حذَّر أطباء أورام عالميين ومدافعين عن المرضى من الأبعاد التجارية للتجارب السريرية التي تنفذها الشركات الخاصة في مجال علاج المصابين بالسرطان، معتبرين أنَّها لا تعطي الأولوية للمرضى.
وقال الخبراء في تعليق نشرته دورية "لانسيت: أونكولوجي" إنَّ العالم "شهد تحولاً على مدى العقود القليلة الماضية من تجارب سريرية تمولها الحكومات ومصممة للإجابة على الأسئلة المهمة لمرضى السرطان، إلى تجارب ممولة من الصناعة تهدف لتحقيق الموافقة التنظيمية أو الميزة التجارية".
وأشاروا في تعليقهم إلى أن علم الأورام "يحتاج إلى نهج جديد يُركز بشكل أكبر على المريض ويعطى الأولوية لرعاية مرضى السرطان بشكل عادل عن طريق إمدادهم بالمعلومات عن العلاجات التي تعمل على تحسين البقاء على قيد الحياة ونوعية الحياة وتعزيز اتخاذ القرارات المستنيرة مع إتاحة العلاجات لجميع المرضى".
ووضع المؤلفون أيضاً إرشادات أساسية لتطوير مبادرة جديدة تتمحور حول نهج رعاية مرضى السرطان، وأسموها "الإدراك السليم لعلم الأورام Common Sense Oncology".
أدوية لا تساعد المرضى
وقال العلماء إنَّ قرارات علاج السرطان تزداد تعقيداً لكل من المرضى والأطباء، لافتين إلى أنه في حين أن بعض علاجات السرطان تقدم فوائد كبيرة، فإن العديد من العلاجات الجديدة المعتمدة لا تساعد المرضى على العيش لفترة أطول أو بصورة أفضل.
وأضافوا: "بالتالي، ليس من المهم فقط دراسة وتعزيز العلاجات التي تعمل على تحسين البقاء على قيد الحياة أو نوعية الحياة ولكن أيضاً لتحديد العلاجات التي لا تفعل ذلك".
ويرى الخبراء أن علم الأورام الآن يواجه مفارقة مقلقة "ففي بعض الظروف، هناك إفراط كبير في استخدام العلاجات ذات الفوائد الصغيرة جداً، وفي الوقت نفسه لا يستطيع العديد من المرضى في جميع أنحاء العالم الوصول إلى العلاجات التي يمكن أن تحدث فرقاً ذا مغزى في حياتهم".
سيطرة الصناعة
ويشير الأطباء إلى أن سيطرة الصناعة على أجندة البحث خلق نظاماً يركز بشكل أساسي على أدوية السرطان الجديدة على حساب البحث عن أساليب جديدة للجراحة والعلاج الإشعاعي والرعاية الملطفة والوقاية.
وبحسب تعليق الخبراء المنشور في الدورية العلمية المرموقة، فإن هذا النموذج إشكالي لعدة أسباب، إذ تعالج أنشطة الجراحة والعلاج الإشعاعي العديد من المرضى أكثر من أدوية السرطان، ومع ذلك تتلقى هذه الأنشطة تمويلاً أقل بكثير للبحث وتقديم الرعاية.
علاوة على ذلك، يعاني بعض المرضى في أجزاء كثيرة من العالم من سرطانات غير قابلة للشفاء، ولكنهم يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مسكنات الألم والرعاية الملطفة.
غالباً ما تدفع الاهتمامات التجارية بدلاً من الاهتمام بالمرضى، إلى أبحاث في أنواع معينة من السرطان، وهو ما يتضح من عدم التوافق بين الإنفاق البحثي على بعض أنواع السرطان والوفيات المرتبطة بها وتأثيرها على المجتمع.
تكاليف أدوية السرطان
في بعض البلدان، تكلف أدوية السرطان الجديدة أكثر من 200 ألف دولار أميركي سنوياً، بما في ذلك تلك التي لا تساعد المرضى على العيش لفترة أطول، وفقاً لما كتبه الخبراء.
ويتم استخدام نسبة كبيرة من عائدات الصناعة في الحملات التسويقية للتأثير على المرضى وصانعي السياسات وعلماء الأورام، بغض النظر عن الحاجة السريرية، والتي تسهم في الإفراط في استخدام علاجات سرطان ذات فوائد صغيرة أو لا تذكر.
ويقول الخبراء إن هناك عاملاً آخر يسهم في هذه المشاكل وهو غياب التواصل الواضح فيما يتعلق بحجم الفوائد والمخاطر المرتبطة بالعلاجات، ففي سياق السرطان المستعصي، يصعب على كل من أطباء الأورام والمرضى تحقيق التوازن بين الأمل والواقع عند مناقشة خيارات التشخيص والعلاج.
وغالباً ما يشعر المرضى والأطباء بأنهم مضطرون لفعل شيء ما عندما يواجهون مرضاً تدريجياً، حتى لو كان هذا الشيء له فائدة قليلة ويسبب آثاراً جانبية.
ويقول العلماء إنَّ التواصل الواضح والعاطفي يعد ضرورياً لضمان قيام المرضى باختيارات علاج مستنيرة، مدعومة بتوجيهات مسندة بصدق ومبنية على الأدلة من فرق الرعاية الصحية التي تتطابق مع الأهداف والقيم الفردية.
مبادرة جديدة
ويشير التعليق إلى أن العلماء المشاركين في المبادرة الجديدة سيعملون في 3 اتجاهات، هي توليد الأدلة وتفسيرها وتوصيلها للمرضى.
في الاتجاه الأول، والخاص بتوليد الأدلة، ستقوم المبادرة بتقييم فعالية علاجات السرطان الجديدة بتجارب سريرية مع إعداد التقارير التي تضمن إعطاء الأولوية للنتائج التي تهم المرضي، وليس النتائج التجارية.
وبشأن تفسير الأدلة، تستهدف المبادرة تعزيز التفكير النقدي من قبل الأطباء، حيث أن مساعدة المرضى في اتخاذ القرار يتطلب أن يكون أطباء الأورام مدربين جيداً في مجال التقييم النقدي.
ويؤكد الخبراء أنه لا ينبغي لاختصاصيين في الأورام ولجان التوجيه التوصية بالعلاجات التي تعتمد على تجارب سيئة التصميم أو تم الإبلاغ عنها بشكل سيئ والتي تظهر فوائد هامشية.
أما الركيزة الثالثة في المبادرة وهى الاتصال بالأدلة، فتهدف إلى تحسين فهم المريض والجمهور وواضعي السياسات لخيارات علاج السرطان.
وستقوم المبادرة بتثقيف وتمكين الجيل القادم من أطباء الأورام لدفع المجال لتقديم أداء أفضل للمرضى.
ويقول الخبراء إنهم يسعون إلى تقليل أوجه عدم المساواة العالمية والإقليمية في الوصول إلى رعاية عالية الجودة بتكلفة ميسورة.
ويلفت الأطباء إلى أن التحسينات في توليد الأدلة وتفسيرها ونقلها ستساعد على سد الثغرات وتقريب مجال علم الأورام من المستقبل الذي لا يتم فيه تحديد كيفية علاج المريض استناداً إلى المكان الذي يعيش فيه أو ما يمكنه تحمله أو قوة الحملة التسويقية.
ويقول الخبراء إن المهمة الأساسية ستستمر في ضمان تركيز رعاية السرطان والابتكار على النتائج التي تهم المرضى بدلاً من المحصلة التجارية.
اقرأ أيضاً: