفات

قصص قد تهمك