أفاد تقرير أممي بأن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بدأت أخيراً في الانخفاض، في مؤشر يعد الأول من نوعه منذ بدء تنفيذ اتفاق باريس للمناخ قبل نحو عقد.
وأوضحت الأمم المتحدة أن التحديث الجديد لتقرير "التعهدات الوطنية المحددة" لعام 2025، أظهر أن مقياس الانبعاثات العالمية بدأ يتجه نحو الأسفل، بعد سنوات من الارتفاع المتواصل.
وتوقع التقرير، الذي أعدته أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، انخفاض الانبعاثات العالمية بنسبة 12% بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 2019، استناداً إلى التعهدات الجديدة التي قدمتها 113 دولة من أطراف اتفاق باريس، خلال الأسابيع الأخيرة فقط.
تراجع معدلات الانبعاثات الضارة
وخلال مؤتمر صحافي، عقد في اليوم الأول من قمة المناخ "كوب 30" بمدينة بيليم في البرازيل، شدد الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة للمناخ، سيمون ستيل، على أن وتيرة العمل لا تزال بطيئة مقارنة بحجم التحدي.
وقال ستيل: "إنها خطوة مهمة. فكل جزء من درجة مئوية يمكن تجنب ارتفاعها يعني إنقاذ ملايين الأرواح وتجنب مليارات الدولارات من الأضرار الاقتصادية"، ودعا إلى "تسريع الجهود في غابات الأمازون" في إشارة رمزية إلى ضرورة التحرك السريع والواسع في أماكن حيوية تمثل رئة الكوكب.
وأضاف أن الحفاظ على هدف حصر الاحترار العالمي في 1.5 درجة مئوية "لا يزال ممكناً، لكن فقط إذا تحرك العالم بوتيرة أسرع بكثير، وبحجم غير مسبوق من التنسيق الدولي".
يأتي هذا التحديث بعد التقرير الأساسي الذي صدر في أكتوبر الماضي، والذي ضم بيانات من 64 خطة وطنية جديدة حتى نهاية سبتمبر 2025.
أما التحديث الجديد، فشمل 49 دولة إضافية أرسلت نسخاً جديدة، أو معدلة من مساهماتها الوطنية، ليصل المجموع إلى 113 دولة تغطي نحو 69% من إجمالي الانبعاثات العالمية لعام 2019.
وفقاً للتقديرات المحدثة، بلغ إجمالي الانبعاثات المتوقعة من هذه الدول بحلول عام 2035 نحو 32.1 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي بانخفاض 12% عن مستويات 2019، مع تباين بسيط بين الدول بحسب مدى التزامها بالعناصر "الشرطية" و"غير الشرطية" في تعهداتها، وإذا ما نفذت جميع البنود المشروطة، يمكن أن يصل الانخفاض إلى 14%. أما في حال الاكتفاء بالتعهدات غير المشروطة، فسيكون التراجع بحدود 10%.
تشير التقديرات إلى أن الانبعاثات العالمية بحلول 2035 ستكون أقل بنسبة ما بين 7 و 12% مقارنة بعام 2019، وهي نتيجة تعد أفضل بكثير من التوقعات التي كانت سائدة قبل توقيع اتفاق باريس عام 2015، حين كانت الانبعاثات مرشحة للارتفاع بنسبة تتراوح بين 20 و48% خلال الفترة نفسها.
تضمن التقرير قائمة بالدول التي قدمت مساهماتها الجديدة أو المعدلة، وتشمل دول الاتحاد الأوروبي، والصين، وجنوب إفريقيا، وإندونيسيا، وتركيا، وماليزيا، والمكسيك، فضلاً عن مجموعة من الدول الإفريقية مثل رواندا وموريتانيا وزامبيا.
وأوضح التقرير أن هذه الدول معاً وراء أغلب الانبعاثات الصناعية والزراعية في العالم، ما يمنح بياناتها وزناً كبيراً في التقييم العام للمسار المناخي العالمي.
وتوقع التقرير أن يبلغ إجمالي الانبعاثات العالمية المتوقعة (شاملة استخدام الأراضي والغابات) نحو 48.9 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2035، أي أقل بنسبة 12% من مستويات 2019، وأن تصل الانبعاثات دون احتساب الغابات واستخدام الأراضي إلى نحو 49.4 جيجا طن، بانخفاض يقارب 7%.
الحياد الكربوني
ويعتمد هذا التحسن، بحسب الأمم المتحدة، على التنفيذ الكامل للتعهدات المحدثة من قبل الأطراف، بما يشمل مشروعات الطاقة النظيفة، وتوسيع رقعة الغابات، وتحسين كفاءة الصناعات، وتطبيق سياسات تسعير الكربون.
في الوقت نفسه، حذر التقرير من أن أي تباطؤ في التنفيذ ربما يعيد المسار إلى الارتفاع، خاصة في حال استمرار الاعتماد على الفحم، والنفط في إنتاج الطاقة، دون وجود خطط واضحة للحد من الانبعاثات.
وأشار التقرير إلى أن ما تحقق حتى الآن "يمثل بداية انحناء المنحنى، وليس نهايته"، فالتحدي الأكبر يكمن في تثبيت هذا الاتجاه حتى عام 2035، ثم تسريعه للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.
أولويات العمل المناخي
وحدد التقرير القطاعات التي تحتاج إلى تسارع أكبر في العمل المناخي، وفي مقدمتها النقل والطاقة والصناعة الثقيلة، مشيراً إلى أن تلك القطاعات مجتمعة تمثل نحو 70% من الانبعاثات العالمية.
وأكد أن التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح والهيدروجين الأخضر، إضافة إلى الاستثمار في التقاط الكربون وتخزينه، يمكن أن يخفض الانبعاثات في هذه القطاعات بنسبة تصل إلى 80% خلال العقدين المقبلين.
ورغم التقدم الملحوظ في التزامات الدول المتقدمة، أوضح التقرير أن بعض الاقتصادات النامية لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في الوفاء بتعهداتها، بسبب نقص التمويل والتكنولوجيا. وطالب الأمين التنفيذي الدول الغنية بالوفاء بوعودها في تمويل المناخ.
وفي ختام الرسالة التي وجهت إلى الأطراف والمراقبين، أكدت أمانة الأمم المتحدة للمناخ أن هذه النتائج تظهر بوضوح "أن اتفاق باريس بدأ يُحدث فرقاً ملموساً"، لكنه يحتاج إلى مضاعفة الجهود في العقد الحالي.











