فائز بنوبل يبتكر جهاز تنفس اصطناعي "بسيط" ويطرح تصميماته مجاناً

دبي -محمد منصور

قدمت ورقة علمية نُشرت نتائجها، الثلاثاء، في دورية "Physics of fluids"، تصميماً مبتكراً وثورياً، لجهاز تنفس اصطناعي، خال بشكل كامل من الأجزاء الميكانيكية. 
 
وشارك في تصميم الجهاز، العالم الكندي المتخصص في فيزياء الجسيمات، والحاصل على نوبل الفيزياء لعام 2015 آرثر ماكدونالد.
  
خلو جهاز التنفس الاصطناعي من الأجزاء الميكانيكية المتحركة، يعني أن إمكانية تصنيع جهاز للتنفس منخفض التكلفة بات ممكناً على نطاق واسع، من دون الحاجة لخبرات كبيرة في التصنيع.



يحتاج الجهاز لمصدر للأكسجين المضغوط للعمل. وتم اختباره على أوضاع مختلفة تضمن العمل مع مجموعة واسعة من المرضى الذين يحتاجون لتدفق هواء ضمن عملية التنفس الاصطناعي بنسب مختلفة.

وأكد المؤلف الأول للدراسة كريستيان غالبياتي، وهو أستاذ الفيزياء في جامعة برينستون الأميركية ومعهد ساسو للعلوم، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إمكانية تصنيع الجهاز وإنتاجه بكميات كبيرة، في غضون بضعة أشهر، مشيراً إلى أن الجهاز الجديد يُمكن أن يساعد في علاج ملايين المرضى حول العالم خاصة مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد.

تصميم بسيط

يتكون جهاز التنفس الاصطناعي الجديد من صمامين لمدخل ومخرج الغاز، مع سلسلة من أدوات التحكم وأجهزة الإنذار لضمان المراقبة المناسبة، وتخصيص عمله من حالة مرضية إلى أخرى.

وتم تصميمه من أجزاء متوفرة بسهولة، ويتم تصنيعه بموجب ترخيص مفتوح، ما يسمح للبلدان النامية بتصنيع وحداتها الخاصة بسرعة وسهولة.

وخلال الأزمة الصحية التي تعصف بدول العالم الآن، ومشاكل في نقص أجهزة التنفس الاصطناعي، مما يضع العديد من القيود على أنظمة الرعاية الصحية، تتضافر الجهود في محاولة لإيجاد تصميمات مبتكرة جديدة بمواد متاحة تجارياً، لتصنيع عدد كبير من الأجهزة يواكب الزيادة المهولة في أعداد المرضى بعدوى كورونا.

المفتاح السحري

ووفقاً للدراسات الحالية، يعاني ما يقرب من 5% من المرضى الذين يتم علاجهم في المستشفيات من تلف للرئة وانهيار مناطق منها وتسرب البلازما فيها، ما يستدعى وضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي.

وقال غالبياتي، إن الفيزياء "كالعادة.. كانت المفتاح السحري لتصميم ذلك الجهاز، فضمن أكثر الأجزاء صعوبة في تصنيع تلك الأجهزة هي الصمامات الميكانيكية المتحركة، خاصة أن تصميمات تلك الأجزاء محمية بموجب حقوق الملكية الفكرية للشركات، وهو ما يجعل إنتاجها حكراً على شركات ذات خطوط إنتاج محدودة لا تفى بمتطلبات السوق في الوقت الحالي. لذا، اتجه الفريق البحثي المكون من أكثر من 200 باحث للعمل على تصميم جهاز لا يعتمد على الأجزاء الميكانيكية".

فكرة مستوحاة

بدأ العمل في تصميم الجهاز في مارس الماضي، بعد أسبوع واحد من إجراءات الإغلاق في إيطاليا. إلا أن ذلك التصميم مستوحى من الفكرة التي اقترحها علماء عام 1961، والتي أشارت لإمكانية استخدام ضغط الغازات كقوة دافعة لجهاز بسيط يُمكنه العمل في غرف العناية المركزة كجهاز تهوية ميكانيكي (جهاز تنفس اصطناعي) من دون الحاجة لأجزاء ميكانيكية متحركة مرتفعة التكلفة.

وقام العلماء في دراسة اليوم، باستبدال جميع الأجزاء الميكانيكية المتحركة بمكونات كهروميكانيكية، ما يسمح بتحكم أفضل في ضغوط الغاز، وتحسين المتانة والموثوقية في الأجهزة.

ولفت ماكدونالد في بيان صحافي من جامعة كوينز، إلى أن ذلك الجهاز جاء تتويجاً لتعاون بين علماء فيزياء الجسيمات ومتخصصي البرمجيات والمهندسين.

شعور بالعجز

وأشار ماكدونالد إلى أنه "شعر بالعجز نوعاً ما أثناء الجائحة، لكونه غير متخصص في الفيزياء الطبية"، لكنه قرر "التعاون من الآخرين وتسخير ما يعرفه للمساعدة في الحد من تلك الجائحة وتوفير قدرات تصنيعية جديدة على المستوى الدولي لمعالجة أخطر الحالات أثناء الوباء".

وحصل الجهاز بالفعل على إذن للاستخدام في حالات الطوارئ، من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

بالإضافة إلى سهولة التصميم، وعدم الحاجة لإمكانيات كبيرة لإنتاجه بشكل واسع النطاق، لا يُكلف تصنيع الجهاز إلا خُمس الأموال اللازمة لتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي الاعتيادية.

ويُمكن استخدام ذلك الجهاز بمساعدة أنابيب القصبة الهوائية. ويقتصر استخدامه في الوقت الحالي على المرضى البالغين المعرضين لتلف الرئة.

وعلى الرغم من أن تصميم الأجهزة وتصنيعها من مهام العلماء التطبيقيين، إلا أن أحد كبار العلماء في المعهد الإيطالي للفيزياء النووية INFN Cagliari، والتر بونيفينتو، والمتخصص هو الآخر في فيزياء الجسيمات، قال إنه "بالنسبة لعالم ملتزم بالعلوم الأساسية كالبحث عن المادة المظلمة في الكون، من المهم للغاية تكريس الوقت والخبرة لبناء أجهزة يُمكن أن تساعد في تحسين صحة الناس".