في وقت يعاني فيه العالم من تداعيات جائحة فيروس كورونا، طرحت روسيا مبادرة "الأمن الحيوي" على دول منظمة القطب الشمالي، الذي تولت رئاسته العام الجاري حتى 2023.
تهدف المبادرة للحماية من الفيروسات الناشئة جراء ذوبان الجليد في منطقة القطب الشمالي، ويقضي بمكافحتها. وأوضح سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية ورئيس لجنة المسؤولين الدوليين في مجلس القطب الشمالي، نيكولاي كورتشونوف، أن زيادة درجة الحرارة في المناطق الشمالية للكرة الأرضية، قد تتسبب في استيقاظ الفيروسات التي كانت تختبئ سابقاً تحت طبقات الجليد.
وقال كورتشونوف، إن هناك خطراً لإحياء فيروسات مجمدة قديمة، ويجب على علماء العالم أن يكونوا جاهزين للتصدي لهذا الخطر قبل أن يهدد البشرية.
"الاحتباس الحراري يقلقنا"
وأوضح نيكولاي خاريتونوف، رئيس لجنة تطوير الشرق الأقصى والقطب الشمالي بمجلس الدوما الروسي، أن مخاطر الاحتباس الحراري تقلق روسيا.
وقال خاريتونوف لـ"الشرق"، "ارتفاع درجات الحرارة في الشمال والقطب الشمالي لا يقلق روسيا فقط، وإنما يقلق البشرية بأجمعها، لأن المناخ الذي يتعرض لكل هذه العوامل السلبية يخلق وضعاً صعباً".
وأضاف خاريتونوف، أن "هذه المشكلة تقلق المجتمع العالمي بأسره، لكنها تقلق روسيا على وجه الخصوص، لأن مناطق شمالية شاسعة تنتمي إلى روسيا الاتحادية، ناهيك عن الطريق البحري الشمالي، حيث تتمثل المهمة في نقل ما لا يقل عن 80 مليون طن من البضائع عبره في المستقبل".
ولفت خاريتونوف، إلى أنه "لذلك، ليس من قبيل المصادفة اليوم، تحذير نشطاء منظمات حماية البيئة، وبالطبع يجب أن ننظر إلى البيئة، وإلى ما نقوم به في مجال تنمية الطبيعة".
وتابع عضو مجلس الدوما قوله إن "عملية الاحتباس الحراري في الواقع أمر لا مفر منه. لكن علينا كبشر أن نعيش على هذه الأرض أن نبطئها، ولا يجوز أن نسرعها".
وكان العلماء قد أعلنوا العام الماضي أن ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند قد مر بـ"نقطة اللاعودة"، والآن فإن الجبال الجليدية محكوم عليها بالفناء، مهما فعلت البشرية، بغض النظر عن الطريقة التي تحاول بها إيقاف عملية الاحتباس الحراري.
التقليل من الخطورة
كان علماء البيئة الدوليون قد أطلقوا سابقاً حملة تحذيرات مختلفة من التغيرات المناخية، ودورها في ظهور فيروسات خطيرة قديمة وحديثة.
وحذروا من أن ذوبان الجليد، الذي يسهله الاحتباس الحراري على مستوى العالم، قد يؤدي إلى ظهور فيروسات خطيرة جديدة.
لكن بعض الخبراء في موسكو قللوا من خطورة التغيرات المناخية، فيما يتعلق بظهور فيروسات ناشئة بمناطق شمالية.
وقال ألكسندر بلاتونوف، كبير الباحثين في مختبر علم الأوبئة بمعهد البحوث المركزي، التابع للهيئة الفيدرالية الروسية لحماية المستهلك، إن المخاطر في هذا المجال ليست كبيرة، مشدداً على ضرورة متابعة هذه التطورات في المنطقة.
وأضاف بلاتونوف لـ"الشرق"، رداً على سؤال بشأن مخاطر ظهور فيروسات جديدة بسبب ذوبان التربة الصقيعية في روسيا ودول شمالية أخرى: "ربما هذا الخطر ليس كبيراً. لكن يجب رصد هذه المخاطر".
لكن بلاتونوف، أشار إلى واقعة حدثت عام 2016، "بسبب الذوبان في منطقة يامال بشمال روسيا، عندما كان الصيف دافئاً، بدأت المساحات في الذوبان، وعاشت (حيوانات) الرنة في هذه المنطقة لفترة طويلة، وتموت بشكل دوري بسبب الجمرة الخبيثة أو "الطاعون السيبيري"، وبطبيعة الحال لا أحد دفنها بشكل صحيح في هذه المنطقة".
وتابع: "في الحقبة السوفيتية كان يجب دفنها على عمق 3 أمتار. لكن في يامال لم يقم أحد ذلك. وعندما تم إذابة كل هذه المناطق ظهرت الجمرة الخبيثة، وتوفي هناك حوالي 2650 من حيوانات الرنة، ومرض حوالي 36 شخصاً وتوفي شخص واحد. وهذا يعني أن مثل هذه المخاطر ممكنة".
وبشأن الصعوبات والتحديات التي ستواجهها روسيا في تنفيذ مبادرة "الأمن الحيوي"، قال بلاتونوف: "لأي عمل وأي مبادرة هناك حاجة إلى التمويل. من حيث المبدأ، قد لن تكون هناك صعوبات معينة في هذا الشأن. لكن قد تواجه روسيا أيضاً صعوبات في إيجاد العدد المطلوب من العلماء والموظفين، أي يجب أن نبحث عن العلماء ذوي الخبرة الذين سينفذون هذا العمل العظيم".
أما خبراء علوم الطبيعة وباطن الأرض فيشيرون إلى أن التغيرات في المناطق الشمالية "بطيئة".
وقال سيرجي سوقراطوف نائب عميد قسم الجغرافيا بجامعة موسكو الحكومية لـ"الشرق" إن "التغييرات بطيئة للغاية"، مضيفاً أن "التربة الصقيعية دائماً متجمدة لأنها لا تتفاعل بشكل خاص مع هذه التغيرات المناخية. لكن في الوقت نفسه، إذا لم نتحدث عن السنوات الماضية، ولكن عن العقود الماضية، فإن حدود التندرا تتحوّل حقاً إلى الشمال، والغطاء النباتي يتغير"، مضيفاً أن "التغيرات الحالية بطيئة. وكل شيء ليس خطيراً كما يبدو".