دراسة: تحليل ظواهر الخسوف في القرون الوسطى يعيد رسم تاريخ البراكين  

"قمر الدم" خلال الخسوف الكلي للقمر في بونتياناك بإندونيسيا. 8 نوفمبر 2022 - AFP
"قمر الدم" خلال الخسوف الكلي للقمر في بونتياناك بإندونيسيا. 8 نوفمبر 2022 - AFP
باريس-أ ف ب

وجدت دراسة، نشرت نتائجها في دورية "نيتشر"، أن تحليل ظواهر خسوف القمر في القرون الوسطى أعاد رسم تاريخ البراكين، إذ دوّن رهبان تلك العصور للأجيال المقبلة، تأثير حالات ثوران بركاني عملاقة حدثت قبل بضعة أشهر وقد تكون من أسباب تبريد مناخي حصل في ذلك الوقت. 

وتحدُثُ ظاهرة الخسوف عندما يقع القمر على خطّ واحد مع الشمس والأرض، وحينها تحجب الأرض نور الشمس عنه، فيما يصبح لون الجرم الفلكي ضارباً إلى الحمرة بعد أن يفقد بريقه الأبيض.

في عام 1884، لاحظ عالم الفلك الفرنسي كامي فلاماريون أن هذا اللون الأحمر قد أصبح أغمق، وقد تحدث حينها عن صلة محتملة مع الثوران الكارثي لبركان كراكاتوا في إندونيسيا في العام السابق، والذي أدى إلى نفث كمية هائلة من الغبار في السماء.

الباحث في جامعة جنيف سيباستيان غييه، والمعد الرئيسي للدراسة، قال إنه "قد جرى إثبات هذا الرابط في العقود الأخيرة، بعد حالات ثوران بركاني كبيرة، بينها بركان جبل بيناتوبو في الفيليبين عام 1991". 

وكان هذا الخبير في علوم المناخ في العصور القديمة، الشغوف بحقبة القرون الوسطى، يعلم أن الرهبان سجلوا ظواهر سماوية، بما في ذلك خسوف القمر. 

وأشار إلى أن هؤلاء كانوا "مهتمين بشكل خاص بلونه، إذ كانوا ينطلقون من نص سفر رؤيا يوحنا (عن نهاية العالم) الذي يتحدث عن قمر بلون الدم الأحمر".

وأردف سيباستيان: "كنت أستمع إلى ألبوم دارك سايد أوف ذي مون (الجانب المظلم من القمر) لفرقة بينك فلويد، عندما أدركت أن ظواهر خسوف القمر الأكثر قتامة حدثت بعد حوالى عام من انفجارات بركانية كبرى".

5 ظواهر

وقد ثبت أن القرنين 12 و13 شهدا نشاطاً بركانياً مكثفاً، مع حوادث ثوران قوية ومتقاربة زمنياً، بينها ما حصل على صعيد بركان "سامالاس" في إندونيسيا عام 1257.

وتركت هذه الحوادث آثاراً في اللب الجليدي الذي يحتوي على جزيئات بركانية سقطت على الأرض، لكن بعيداً مما حصل في سامالاس، ظل التسلسل الزمني لهذه الظواهر تقريبياً.

غير أن قراءة شاملة لنصوص كتبها رهبان من القرنين، خصوصاً في أوروبا لكن أيضاً في الشرق الأوسط وآسيا، أتاحت تحديداً زمنياً لهذه الظواهر بدقة أكبر.

ومن بين إجمالي 51 خسوفاً للقمر تم الإبلاغ عنها بين العامين 1100 و1300، لاحظ المؤرخون خمس ظواهر على الأقل ظهر فيها الجرم الفلكي داكناً بشكل غير طبيعي.

وقارن العلماء الأيام الدقيقة لهذه الأحداث بمعلومات من لب الجليد، وقارنوا هذه النتائج بالبيانات المعاصرة، واستنتجوا تاريخ حالات الثوران البركاني التي حدثت قبل بضعة أشهر، والتي لم يكن الرهبان على علم بها لأنهم كانوا بعيدين للغاية.

وفي هذا الصدد، قالت آن لورانس ماذرز، المؤرخة في جامعة ريدينج البريطانية، في تعليق مرفق بالدراسة إن "هذا النهج المبتكر نجح في تحديد تاريخ حصول الثوران البركاني، بالسنة وأحياناً بالشهر". 

العصر الجليدي الصغير 

ويؤكد الباحث أن 6 حالات ثوران عملاقة حدثت في غضون مئتي عام، وهو "أمر استثنائي".

وتوقعت أبحاث حديثة أن هذا النشاط البركاني المكثف، ربما ساهم في ظهور "العصر الجليدي الصغير"، الذي أثر على جزء من نصف الكرة الشمالي من القرن الـ 13 إلى الـ 19.

وأتاح الهباء البركاني الحد من الإشعاع الصادر عن الشمس وتبريد درجات الحرارة على الأرض. 

وقال الأخصائي في علم تشكّل الأرض (جيومورفولوجيا) ماركوس ستوفيل، وهو أحد معدي الدراسة، إن "حالات الثوران المدارية القوية يمكن أن تسبب تبريداً شاملاً بحوالى درجة مئوية واحدة في غضون سنوات قليلة". 

وأكد تحليل لحلقات الأشجار، وهي مؤشرات للتغيرات في درجات الحرارة، هذه الموجة الباردة التي أثرت على المحاصيل بشكل خاص.

وأفاد سيباستيان بأن "الرهبان لم يشهدوا مثل هذا الصيف البارد لفترة طويلة، مع الانطباع بأنهم يرون سحب ضباب باستمرار. مع ذلك، لا يوجد إجماع حتى الآن بين العلماء حول أسباب هذا العصر الجليدي، ولا يزال لدينا الكثير لنتعلمه من حالات الثوران هذه".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات