هكذا تستعيدون عمركم المفقود

رجل بلا مأوى تظهر عليه أعراض الإرهاق الحراري يشرب الماء داخل سيارة إسعاف في واشنطن. 26 يوليو 2022 - AFP
رجل بلا مأوى تظهر عليه أعراض الإرهاق الحراري يشرب الماء داخل سيارة إسعاف في واشنطن. 26 يوليو 2022 - AFP
القاهرة-محمد منصور

من المعروف أن العمر الزمني للكائنات الحية هو ذلك الذي يزيد مرة واحدة كل عام، لكن هذا العمر لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمر البيولوجي، إذ أن الأفراد يمكن أن يكونوا أكبر أو أصغر سناً من الناحية البيولوجية مما يوحي به عمرهم الزمني.

وتشير الأدلة المتزايدة في النماذج الحيوانية والبشر إلى أن العمر البيولوجي يمكن أن يتأثر بالمرض والعلاج بالعقاقير وتغيير نمط الحياة والتعرضات البيئية، والكثير من العوامل الأخرى.

وبحسب دراسة جديدة نُشرت في دورية "سيل" يشهد العمر البيولوجي للإنسان والفئران زيادة سريعة استجابة لأشكال متنوعة من الإجهاد، إلا أن تلك الزيادة يُمكن أن تتراجع بعد التعافي من الإجهاد، حيث يُمكن استعادة سنوات العمر البيولوجي المفقودة بعد التخلص من أسباب الفقد من إجهاد وضغوط.

"العمر المرن"

ويقول المؤلف المشارك في الدراسة جيمس وايت، وهو باحث من كلية الطب بـ"جامعة دوك"، إن اكتشاف "العمر المرن والمتقلب" يتحدى المفهوم طويل الأمد للمسار التصاعدي أحادي الاتجاه للعمر البيولوجي على مدار الحياة.

ويعنى العمر البيولوجي حالة الجسم وقدرته على أداء الوظائف المختلفة والحفاظ على التوازن، وغالباً ما يتم قياس العمر البيولوجي من خلال تحليل المؤشرات الحيوية المختلفة، ويمكن أن توفر وظيفة الجهاز المناعي هذه المؤشرات الحيوية تقديراً للحالة الصحية العامة للفرد وتتنبأ بمخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر.

في المقابل، يعتمد العمر الزمني على عدد سنوات الحياة منذ الولادة وهو مقياس بسيط لعمر الفرد، لكنه لا يعكس بالضرورة حالته الصحية أو خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر. على سبيل المثال، قد يكون لشخصين لهما نفس العمر الزمني عمراً بيولوجياً مختلفاً تماماً اعتماداً على عادات نمط حياتهم وعلم الوراثة وعوامل أخرى.

وتُشير الأبحاث السابقة إلى إمكانية حدوث زيادة في العمر البيولوجي بسبب التعرض للعوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، ولكن مسألة ما إذا كانت هذه التغييرات قابلة للعكس، ظلت حتى الآن غير مستكشفة.

ورغم الاعتراف واسع الانتشار بأن العمر البيولوجي مرن إلى حد ما، فإنه من غير المعروف المدى الذي يخضع فيه العمر البيولوجي لتغييرات قابلة للعكس طوال الحياة والأحداث التي تؤدي إلى مثل هذه التغييرات.

التغيرات البيولوجية

وقاس الباحثون في الدراسة تغيرات العمر البيولوجي لدى البشر والفئران من خلال الاستجابة لمحفزات الإجهاد المختلفة.

في مجموعة واحدة من التجارب، جمع الباحثون جراحياً بين أزواج مختلفة العمر من الفئران، بعضها في عمر ثلاثة أشهر والأخرى 20 شهراً، في إجراء يُعرف باسم التعايش التعاوني غير المتجانس.

في ذلك الإجراء، يجمع الباحثون جراحياً بين أنظمة الدورة الدموية لحيوانين من أعمار مختلفة، ويسمح هذا الإجراء للحيوانين بمشاركة إمدادات الدم وتبادل الجزيئات المنقولة بالدم، بما في ذلك الهرمونات وعوامل النمو وجزيئات الإشارات الأخرى.

والغرض من التعايش التعاوني غير المتجانس هو دراسة آثار العوامل الجهازية الموجودة في دم الحيوانات الصغيرة أو المسنة على الشيخوخة والأمراض المرتبطة بالعمر.

ومن خلال ربط أنظمة الدورة الدموية للحيوانات الصغيرة والكبيرة، يمكن للباحثين التحقق مما إذا كان التعرض لعوامل الشباب يمكن أن يجدد أو يبطئ عملية الشيخوخة في الحيوانات الأكبر سناً، أو ما إذا كان التعرض لعوامل الشيخوخة يمكن أن يسرع عملية الشيخوخة في الحيوانات الأصغر سناً.

وكشفت النتائج أن العمر البيولوجي قد يزداد خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً استجابة للإجهاد، لكن هذه الزيادة عابرة وتعود الاتجاهات نحو خط الأساس بعد التعافي من الإجهاد. 

ووفق الدراسة، زاد العمر البيولوجي للفئران الصغيرة عن طريق التعايش التعاوني غير المتجانس واستعادته بعد الانفصال الجراحي.

ويقول المؤلف الأول للدراسة جيسي بوجانيك، وهو باحث في مستشفى "بريجهام والنساء" بكلية الطب بجامعة هارفارد، إن الزيادة في العمر البيولوجي عند التعرض لدم الفئران المُسنة تتفق مع التقارير السابقة عن التغيرات الضارة المرتبطة بالعمر عند إجراء تبادل الدم غير المتجانس.

عند البشر، تحدث أيضاً تغيرات عابرة في العمر البيولوجي أثناء إجراء الجراحات الكبرى، أو الحمل، أو الإصابة الحادة بفيروس كورونا المستجد.

على سبيل المثال، شهد مرضى الحوادث زيادة قوية وسريعة في العمر البيولوجي بعد الجراحة الطارئة. ومع ذلك، تم عكس هذه الزيادة وعاد العمر البيولوجي إلى خط الأساس في الأيام التالية للجراحة. وبالمثل، تعاني النساء الحوامل من تعافي العمر البيولوجي بعد الولادة بمعدلات ومقادير متفاوتة.

إلا أن الدراسة تؤكد نتائج الدراسات السابقة وتقول إن الإجهاد الشديد يزيد معدل الوفيات، جزئياً على الأقل، عن طريق زيادة العمر البيولوجي، كما تشير أيضاً إلى أن معدل الوفيات قد ينخفض عن طريق تقليل العمر البيولوجي عبر التعافي من الإجهاد الذي قد يكون عاملاً هاماً محدداً للشيخوخة الناجحة وطول العمر.

اقرأ أيضاً: