أين نُخزن ذكريات الخوف البعيدة؟

صورة لدماغ بشري تم التقاطها بواسطة التصوير المقطعي في 9 يناير 2019بمركز المستشفى الإقليمي والجامعي في بريست غرب فرنسا - AFP
صورة لدماغ بشري تم التقاطها بواسطة التصوير المقطعي في 9 يناير 2019بمركز المستشفى الإقليمي والجامعي في بريست غرب فرنسا - AFP
القاهرة-محمد منصور

تحتفظ أدمغتنا بالعديد من الذكريات السعيدة والمؤلمة، لكن أين تحديداً يتم حفظ تلك الذكريات؟

تُعد ذاكرة الخوف البعيدة، وهي ذكرى الأحداث الصادمة التي حدثت في الماضي البعيد الذي يمتد من بضعة أشهر إلى عقود، أحد المشاكل التي تؤرق علماء النفس، فتلك الذاكرة قد تؤثر في الحاضر وتُسبب العديد من الكروب النفسية.

ولا يعرف العلماء سوى القليل عن تلك الذاكرة، إلا أن دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيتشر.. نيوروساينس"، كشفت الآليات الأساسية التي يعمل بها الدماغ على تعزيز ذكريات الخوف البعيدة، كما كشفت أيضاً عن المكان الذي يتم تخزين تلك الذكريات فيه.

قشرة الفص الجبهي

وتوضح الدراسة أنَّ ذكريات الخوف عن بعد التي تشكلت في الماضي البعيد يتم تخزينها بشكل دائم في وصلات بين الخلايا العصبية الموجودة في قشرة الفص الجبهي.

وقشرة الفص الجبهي هي الجزء الأمامي من الدماغ ويعرف العلماء أن تلك المنطقة تُسهم في بعض الوظائف التنفيذية مثل اتخاذ القرارات والسلوك الاجتماعي، كما أنها مسؤولة أيضاً عن تعديل السلوك الاجتماعي وتنسيق الأفكار والأفعال وتُخزن فيها أيضاً الذكريات قصيرة المدى.

إلا أنَّ تلك الدراسة تُشير للمرة الأولى إلى أن دوائر ذاكرة الفص الجبهي يتم تنشيطها تدريجياً بعد الأحداث الصادمة، ويلعب هذا التنشيط دوراً حاسماً في كيفية نضوج ذكريات الخوف إلى الأشكال المستقرة في القشرة الدماغية للتخزين الدائم.

آليات متميزة

ويقول العلماء إنه وباستخدام آلية مماثلة، يمكن أيضاً تخزين الذكريات البعيدة الأخرى الخالية من الخوف بشكل دائم في نفس المنطقة.

ويستخدم الدماغ آليات متميزة لتخزين ذكريات الخوف الحديثة مقابل ذكريات الخوف البعيدة، وأشارت الدراسات السابقة إلى أنه في حين أن التكوين الأولي لذاكرة الخوف يحدث في منطقة الحُصين، إلا أنه بمرور الوقت يصبح أقل اعتماداً على الحُصين.

وتشرح الكثير من الأبحاث الآن كيف يتم تخزين ذاكرة الخوف الحديثة، ولكن كيفية قيام الدماغ باستدعاء وتخزين ذكريات الخوف البعيدة ليست مفهومة جيداً.

ووجد الباحثون أن مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية داخل قشرة الفص الجبهي تنشط أثناء الحدث الصادم الأولي ثم يتم إعادة تنشيطها أثناء استدعاء تلك الذكريات في المستقبل.

دور حاسم

وعندما قام الباحثون بتثبيط تلك الخلايا العصبية عند فئران التجارب، لم تتمكن تلك الحيوانات من استدعاء ذكريات الخوف البعيدة، ولكنها تمكنت من استدعاء ذكريات الخوف التي تشكلت في الأيام الماضية، ما يشير لوجود دور حاسم للخلايا العصبية للذاكرة الموجودة في منطقة قشرة الفص الجبهي في استدعاء ذكريات الخوف البعيدة.

في التجربة عرَّض الباحثون الفئران لتجارب سيئة داخل بيئة معملية وربطوا تلك التجارب -الرش بالماء مثلاً- بنوع من أنواع الحوافز كسماع صوت معين على سبيل المثال.

وبعد شهر تجمدت الفئران فور سماع ذلك الصوت، إذ توقعت أن يتم رشها بالماء. ما يُشير إلى أنها تذكرت على الفور تجربتها السابقة.

اضطرابات ما بعد الصدمة

قام الباحثون بعد ذلك باستهداف الخلايا العصبية الموجودة في منطقة قشرة الفص الجبهي عن طريق تثبيط نشاطها بنوع من المواد الكيميائية، ثم قاموا بتعريض الفئران للتجربة، فلم يظهر عليهم أيّ أثر للخوف، ما يشير إلى أن الذكريات المخيفة السابقة تم محوها بشكل ما أو لم تستطع الفئران استدعائها من ذاكرة الخوف البعيدة.

ويقول الباحثون إن الخلل الذي ينجم عنه تقوية ذاكرة الخوف البعيدة يمكن أن يؤدي إلى خوف مزمن من سوء التكيف في اضطرابات ما بعد الصدمة، وهو مرض يؤثر على حوالي 6٪ من البشر في مرحلة ما من حياتهم.

وبالنظر إلى أن مرضى اضطراب ما بعد الصدمة يعانون من ذكريات الخوف التي تشكلت في الماضي البعيد، فإن تلك الدراسة توفر نظرة ثاقبة مهمة في تطوير استراتيجيات علاجية لقمع الخوف المزمن لدى مرضى اضطراب ما بعد الصدمة عن طريق إضعاف دوائر ذاكرة الفص الجبهي بشكل انتقائي وفحص ما إذا كان هذا التلاعب يمنع استدعاء ذكريات الخوف عن بُعد.

ويتوقع الباحثون أن تساهم النتائج في تطوير تدخل أكثر فاعلية في اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من الاضطرابات المرتبطة بالخوف.

اقرأ أيضاً: