تقرير أممي: إدارة الموارد المائية تحد من آثار تغير المناخ

قارب مهجور على ضفة رملية بسبب الجفاف الناجم عن انخفاض منسوب مياه نهر الفرات في مدينة الناصرية بالعراق. 8 نوفمبر 2022 - AFP
قارب مهجور على ضفة رملية بسبب الجفاف الناجم عن انخفاض منسوب مياه نهر الفرات في مدينة الناصرية بالعراق. 8 نوفمبر 2022 - AFP
شرم الشيخ (مصر) -محمد منصور

كشف تقرير أممي جديد أنَّ الماء يلعب دوراً أكثر أهمية بكثير في التخفيف من أثار تغير المناخ مما كان يُعتقد سابقاً، مشيراً إلى أنَّ الإدارة المثلى للمياه أمر بالغ الأهمية لمعالجة أزمتي الغذاء والطاقة اللتين تتفاقمان بسبب التغير المناخي.

وصدر التقرير عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالتعاون مع معهد ستوكهولم الدولي للمياه ومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير تغير المناخ.

وحمل التقرير الذي اطلعت عليه "الشرق" عنوان "تحليل دور المياه العذبة في التخفيف من آثار تغير المناخ"، ومن المتوقع أن تتم مناقشته، الخميس، خلال فعاليات مؤتمر المناخ - COP 27 المنعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية.

ويقول التقرير إنَّ الماء في قلب تغير المناخ، فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، سترتفع آثار تغير المناخ والتي تؤثر بقوة أكبر من خلال الماء، بما تستتبعه من تغيرات موسمية، وأنماط هطول الأمطار. وتتجلَّى أيضاً هذه الآثار في شكل ظواهر مناخية متطرفة مثل الجفاف والفيضانات.

ولتحسين المرونة المناخية، يقول التقرير إنه من الضروري معالجة دوافع تغير المناخ (التخفيف)، وتقليل الضرر واستغلال الفوائد من تغير المناخ (التكيف). 

ونظراً لأن المياه هي جوهر تغير المناخ، فإنها تلعب دوراً مهماً في كل من التخفيف والتكيف. علاوة على ذلك، وبحسب التقرير، يسير التخفيف والتكيف الناجحان جنباً إلى جنب، ويتطلَّبان التنسيق بعناية لتحقيق أهدافهما.

تدابير التخفيف

وتمَّ التركيز بشدة حتى الآن على دور المياه العذبة في التكيف مع تغير المناخ. ومع ذلك، لا تزال المياه العذبة عاملاً مقيماً بأقل من قيمتها الحقيقية في التخفيف من آثار تغير المناخ، على الرغم من دورها الحاسم، كما يوضح هذا التقرير، كعامل تمكين لتدابير التخفيف.

وعلى عكس تدابير التكيف مع تغير المناخ، والتي تركز على تقليل الأضرار أو استغلال الفوائد من تغير المناخ الفعلي أو المتوقع، تهدف تدابير التخفيف في المقام الأول إلى معالجة دوافع تغير المناخ. 

وتشمل إجراءات التخفيف طرقاً من أجل منع أو تعزيز امتصاص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (مثل استبدال الوقود الأحفوري وحماية النظام البيئي)، وإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي (مثل استعادة النظام البيئي)؛ أو الحفاظ على توازن طاقة الأرض دون التدخل المباشر في انبعاثات غازات الدفيئة (مثل التقليل المؤقت للانبعاثات).

وتتضمن سيناريوهات المستقبل المستدام، التي يتم فيها تحقيق أهداف اتفاق باريس، عادةً جميع أنواع تدابير التخفيف.

الاستخدام الحكيم للمياه

ويقول التقرير إنه بالنظر إلى الموقف المناخي المُلح، فمن الضروري الاستفادة من جميع فرص التخفيف المتاحة.

وخلص أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنَّ الحدَّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية (أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية) لا يزال ممكناً. 

ومع ذلك، من المنتظر أن تبلغ انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ذروتها قبل عام 2025 على أبعد تقدير، فيما يجب أنْ تنخفض بنسبة 43% دون مستويات عام 2019 بحلول عام 2030، وبنسبة 84% بحلول عام 2050، وأن تصل إلى صافي الصفر بحلول أوائل خمسينيات القرن الجاري، مما يعني أنَّ نافذة فرصة الوصول لحد 1.5 درجة تنغلق بسرعة.

وللحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، من الضروري ألا نستخدم تقنيات ووسائل الحد من الانبعاثات الكربونية فحسب، بل يجب أيضاً أنْ "تكون حكيماً في استخدام المياه"، حسبما يقول التقرير.

ويقول التقرير أيضاً إنَّ العلاقة بين المياه وتدابير التخفيف لا تزال غامضة، لذا يجب فهم العلاقات المتبادلة بين دورات المياه، وتوافر المياه العذبة وقيودها والتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة في أقرب فرصة.

الماء يحتاج إلى الحماية

ويقول التقرير أيضاً أن إجراءات التخفيف من التغير المناخي لا تعمل بدون الماء، إذ تعتمد معظم تدابير التخفيف اللازمة للوصول إلى "الحياد المناخي" على أنظمة المياه العذبة الوظيفية. كما ترتبط الغالبية العظمى من تدابير التخفيف في جميع أنحاء العالم بإدارة المياه وتوافر المياه بطرق عديدة ومتنوعة يجب فهمها وتخطيطها وحصرها.

ويشير التقرير إلى أنَّ المياه "تحتاج إلى الحماية من التخطيط التخفيفي غير الواعي" فمعظم تدابير التخفيف اللازمة للوصول إلى الحياد المناخي لها تأثير أيضاً على موارد المياه العذبة.

وحذَّر التقرير من أنه إذا لم يتم التخطيط بعناية، فإنَّ التأثيرات السلبية على موارد المياه العذبة قد تهدد الأمن المائي، وتضيف أعباءً إضافية على تدابير التكيف، بل، وفي بعض الأحيان قد تؤدي إلى زيادة الانبعاثات وإعاقة التخفيف من آثار تغير المناخ. 

ويؤكد التقرير أنَّ قطاع المياه يُمكن أن يقلل بشكل فعال من الانبعاثات. تمتلك الإدارة المستدامة للمياه ومياه الصرف الصحي والنظم البيئية الصحية للمياه العذبة إمكانات كبيرة وغير مستغلة لتخفيف غازات الدفيئة، وبالتالي، تعد المياه أداة تخفيف أساسية في حد ذاتها.

إدارة لتقليل الانبعاثات

ويستعرض التقرير تدابير التخفيف عبر القطاعات والمناطق الأحيائية، على سبيل المثال في النظم البيئية الطبيعية وأنظمة الأراضي وأنظمة الطاقة، أن إدارة المياه العذبة يمكن أن تسهم بشكل مباشر في تقليل الانبعاثات.

كما يحدَّد أيضاً فرص التخفيف ذات الصلة بالمياه ذات الإمكانات العالية عبر القطاعات والمناطق الأحيائية حيث يمكن أن تسهم إدارة المياه والحلول المستندة إلى الطبيعة على نطاق أوسع في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وبالتالي معالجة الاحترار العالمي.

كما يشير التقرير أيضاً إلى المخاطر المتعلقة بالمياه التي يجب تجنبها في التخطيط للتخفيف لمنع التخطيط غير المطلع وبالتالي غير المستدام للتخفيف من غازات الدفيئة من التأثير سلبًا على موارد المياه.

فوائد مشتركة

وبحسب التقرير، يجب دمج حلول إدارة المياه بشكل واضح ضمن استراتيجيات التخفيف الأوسع نطاقاً على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية إلى الاستفادة من إمكانات المياه العذبة التي تقدمها. 

ويقدم التقرير توليفة من العمليات الجيوفيزيائية الحيوية التي تحكم دور المياه العذبة في التخفيف من حدة المناخ، ومحركات نظام الطبيعة البشرية للمناخ وتغير استخدام المياه ثم يعرض نظرة عامة على الحوكمة وسياق الإدارة المتعلقة بالمياه والمناخ.

إمكانات التخفيف

وفي الجزء الثاني من التقرير، يرسم الباحثون إمكانات التخفيف من آثار تغير المناخ وما يرتبط بها من إمكانيات وتحديات في مختلف المناطق الأحيائية والقطاعات. على وجه التحديد، يعطى التقرير تفاصيل عن مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، والنظم البيئية للمياه العذبة؛ وأنظمة الأراضي، وأنظمة الطاقة. 

ومن خلال هذا التحليل، يقدم الجزء الثاني من التقرير لمحة عامة عن تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ المتعلقة بالمياه.

وتشمل هذه التدابير تقييم المقاربات بين تدابير التخفيف فيما يتعلق بتدابير التكيف والفوائد المهمة الأخرى لرفاهية الإنسان والنظم البيئية الصحية، بما في ذلك توفير الغذاء والمياه، وتحسين جودة المياه، والحد من مخاطر الكوارث، والفوائد الاقتصادية والثقافية والترفيهية. 

حلول الطبيعة

ويؤكد التقرير على أن تدابير التخفيف من حدة التغير المناخي تعتمد على موارد المياه العذبة. كما يجب مراعاة توافر المياه العذبة الحالية والمستقبلية في التخطيط والعمل المتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ، ومعرفة تأثير تدابير التخفيف من حدة تغير المناخ على المياه العذبة.

كما يجب تقييم تأثيرات المياه العذبة، الإيجابية والسلبية، وإدراجها في التخطيط والعمل المتعلق بالتخفيف من حدة المناخ.

ويقول التقرير إن إدارة المياه والصرف الصحي يمكن أن تقلل من انبعاثات غازات الدفيئة، لافتاً إلى أنه يجب أن يتضمن التخطيط والعمل المتعلق بالتخفيف من حدة المناخ إمكانات كبيرة لخفض الانبعاثات في مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، ومن خلال إدارة موارد المياه العذبة وحمايتها.

كما يشير أيضاً إلى أنَّ الحلول القائمة على الطبيعة للتخفيف من تغير المناخ يمكن أن تقدم فوائد متعددة للناس والبيئة. 

ويرى الباحثون أنه يجب إعطاء الأولوية للتدابير التي يمكنها حماية موارد المياه العذبة، وعزل الكربون، وحماية التنوع البيولوجي، وتحسين إنتاجية التربة والمياه، وضمان سبل عيش مستدامة ومرنة.

ويقول التقرير إنه ولمعالجة أزمات المناخ والغذاء والطبيعة والطاقة، فإن توافر المياه "أمر جوهري"، مشدداً على أنه من المُلح أن يركز العالم كل اهتمامه على الحقائق المتمثلة في أنَّ الماء هو التحدي الأول للتكيف مع المناخ بسبب الجفاف والفيضانات، حيث لا يوجد مستقبل مناخ آمن أقل بكثير من درجتين مئويتين بدون دورة مائية سليمة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات