أطلس تفصيلي جديد للقلب يكشف أنظمة غير متوقعة

طبيب يجري عملية قلب في عيادة بمدينة بوردو الفرنسية- 25 أكتوبر 2018 - REUTERS
طبيب يجري عملية قلب في عيادة بمدينة بوردو الفرنسية- 25 أكتوبر 2018 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

قدمت دراسة حديثة، نُشرت في مجلة "نيتشر"، أدق أطلس لخلايا القلب البشري حتى الآن. إذ يوفر، لأول مرة، وصفاً مفصلاً للأنسجة المتخصصة في نظام كهرباء القلب، والتي تُنشأ من خلالها النبضات التي تحافظ على الحياة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقدم الدراسة أداة حسابية جديدة تُسمى "Drug2cell"، والتي يُمكن استخدامها لتقييم تأثير الأدوية على معدل ضربات القلب.

وتُعَدُّ الدراسة جزءاً من مبادرة "أطلس الخلايا البشرية الدولية"، والتي تهدف إلى رسم خرائط تفصيلية لكل عضو في جسم الإنسان، لزيادة الفهم في مجال الصحة والمرض.

وقاد فريقٌ متعدد التخصصات، يتألف من باحثين من معهد "ويلكوم سانجر" والمعهد البريطاني للقلب والرئة في "إمبريال كوليدج لندن"، جهوداً في رسم 8 مناطق من القلب البشري.

أسلاك القلب

ويشمل الأطلس الجديد، وصفاً لـ75 نوعاً مختلفاً من الخلايا، بما في ذلك خلايا نظام التوصيل القلبي، وهي الخلايا المسؤولة عن ضربات القلب، والتي لم يتم فهمها بهذا المستوى التفصيلي لدى البشر من قبل.

ويقوم هذا النظام، المعروف أيضاً باسم "أسلاك القلب"، بإرسال نبضات كهربائية من الجزء العلوي للقلب إلى الجزء السفلي، وينسق بذلك نبضات القلب.

ولإنشاء هذا الأطلس، استخدم الباحثون تقنية النسخ المكاني، وهي تقنية مبتكرة تجمع بين النسخ التقليدي، الذي يدرس التعبير الجيني في الخلايا، مع المعلومات المكانية حول موقع تلك الخلايا داخل الأنسجة أو الأعضاء.

وسمحت هذه التقنية للباحثين بتحليل ملامح التعبير الجيني للخلايا الفردية في سياقها المكاني الأصلي، مما وفر فهماً أكثر شمولاً للتركيب الخلوي المعقد والتنظيم داخل الأنسجة.

وعلاوة على ذلك، تمكن الباحثون من فهم كيفية تواصل هذه الخلايا مع بعضها البعض لأول مرة.

ويُمكن أن تعمل هذه الخريطة كدليل إرشادي جزئي، إذ تُظهر شكل الخلايا السليمة، وتوفر مرجعاً مهماً لفهم الأخطاء التي تتسبب في المرض. وستساعد النتائج في فهم الأمراض، مثل تلك التي تؤثر على إيقاع القلب.

بيولوجيا خلايا التوصيل

يُعد رسم أطلس خلايا القلب البشري أمراً مهماً للغاية؛ نظراً لأن أمراض القلب والأوعية الدموية، هي السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم.

ويتم زرع مئات آلاف الأجهزة الإلكترونية المسؤولة عن تنظيم ضربات القلب كل عام حول العالم، لعلاج هذه الاضطرابات. ويمكن أن تكون تلك الأجهزة غير فعالة وعرضة للتلف، كما أن لها العديد من الآثار الجانبية.

ويُمهد فهم بيولوجيا خلايا نظام التوصيل والكيفية التي تختلف بها عن الخلايا العضلية، الطريق إلى علاجات لتعزيز صحة القلب، وتطوير علاجات موجهة لاضطراب نظم القلب.

وقدم العلماء أيضاً أداة حسابية جديدة تسمى "Drug2cell" يُمكنها التنبؤ بأهداف الأدوية، بالإضافة إلى الآثار الجانبية. ولإنشاء تلك الأداة، زودها الباحثون بقاعدة بيانات لأكثر من 19 مليون تفاعل بين الأدوية والخلايا.

وبشكل غير متوقع، حددت هذه الأداة أن خلايا جهاز تنظيم ضربات القلب، تُعبر عن هدف بعض الأدوية، مثل "GLP1"، التي تستخدم لمرض السكري وفقدان الوزن، والمعروف أنها تزيد من معدل ضربات القلب كأثر جانبي، لكن آلية تلك الزيادة لم تكن معروفة.

وتُشير هذه الدراسة إلى أن الزيادة في معدل ضربات القلب، قد ترجع جزئياً إلى التأثير المباشر لهذه الأدوية على خلايا جهاز تنظيم ضربات القلب، وهو اكتشاف أظهره الفريق أيضاً في نموذج تجريبي للخلايا الجذعية لخلايا جهاز تنظيم ضربات القلب.

اكتشاف غير متوقع

ووفقاً للدكتور جيمس كرانلي، المشارك في الدراسة، وهو طبيب قلب متخصص في اضطرابات نظم القلب في معهد "ويلكوم سانجر"، فإن نظام التوصيل القلبي يُعتبر أمراً بالغ الأهمية لتنظيم إيقاع القلب. ومع ذلك، فإن "الخلايا المكونة لهذا النظام غير مفهومة بشكل جيد"، وفق وصفه.

وتسلط هذه الدراسة الضوء على هذه الخلايا وتحدد ملامحها، ويقول الدكتور كرانلي: "هذا الفهم الأعمق يفتح الباب أمام علاجات أفضل، ومضادة لاضطراب نظم القلب في المستقبل".

كما كشفت الدراسة عن اكتشاف غير متوقع آخر، إذ وجد الباحثون علاقة وثيقة بين خلايا نظام التوصيل، والخلايا الدبقية، والتي هي جزء من الجهاز العصبي وتوجد في الدماغ. وتم سابقاً الكشف عن عدد قليل من تلك الخلايا في القلب.

ويُشير هذا البحث أيضاً إلى أن الخلايا الدبقية على اتصال بخلايا نظام التوصيل، وقد تلعب دوراً داعماً مهماً، يتمثل في التواصل مع خلايا جهاز تنظيم ضربات القلب، وتوجيه النهايات العصبية إليها، ودعم إطلاقها للناقل العصبي المعروف باسم "الجلوتامات".

بنية مناعية على سطح القلب

من النتائج الرئيسية الأخرى للدراسة، اكتشاف وجود بنية مناعية على السطح الخارجي للقلب. ويقول الباحثون إن هذه البنية تحتوي على خلايا البلازما، والتي تُطلق الأجسام المضادة في الفراغ المحيط بالقلب، لمنع العدوى من الرئتين.

وحدد الباحثون أيضاً مكاناً خلوياً مخصصاً لإطلاق هرمون يُمكن تفسيره على أنه "علامة تحذير مبكر" لفشل القلب.

وتقول المؤلفة المشاركة للدراسة ميشيلا نوسيدا، وهي كبيرة المحاضرين في علم الأمراض الجزيئي للقلب في المعهد البريطاني للقلب والرئة في "إمبريال كوليدج لندن"، ومنسقة شبكة أطلس الخلايا البشرية، إن "الخريطة الجديدة سيكون لها تأثير على دراسة العلاقة بين الأدوية والقلب ونبضاته الكهربائية".

وأضافت: "طور فريقنا منصة Drug2cell لتحسين طريقة تقييمنا للعلاجات الجديدة، وكيف يمكن أن تؤثر على قلوبنا، وربما على الأنسجة الأخرى أيضاً. ويمكن أن يوفر لنا هذا أداة لا تُقدر بثمن لتحديد الأدوية الجديدة التي تستهدف خلايا معينة، وكذلك المساعدة في التنبؤ بأي آثار جانبية محتملة في وقت مبكر من تطوير الأدوية".

وفقاً للباحثين، يقدم هذا البحث مزيداً من التفاصيل المعقدة حول الخلايا التي تشكل المناطق المتخصصة في قلب الإنسان، بالإضافة إلى كيفية تفاعل هذه الخلايا مع بعضها البعض.

ومن المرجح أن تفتح النتائج الجديدة بشأن نظام التوصيل الكهربائي للقلب وتنظيمه، طرقاً جديدة لمنع اضطرابات نظم القلب التي يُمكن أن تضعف وظيفة القلب، وعلاجها.

اقرأ أيضاً: