اكتشف فريق من الباحثين، نوعاً جديداً من الملح الصخري، ربما يساهم في حل لغز "الخطوط الحمراء" على قمر كوكب المشتري المعروف باسم "أوروبا"، والذي اكتشفه العالم الكبير جاليليو جاليلي في القرن السابع عشر، ولديه مجموعة من الخصائص المذهلة التي لا يعرف عنها العلماء الكثير في الوقت الراهن.
وتشمل تلك الخصائص "الخطوط الحمراء" التي تتقاطع على سطح الكوكب، والتي يعتقد العلماء أنها مزيج متجمد من الماء والأملاح، إلا أن تركيب تلك الخطوط ظل لغزاً، كما أن توقيعها الكيميائي غامض، إذ لا يتطابق مع أيّ مادة معروفة على كوكب الأرض.
وربما يكون فريق الباحثين بقيادة علماء من "جامعة واشنطن" الأميركية، حل اللغز باكتشاف نوع جديد من البلورات الصلبة التي تتشكل عندما يتحد الماء مع مركب كلوريد الصوديوم (ملح الطعام)، في ظروف البرد والضغط العالي.
ويعتقد الباحثون أن المادة الجديدة التي نجحوا في تكوينها بالمختبر، يمكن أن تتشكل على سطح وقاع المحيطات العميقة لهذه العوالم.
وأعلن العلماء عن توليفة جديدة لاثنين من أكثر المواد شيوعاً على الأرض هي الماء وكلوريد الصوديوم، بحسب الدراسة المنشورة في دورية "الأكاديمية الأميركية للعلوم".
ويقول الأستاذ المساعد في علوم الأرض والفضاء بـ"جامعة"واشنطن" بابتيست جورنو، وهو المؤلف الرئيس للدراسة، إن النتائج الجديدة مذهلة، لافتاً إلى أنه "من النادر في الوقت الحاضر وجود اكتشافات أساسية في العلوم".
يعرف الجميع شكل الملح والماء في ظروف الأرض، لكن حين يتعلق الأمر بالكواكب الأخرى والأقمار التي تدور حولها، والأجرام الفضائية، لا يعرف أحداً كيف يُمكن أن تساهم الظروف الجوية والمناخية في تغيير شكل وتركيبة والتوقيع الكيميائي (تحليل طيف المواد) لتلك المواد.
ويقول الباحثون في تلك الدراسة إن الأجرام السماوية ربما تحتوي على مركبات مألوفة جداً لنا، ولكن في ظروف غريبة جداً. فالضغوط العالية، أو درجات الحرارة المنخفضة، يُمكن أن تؤدي لتغييرات في بنية المواد، وتجعلها تبدو كمادة جديدة في شكل غير مألوف على الإطلاق.
وفي درجات الحرارة المنخفضة، يتحد الماء والأملاح لتكوين شبكة جليدية مملحة صلبة، تُعرف باسم الهيدرات.
وتتمتع تلك الشبكات بروابط هيدروجينية قوية، فكانت الهيدرات الوحيدة المعروفة سابقاً لكلوريد الصوديوم عبارة عن بنية بسيطة تحتوي على جزيء ملح واحد، ذرة من الكلور متحدة مع ذرة واحدة من الصوديوم، مرتبطة بجزيئين من الماء، المُكون من ذرة أكسجين وذرتي هيدروجين.
"اكتشاف بالصدفة"
في ظروف القمر "أوروبا" يختلف الأمر الوارد أعلاه، إذ وجد الباحثون نوعين من الهيدرات التي تختلف بشكل كُلي عن تلك الموجودة في الأرض.
فالنوع الأول يحتوي على جزيئين من كلوريد الصوديوم لكل 17 جزيء ماء، أما الآخر يحتوي على جزئ كلوريد صوديوم واحد لكل 13 جزيء ماء.
وهذا من شأنه أن يفسر سبب كون التوقيع الكيميائي، من سطح أقمار المشتري "مائية" أكثر مما كان متوقعاً.
ويوضح جورنو، أن اكتشاف أنواع جديدة من الملح له أهمية كبيرة، ليس فقط لعلوم الكواكب، ولكن للكيمياء الفيزيائية وحتى أبحاث الطاقة، التي تستخدم الهيدرات لتخزين الطاقة.
وفي تجربة أجراها علماء على كوكب الأرض، قام الباحثون بضغط قدر ضئيل من الماء المالح السائل بين ماستين بمقدار يصل إلى 25000 ضعف الضغط الجوي القياسي. وسمح الماس الشفاف للفريق بمراقبة العملية من خلال المجهر.
كان الهدف من التجربة، قياس كيف تغير إضافة الملح كمية الجليد التي يمكن أن يحصل الباحثون عليها بالتجميد، لأن الملح يعمل كمضاد للتجمد.
لكن الباحثين وجدوا أن زيادة الضغط تسبب في تكوين نوع جديد من بلورات الملح، تُشبه في شكلها الخارجي بلورات ملح كوكب "أوروبا"، وذلك الاكتشاف جاء "بالصدفة البحتة"، كما يقول جورنو.
ويؤدي الضغط إلى تقريب الجزيئات من بعضها البعض، وبالتالي يتغير تفاعلها ويعتقد العلماء أنه المحرك الرئيسي للتنوع في الهياكل البلورية التي وجدوها.
وبمجرد تكوين الهيدرات المكتشفة حديثاً، ظل أحد الهيكلين مستقراً حتى بعد تحرير الضغط، إذ تظل مستقرة عند الضغط القياسي حتى نحو 50 درجة مئوية تحت الصفر.
ويعتقد العلماء أن ذلك النوع من البلورات ربما يكون متواجداً أيضاً في البحيرات شديدة الملوحة الموجودة في القارة القطبية الجنوبية.
ويأمل الفريق في صنع عينة أكبر للسماح بتحليل أكثر شمولاً، والتحقق مما إذا كانت التواقيع من الأقمار الجليدية تتطابق مع التواقيع من الهيدرات المكتشفة حديثاً.
وفي المستقبل، ستعمل بعثتان، إحداهما تتبع وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) والأخرى تتبع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، باستكشاف الأقمار الجليدية لكوكب المشتري. كما تنطلق مهمة أخرى لوكالة "ناسا" إلى قمر زحل "تيتان" في عام 2026.
ويتوقع الباحثون أن تزويد تلك المهام بمعرفة حول المواد الكيميائية التي يحتمل وجودوها هناك، سيساعدهم على استهداف بحثهم بشكل أفضل عن توقيعات الحياة.
اقرأ أيضاً:
