التقاط صورة جديدة لثقب أسود تُقرب العلماء من فهم طريقة عمله

رسم توضيحي يظهر تدفقات الثقب الأسود في مجرة "إم 87". - S. Dagnello (NRAO/AUI/NSF)
رسم توضيحي يظهر تدفقات الثقب الأسود في مجرة "إم 87". - S. Dagnello (NRAO/AUI/NSF)
القاهرة/واشنطن/باريس-محمد منصوروكالات

كشف علماء عن صورة جديدة لثقب أسود تمتاز بأنها الأولى التي تظهر الأحداث العنيفة التي تجري حول هذه الظاهة الكونية المثيرة، إذ تبين الانبثاق الهائل لجسيمات عالية الطاقة إلى الفضاء.

وتعد الصورة من أوائل الصور الملتقطة للثقوب السوداء، باستخدام 16 تلسكوباً في مواقع مختلفة على الأرض شكلت معاً طبق رصد بحجم كوكب.

ويقع الثقب الأسود فائق الكتلة الذي التُقطت صورته في مركز مجرة قريبة نسبياً هي "مسييه 87"، أو "إم87"، على بعد 54 مليون سنة ضوئية تقريباً من الأرض.

خريطة تظهر موقع مجرة
خريطة تظهر موقع مجرة "إم 87". - European Southern Observatory

وظهر هذا الثقب الأسود نفسه، في أول صورة على الإطلاق يتم التقاطها لتلك الظاهرة الكونية، في عام 2019، وتبلغ كتلته 6.5 مليار مثل كتلة شمسنا.

الصورتان، يظهر فيهما ظلام الثقب الأسود وحلقة من المواد الساطعة المحيطة به، إلا أن الصورة الأحدث توضح ضوءاً منبعثاً بطول موجي أطول، مما يوسع ما يمكن رؤيته، حيث جاءت الصورة الجديدة جميعها من مشاهدات تمت باستخدام العديد من التلسكوبات الراديوية الموجودة في شتى أنحاء العالم.

نفاثات الثقب الأسود

ويصعب رصد الثقوب السوداء بحكم طبيعتها، إذ أنها عبارة عن كيان يتمتع بقوة سحب هائلة لا تستطيع أي مادة أو حتى ضوء الإفلات منها بمجرد الوقوع في جاذبيتها.

وتوجد ثقوب سوداء فائقة الكتلة في مراكز معظم المجرات. وبعضها لا يلتهم فقط أي مادة محيطة به وإنما يطلق أيضاً دفقات ضخمة وملتهبة من جسيمات عالية الطاقة بعيداً في الفضاء، يمكن وصفها بـ"نفاثات قوية منبعثة من الثقب".

وتُظهر الصورة الجديدة كيف تتصل قاعدة هذه التدفقات بالمادة التي تدور حول الثقب الأسود في شكل يشبه الحلقة.

وجمعت الصورة الجديدة لأول مرة بين ظل الثقب الأسود في هذه المجرة وصورة "النفاثات" القوية المنبعثة من نفس الثقب.

محاكاة حاسوبية تظهر ظل الثقب الأسود. - R.-S. Lu (SHAO), E. Ros (MPIfR),
محاكاة حاسوبية تظهر ظل الثقب الأسود - R.-S. Lu (SHAO), E. Ros (MPIfR),

وحين تسقط المادة باتجاه الثقب الأسود، ترتفع درجة حرارتها وتصدر إشعاعات شديدة، بما في ذلك الأشعة السينية وأشعة جاما.

ويمتص الغاز المحيط بعضاً من هذا الإشعاع، ويمكن أن يتأين ويسخن إلى ملايين الدرجات. نتيجة لذلك، يمكن طرد الغاز على شكل نفاثات عالية السرعة تمتد على مسافة آلاف السنين الضوئية في الفضاء.

وتعد الثقوب السوداء التي تطرد "النفاثات" القوية ظاهرة شائعة في الفيزياء الفلكية، وتعرف باسم نوى المجرة النشطة، حيث تشكل منطقة متكدسة في مركز المجرات يكون لها لمعاناً فوق العادة.

وتُظهر الصورة الجديدة النفاثات وهي تخرج بالقرب من الثقب الأسود، بالإضافة إلى ما يسميه العلماء ظل الثقب الأسود.

وبفضل هذه الصورة الجديدة، يمكن لعلماء الفلك أن يفهموا بشكل أفضل كيف يمكن للثقوب السوداء إطلاق مثل هذه النفاثات النشطة.

"أقرب مكان ممكن"

ويقول عالم الفلك بمرصد شنغهاي الفلكي في الصين والمشارك في عملية رصد النفاثات، رو-سين لو، في تصريحات نقلها البيان الصحافي، "نحن نعلم أن النفاثات تنطلق من المنطقة المحيطة بالثقوب السوداء، لكننا ما زلنا لا نفهم تماماً كيف يحدث هذا بالفعل".

وأضاف أنه "لدراسة هذا مباشرة، نحتاج إلى مراقبة أصل تلك النفاثات في أقرب مكان ممكن من الثقب الأسود"، ونبه أن "الصورة الجديدة المنشورة تظهر هذا بالضبط لأول مرة، إذ توضح كيف ترتبط قاعدة النفاثات بالمادة التي تدور حول ثقب أسود فائق الكتلة".

ويقول الباحث في جامعة "كيونج بوك" الوطنية في كوريا الجنوبية ومعهد "ماكس بلانك" لعلم الفلك الراديوي في ألمانيا جاي يونج كيم، إن الصورة الجديدة تكمل المشهد بإظهار المنطقة المحيطة بالثقب الأسود والنفاثات في نفس الوقت.

بدوره، ذكر الباحث في معهد "ماكس بلانك" إدواردو روس، أن الفريق يخطط لرصد المنطقة المحيطة بالثقب الأسود في مركز نفس المجرة بأطوال موجات راديوية مختلفة لمزيد من الدراسة لانبعاث النفاثات.

وتابع: "ستسمح مثل هذه الملاحظات المتزامنة للفريق بفك تشابك العمليات المعقدة التي تحدث بالقرب من الثقب الأسود الهائل".

وتوقع روس أن "السنوات القادمة ستكون مثيرة، حيث سنصبح قادرين على معرفة المزيد عما يحدث بالقرب من واحدة من أكثر المناطق غموضاً في الكون".

ووصف عالم الفيزياء الفلكية المشارك أيضاً في الدراسة كازونوري أكياما، من مرصد "هايستاك" التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الأمر قائلاً "هذا ما كان علماء الفلك والفيزياء الفلكية ينتظرون رؤيته لأكثر من نصف قرن (...) إنه فجر عصر جديد مثير".

رسم توضيحي يظهر
رسم توضيحي يظهر "النفاثات" وظل الثقب الأسود. - S. Dagnello (NRAO/AUI/NSF)

تحفظات على الصورة

في المقابل، تحفظ عالم شارك في رصد الصورة الأولى لهذه الظاهرة والمنشورة عام 2019، مرجعاً السبب إلى "استخدام أساليب محاكاة للحصول على الصورة الجديدة".

وأُنتجت الصورة الجديدة عن طريق تمرير البيانات التي جُمعت بواسطة "إي إتش تي" عبر مرشح (فلتر) آلة تعلم خوارزمية، تسمى "بريمو" (PRIMO)، حللت حوالى ثلاثين ألف صورة لثقوب سوداء جرى التوصل إليها من خلال عمليات محاكاة، بحسب "فرانس برس"

ووصف أستاذ الفيزياء الفلكية هينو فالكه، من جامعة "رادبود" الهولندية (في نيميجن)، هذه المقاربة بأنها "مثيرة للاهتمام، ولكنها خطرة للغاية".

وأوضح فالكه لوكالة "فرانس برس" أن فريق "إي إتش تي"، الذي كان أحد مؤسسيه، تجنب الخوض في مثل هذا النهج لأنه "يقدّم تحيّزاً قوياً للغاية في إعادة بناء الصورة".

وتابع: "في الواقع، تستند هذه المحاكاة إلى نماذج نظرية، لأننا لا نعرف كيف يبدو شكل الثقب الأسود بالضبط وما زلنا بحاجة إلى اختبار قوانين الفيزياء بالقرب منه".

وأشار فالكه إلى أن تفسير الصورة التي تم التوصل إليها من خلال مراقبة المجرة "إم 87" باستخدام عمليات محاكاة، ينبع من "الاعتقاد بأن النماذج المستخدمة صحيحة".

ويرى فالكه أن النتيجة التي تم الحصول عليها "ليست صورة، لكنها افتراض مستنير".

اقرأ أيضاً: