صيف ساخن جداً.. كيف وصلت درجات الحرارة إلى هذا المعدل؟

لافتة رقمية تظهر ارتفاع درجة الحرارة إلى 54 درجة مئوية في وادي الموت بكاليفورنيا، الولايات المتحدة. 15 يوليو 2023 - Reuters
لافتة رقمية تظهر ارتفاع درجة الحرارة إلى 54 درجة مئوية في وادي الموت بكاليفورنيا، الولايات المتحدة. 15 يوليو 2023 - Reuters
القاهرة- محمد منصور

على مدار الأيام الماضية، ارتفعت بشكل مطرد درجات الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وضربت أجزاء عديدة من العالم موجات حر يقول العلماء إنها الأشد منذ عقود.

وأظهرت سجلات خدمة "كوبرنيكوس" لتغير المناخ، أن الشهر الماضي، كان ساخناً بشكل استثنائي، ما يجعله الشهر الأكثر حرارة على مدار التاريخ من حيث درجة حرارة الهواء السطحي، وبهامش كبير وصل إلى 0.53 درجة مئوية فوق المتوسط، وفاق المستويات القياسية لأكثر السنوات المسجلة عام 2019 بنحو 0.16 درجة مئوية.

هذه البيانات أكدتها أيضاً جهات أخرى، إذ سجل يونيو الماضي، رقماً قياسياً لأكثر الشهور حراً في سجل خدمة الطقس الأميركية، والتي ترصد بشكل علمي درجات الحرارة منذ 174 عاماً.

وأفادت السجلات بأنه"من المؤكد تقريباً (99.0%) أن عام 2023، سيُصنف من بين السنوات العشر الأكثر حرارة على الإطلاق".

وكانت درجة حرارة سطح الأرض العالمية لشهر يونيو، أعلى بمقدار (1.05 درجة مئوية) من متوسط القرن العشرين البالغ (15.5 درجة مئوية)، وهي المرة الأولى التي تتجاوز فيها درجة حرارة يونيو (1 درجة مئوية) فوق المتوسط طويل الأجل.

لكن، ما هو متوسط درجة الحرارة؟ وماذا تعني زيادته بذلك المقدار الذي قد يظن البعض أنه بسيط؟

متوسط درجة الحرارة

تتفاوت درجات الحرارة من ليلة إلى أخرى، وبين درجات الحرارة القصوى الموسمية في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. وهذا يعني أن بعض أجزاء الأرض باردة جداً، بينما تكون الأجزاء الأخرى شديدة الحرارة.

ومفهوم متوسط درجة الحرارة العالمية يهدف لاكتشاف وتتبع التغيرات في ميزانية طاقة الأرض بمرور الوقت، أي مقدار ضوء الشمس الذي تمتصه الأرض، مطروحاً منه مقدار إشعاعها إلى الفضاء كحرارة.

وبحسب موقع المناخ التابع للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، يبدأ العلماء حساب متوسط درجة الحرارة العالمية، بقياس درجة الحرارة المأخوذة في مواقع حول العالم.

ونظراً لأن الهدف هو تتبع التغيرات في درجة الحرارة، يتم تحويل عمليات القياس من قراءات درجة الحرارة المطلقة إلى شذوذ درجة الحرارة، والذي يُعبر عنه الفرق بين درجة الحرارة المرصودة، ومتوسط درجة الحرارة على المدى الطويل، لكل موقع وتاريخ.

وبعد ذلك، تجري العديد من مجموعات البحث المستقلة في جميع أنحاء العالم، تحليلها الخاص لبيانات درجة حرارة السطح، والتي أظهرت جميعها هذا العام اتجاهاً تصاعدياً مشابهاً.

ويمكن أن تتأثر درجة الحرارة خلال أشهر الصيف بعوامل مختلفة، بما في ذلك أنماط المناخ، وظروف الغلاف الجوي، وتقلب المناخ الطبيعي.

وعلى سبيل المثال، تلعب أنظمة الضغط العالي، المعروفة أيضاً باسم الأعاصير المضادة، وهي منطقة في الغلاف الجوي يكون فيها الضغط الجوي على السطح أعلى مقارنة بالمناطق المحيطة به، دوراً مهماً في أنماط الطقس.

وتتسبب العديد من الظروف في تكوين أنظمة الضغط العالي، والتي عادة ما تجلب ظروفاً جوية مستقرة مع سماء صافية، وغطاء سحابي محدود، ودرجات حرارة عالية، فعندما يتحرك الهواء داخل نظام الضغط العالي، يسخن ويمنع تكوّن الغيوم وهطول الأمطار، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى جفاف الطقس، ونقص هطول الأمطار، وزيادة في درجات الحرارة.

ويؤدي الضغط العالي إلى ثبات الهواء أو تحركه بشكل خفيف، ما يقلل من قوة الرياح السطحية، ويسهم في ارتفاع درجات الحرارة.

ويجلب الضغط العالي الهواء الدافئ من الغلاف الجوي العلوي إلى سطح الأرض، ما يؤدي إلى درجات حرارة أكثر دفئاً، وعندما تظل أنظمة الضغط العالي ثابتة فوق منطقة ما لفترة طويلة، يؤدي ذلك إلى "حبس" الهواء الدافئ وزيادة درجة الحرارة.

وخلال الأسابيع الماضية، تسببت أنظمة الضغط العالي في حدوث موجة حر فوق الجنوب الغربي من الولايات المتحدة وصلت فيها معدلات درجة الحرارة لمستويات قياسية.

أكبر تحديات العصر

تغير المناخ، الذي تُحركه بشكل رئيسي الأنشطة البشرية، برز كواحد من أكبر تحديات العصر. فتأثيره على مختلف جوانب نظام مناخ الأرض لا يمكن إنكاره، ويقول العلماء إن أهم آثاره هي تغير درجات الحرارة العالمية والإقليمية.

ويؤدي حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والعمليات الصناعية، وغيرها، إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغازات الاحتباس الحراري الأخرى. وتحبس هذه الغازات الحرارة، ما يؤدي إلى زيادة عامة في درجات الحرارة العالمية.

وتمتد عواقب الاحتباس الحراري إلى ما هو أبعد من بضع درجات إضافية، مع تأثيرات عميقة على نظام مناخ الأرض، منها تكثيف درجات الحرارة القصوى، التي تتجلى في صورة موجات حر أكثر تواتراً وشدة.

كما أن ظاهرة "إل نينيو" تؤثر بشكل كبير على المناخ. وتحدث تلك الظاهرة بشكل غير منتظم كل بضع سنوات، ولها تأثيرها العميق على أنماط الطقس، والنظم البيئية، والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

وهذه الظاهرة هي ارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ، وتحديداً في المناطق الوسطى والشرقية، ما يؤدي إلى تحوّل في أنماط دوران الغلاف الجوي والمحيطات، وتعد جزءاً من نمط مناخي أوسع، يُعرف باسم التذبذب الجنوبي "إل نينيو".

وتنجم هذه الظاهرة بشكل أساسي عن التفاعلات بين المحيط والغلاف الجوي. وعادة، تهب الرياح من الشرق إلى الغرب عبر المحيط الهادئ في المنطقة الاستوائية، ما يدفع المياه السطحية الدافئة نحو إندونيسيا، ويسمح للمياه الباردة بالارتفاع على طول ساحل أميركا الجنوبية.

لكن، أثناء هذه الظاهرة تضعف هذه الرياح أو تنعكس، ما يتسبب في تحول المياه الدافئة نحو الشرق. وينتج عن هذا إعادة توزيع الحرارة، والتغيرات في الضغط الجوي، ما يؤدي إلى تأثيرات بعيدة المدى.

ويمتد تأثير "إل نينيو" عبر القارات، إذ يؤدي إلى تغيير هطول الأمطار ودرجات الحرارة ومسارات العواصف، وتتأثر الأميركتين وآسيا وإفريقيا وأستراليا بهذه الظاهرة.

تأثير تيارات المحيط

العلماء يقولون إنه من المهم إدراك أن العوامل الإقليمية والمحلية يمكن أن تُؤثر بشكل كبير على أنماط المناخ. إذ تلعب الجغرافيا المحلية دوراً مهماً في تشكيل الاختلافات في درجات الحرارة داخل المناطق وفي ما بينها. ويمكن أن تسهم عوامل مثل القرب من المسطحات المائية الكبيرة، ووجود جزر الحرارة الحضرية، في تغيرات واضحة في درجات الحرارة.

كما يُمكن أن يكون لقرب المنطقة من المسطحات المائية الكبيرة، مثل المحيطات أو البحار أو البحيرات الكبيرة، تأثيراً عميقاً على التغيرات في درجات الحرارة. فالمناطق الساحلية، على وجه الخصوص، تستفيد من التأثير المعتدل للمسطحات المائية على مناخها.

وخلال أشهر الصيف، يعمل المحيط كمشتت للحرارة، ويمتص الإشعاع الشمسي، ويساعد على تبريد الهواء المحيط، ونتيجة لذلك، تميل المناطق الساحلية لأن تشهد صيفاً أكثر اعتدالاً، مقارنة بالمناطق الداخلية، كما يحد تأثير تبريد المحيط من ارتفاع درجات الحرارة.

ويمكن لتيارات المحيط الباردة والرياح السائدة، أن تحمل تأثير التبريد إلى داخل المدن، ما يؤثر على أنماط درجات الحرارة. وغالباً ما تتميز المناطق الساحلية بمناخ بحري معتدل صيفاً وشتاءً نسبياً، مع تقلبات أقل في درجات الحرارة مقارنة بالمناطق الداخلية.

وقد يُعزى هذا التأثير المعتدل إلى المعدل البطيء الذي تتغير فيه درجة حرارة الماء، مقارنة بدرجة حرارة الأرض، ما يخلق مناخاً ساحلياً أكثر استقراراً.

وفي حين أن القرب من المسطحات المائية الكبيرة يُوفر التبريد، فإن المناطق الحضرية تشهد ظاهرة معاكسة تُعرف باسم تأثير جزيرة الحرارة الحضرية. إذ قد يؤدي تركيز المباني والخرسانة والأسفلت والأنشطة البشرية في مناطق محددة، إلى زيادة امتصاص الحرارة والاحتفاظ بها، ونتيجة لذلك تميل المدن لأن تكون أكثر حراً من المناطق الريفية المحيطة بها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات